محمد أبطاش
تحولت عدة مدن بالصحراء إلى ما يشبه حلبة للصراع السياسي قبيل الاستحقاقات الانتخابية بأسابيع قليلة، فقد أدى ترشيح حزب الأصالة والمعاصرة للشيخ محمد بيد الله بمدينة السمارة، إلى قلب المعادلة السياسية بجهة العيون، معيدا الصراع القديم والحديث بين «الجرار» وآل الرشيد الاستقلالية، الذي وصل صداه حتى بيت وزارة الداخلية.. هذه الانتخابات التي ينتظر أن تكون حاسمة في الجهات الصحراوية الثلاث استعدادا للجهوية المتقدمة، حملت عدة مفاجآت بعد أن وضع أحد أقرب المقربين إلى الانفصالية أمينتو حيدر، ترشيحه للمشاركة في أحد الأحزاب السياسية ببلدية المرسى، كما شكلت مقاطعة عائلة الجماني لهذه الاستحقاقات مفاجأة أخرى غير متوقعة. «الأخبار» تكشف كواليس مثيرة حول هذه الاستحقاقات بين آل الرشيد و«البام» بجهة العيون، وآل بلفقيه وآل بوعيدة بواد نون من جهة ثانية..
مفاجأة في عقر دار آل الرشيد
لم يكن أحد يتوقع أن ينزل الشيخ بيد الله إلى مسقط رأسه بمدينة السمارة، تزامنا والتقسيم الجهوي الجديد الذي ألحق المدينة المذكورة بجهة العيون- الساقية الحمراء. وحسب بعض العارفين بالخبايا السياسية للمنطقة، فإن عائلة آل الرشيد كانت تطمح في وقت سابق لاكتساح هذه المدينة الصغيرة، إذ كانت تعي جيدا أن الخير كله أو الشر، الذي قد يهدد مصالحها سيأتي يوما ما من هذا المنفذ الجاف، بيد أن وضع ملف الترشيح بها تزامنا وكون بيد الله على أبوابها السياسية، سيكون بمثابة انتحار لحزب الاستقلال. لهذا استقر الحال بكل من رئيس الجهة ورئيس المجلس البلدي بالترشح لولايات أخرى بالمناصب نفسها والمدينة ذاتها أي العيون.
وقد تتبع الجميع، قبيل بداية الحملة الانتخابية، كيف سارع حمدي ولد الرشيد إلى وضع شكاية ضد عامل إقليم السمارة، ولا زالت التحريات قائمة للبحث في هذا الموضوع من قبل المصالح المختصة، بعد أن اتهمه بكونه وراء هجر بعض الاستقلاليين نحو حزب معين، حسب تعبير الشكاية، إذ كانت صدمة آل الرشيد ساعتها قوية جدا.
وتعليقا على هذه المفاجأة، أكد عبد الفتاح الفاتحي، الخبير في شؤون الساحل والصحراء، «أن ترشح الشيخ بيد الله لم يأت أساسا عن رغبة من حزب الأصالة والمعاصرة في الاستفادة من الأصول الصحراوية للشيخ بيد الله»، ولكن لأن اسم الرجل، يضيف المتحدث نفسه، «ارتبط بتأسيس حزب «البام»».
فضلا عن ذلك يعد بيد الله أحد الوجوه التي ظلت تؤثث المشهد السياسي المغربي لمدة طويلة، وهو الذي يبقي عليه شخصية لها تأثير كبير لاستمالة أصوات الأقاليم الجنوبية حيث لا يزال نظام القبيلة يسمح بالانتصار لشيخهم وكبير قبيلتهم وفق عصبية إسناد ذوي القربي».
وإن أمكن الاستثمار في عامل الأصول، فإن «الدوافع قد تكون أكبر، ومنها أهمية تنزيل الجهوية في إقليم الصحراء، والتي تحتاج إلى تفاعل سياسي على قدر أهمية هذا النظام الجديد، وعلى قدر أهمية العيون كعاصمة للأقاليم الجنوبية، إذ إنها محتاجة إلى مكتب جهوي لتساهم فيه كل الفعاليات الحزبية، بما يمكن من ضمان تنزيل سليم للجهوية والