شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةتقاريرخاص

كواليس صراع الصين وتركيا والهند بإفريقيا

دول تحشد أسلحتها لحماية مصالحها الاقتصادية بالقارة السمراء

بات الصراع حول إفريقيا يتخذ صورا مختلفة عن القرن الماضي، سيما بدخول عدد من القوى الدولية الجديدة، التي بدأت معركة المنافسة الشرسة للدول الاستعمارية القديمة منذ سنوات. التحركات التي تشهدها الأرض المليئة بالمعادن والخيرات، من قبل الصين والهند وتركيا، تؤكد أن كل واحدة منها استدعت جانبا من قوتها الخشنة أو الناعمة، ومن رأسمالها المادي والرمزي، من أجل تثبيت أقدامها وحماية مصالحها في القارة السمراء.

لتسليط الضوء على هذه التحركات، قامت مجلة «شالانج» بتخصيص ملفات عن هذه المعركة الحامية الدائرة في أهم النقاط الإفريقية اليوم. ومن أبرز القطاعات التي تشكل مجالات وأدوات في هذه المعركة الأسلحة والصحة والبناء… وكل متخصص في هذه المجالات/السلع ينشد النجاة من موت داخلي أو نقل الموت إلى داخل بعض الدول الاستعمارية القديمة للقارة.

إعداد: محمود عبد الغني

 

 

من يوم 06 غشت إلى 13 منه، رست السفينة الصينية العملاقة، التي تحمل 25000 طنّ، وهي عمارة بحرية استراتيجية تابعة لقوات التحرير الشعبية، رست في «دورلاه»، المقرّ العسكري الصيني الأول، خارج الصين، والأكثر سرية في أبيدجان. كما رصد القمر الاصطناعي الفرنسي «بروليجانس»، حاملة المروحيات الصينية «شانغهاي شان»، التي تستطيع نقل 800 جندي بحري.

إن مرور هذه السفينة بهذه الدولة الصغيرة في القرن الإفريقي، على أبواب مضيق «باب المندب»، المركز الحسّاس للتجارة العالمية، يترجم بقوّة الصعود القويّ لهذه القاعدة التي تمَّ افتتاحها سنة 2017. ذلك ما يؤكّده «أوريليان دوبييفر»، الإطار في «بروليجانس»: «تُظهر عمليات الكشف الآلية لدينا زيارات متكرّرة بشكل متزايد للسفن الكبيرة في الأشهر الأخيرة.»

هذه القاعدة المحشورة بين ميناء جيبوتي، الذي تستغلّه الصين، والمحطة الجديدة، النهائية في الربط بين جيبوتي-أديس أبابا (إثيوبيا)، والمنشأة والممولة من بيكين، تؤوي، حسب معلومات غربية، ترسانة حقيقية: ذخيرة من المواد الغذائية، وحدات الحرب الإلكترونية الخاصة بقوات التحرير الشعبية، مدرج الطائرات بدون طيّار… في حين أن الموقع سيستقبل «أقلّ من 1000 جندي في هذه القاعدة المخصّصة للدعم اللوجستي»، كما أكّد سفير دجيبوتي في باريس «عائد مسعد يحيى»، ناهيك عن أن عدّة مصادر أمنية فرنسية تطرّقت لطاقة استيعاب قصوى تصل إلى 5000 شخص، وتؤكّد وجود إمكانيات ضخمة مخبّأة في هذا الموقع.

 

التاجر الأول للأسلحة

تبدو التوقعات العسكرية الصينية في القارة الإفريقية غامضة. وإذا كانت بيكين تتوقّع أيضاً إنشاء قاعدة عسكرة ثانية، في غينيا الاستوائية، وتتصوّر أنها البائع الأول للأسلحة في إفريقيا- منذ قدوم «كسي جيبينغ» للسلطة في 2013، ارتفعت مبيعاتها بنسبة 55 بالمائة- غير أن استراتيجيتها مازالت هجينة. «ماثيو ديشاتيل»، الباحث في معهد «مونتيني»، يصدر هذا الحكم: «يمكن أن تؤدي الأعمال العدائية، سواء كانت صادرة عن جماعات إرهابية أو ناتجة عن صراعات داخل دول المنطقة، إلى استخدام جيبوتي في عمليات استخباراتية، أو إجلاء المواطنين، أو إطلاق سراح الرهائن، أو التخويف، أو حتى توجيه ضربات مستهدفة. جميع الخيارات مطروحة فوق الطاولة.» مواطنه «أنطوان بونداز»، المكلف في المؤسسة بالبحث الاستراتيجي، ينادي، هو الآخر، بـ«عدم التركيز على الجانب العسكري في حين أن أولوية الصينيين، فوق كل شيء، هي الأمن. تعمل بكين على مضاعفة تدريب رجال الأمن والاستخبارات في القارة، مما يساهم في استتباب الأمن السياسي لبعض الأنظمة.» كما أنه يضمن الحماية للاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا. فالصين تمثل 16 بالمائة من تدفّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على القارة، مقابل 8 بالمائة بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

 

طموحات أنقرة في إفريقيا

ولجت تركيا إلى إفريقيا بواسطة مشروع تمثيلي، في نهاية أبريل 2016، عندما طار بطلا البناء التركيان، سوما وليماك، لإنقاذ السنغال من أجل استكمال بناء مطار بليز دياغني الدولي الذي طال انتظاره (40 كيلومترا من داكار)، والذي فشلت المجموعة السعودية بن لادن في إنهائه، كان العديد من المراقبين حذرين. «التزمت شركة «سوما» بطريقة حازمة للغاية، باعتبارها كانت هي المقاول الرئيسي، بتسليم البنية التحتية بعد ثمانية أشهر عندما كان لا يزال هناك 15٪ من العمل الذي يتعين القيام به، يتذكر، بإعجاب، الفرنسي كزافييه ماري، رئيس إدارة بليز دياغني من 2017 إلى 2021، الرئيس السابق لمطارات ليون. لقد تم احترام الهدف حرفيا وكل ذلك بنهاية تليق بأفضل المعايير الدولية.»

 

مساجد ومدارس وملاعب

مشاريع واسعة النطاق ومواعد سريعة وقريبة الآجال، يبدو أن هذا هو شعار العمالقة الأتراك، في إفريقيا، في قطاع البناء، القاطرة الحقيقية للإمبراطورية العثمانية القديمة. تأسست في جميع أنحاء القارة، مع معاقل قوية في السنغال، والجزائر والموزمبيق، حيث يتمّ بناء ملاعب كرة القدم وكذلك السدود الهيدروليكية أو الفنادق الفاخرة، تمثل هذه المجموعات العقارية، ترمز هذه المقاولات إلى اختراق تركيا المثير للإعجاب للأراضي الإفريقية. وبالابتعاد تدريجيا عن أسواقها الأوروبية التقليدية، شهدت تركيا نموّ تجارتها الإجمالية مع إفريقيا من 3 مليارات دولار في عام 2003، عندما وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة، إلى 26 مليارا في 2021. يؤكد ذلك علي أنانير، سفير تركيا في فرنسا، قائلاً: «في بداية سنة 2000، اختارت السلطة السياسية بقوة الرهان على اختيار التنمية في إفريقيا ومرافقة بحيوية مقاولاتنا في القارة.» والترجمة الملموسة لهذا الاختيار تتجلّى في أنه خلال عشرين سنة، ارتفع عدد السفراء الأتراك بإفريقيا، الشيء الذي جعل تركيا في المرتبة الرابعة بين الدول الأكثر تمثيلية دبلوماسياً في القارة، بعد الصين، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. فضلا عن أن الرئيس أردوغان يقدم تركيا باعتبارها أمة أفرو- أوراسية، وضاعف من زياراته (أكثر من ثلاثين زيارة سنة 2003)، كما وضع وزراءه في تناغم معه مثل رئيس الديبلوماسية التركية الذي لا يتزعزع «ميفلوت سافوسوغلو»، الذي زار إفريقيا في بداية يناير من أجل القيام بجولة في خمس دول. وفي الفترة نفسها استغلت أنقرة «قدرة إقناعها»، بإنشاء مجموعة من المساجد، ومنتدى للأعمال تركي-إفريقي، كما موّل صندوق مؤسسة وقف المعارف عشرات المدارس على الأراضي الإفريقية. أما بالنسبة لشركة الطيران الوطنية الخطوط التركية، فهي تتقدم بخدماتها لنحو 61 وجهة في جميع أنحاء القارة، مقابل 40 خطا فرنسياً.

 

الهند تستثمر في الصحة

بعد فترة طويلة، ألقي القبض، في دبي في يونيو 2022، على الأخوين أتول وراجيش غوبتا، وهما رجلا أعمال هنديان ثريان مقيمان في جنوب إفريقيا. وتمّ اتهامهما بنهب موارد البلاد من خلال نظام فساد واسع. «فتح الرئيس السابق «جاكوب زوما» بجد أبواب الشركات المملوكة للدولة لجوبتا من خلال دعوتهم لاستخدام أموال وأصول شعب جنوب إفريقيا»، يكتب ريموند زوندو، القاضي المكلف بالتحقيق في الاختلاس الهائل لعصر زوما.

كانت تهمة الشقيقين هي اختلاس ما لا يقل عن 3.5 مليارات دولار. قبل سقوطهما، كان الأخوان غوبتا، عند وصولهما إلى إفريقيا الجنوبية في سنة 1990، قد أسّسا إمبراطورية في قطاعات الإعلام، واليورانيوم ومناجم الفحم.

ورغم أنه ليس نموذجاً إيجابياً جدّاً للعلاقات الهندو-إفريقية، فإن هذا الأخير يرسم الهجوم المذهل لنيودلهي، خصوصاً في الشرق: في إفريقيا الجنوبية، حيث 150 شركة هندية تأسست قبلاً، وفي كينياً أيضاً، وتانزانيا، ومدغشقر. خلال عشرين سنة، تضاعفت الصادرات الهندية نحو القارة السمراء، بأكثر من 13 مرة، تحملها مجموعات تجارية مثل «آرتيل» أو «تاتا»، بالغة 25 مليار دولار في سنة 2021. بمبلغ 8 مليارات أكثر من فرنسا.

«هذا الاختراق مثير للإعجاب بشكل خاص في قطاع الرعاية الصحية»، يقول «أروني شودهوري»، رجل الاقتصاد المتخصص في إفريقيا وفي المخاطر الاقتصادية. فشركات مثل «جوانهوب فارما»، و«لوبان فراماسوتيكال» أو «سيبلا» بلغت الذروة في مبيعات المواد الصيدلية، وصلت 40 بالمائة من الصادرات الهندية في القارة. وأزمة «كوفيد» كشفت عن الحاجة القوية للأدوية الهندية، وهذه العلاقات الاقتصادية ساهمت في تسهيلها الجالية الهندية الموجودة بقوة، والتي استقرت في إفريقيا ابتداء من القرن التاسع عشر، وبلغت اليوم ثلاثة ملايين مواطن، نصفهم في إفريقيا الجنوبية. في جزر «موريس» 70 بالمائة من الساكنة من أصول هندية.

ومثلهم مثل الصينيين، يضع المسؤولون الهنود الحزمة الديبلوماسية في المقام الأول، وذلك بمضاعفة الزيارات والمؤتمرات والندوات مع نظرائهم الأفارقة. هذا إضافة إلى التاريخ المشترك بين الشعوب، في هذا الصدد يؤكد «ناراندا مودي» على كون الهنود والأفارقة «حاربوا الاستعمار»، ويضيف قائلاً: «إن معركة الهند من أجل الاستقلال والحرية مرتبطة جداً بإفريقيا». فمبادئ المهاتما غاندي ألهمت العديد من القادة الأفارقة.»

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى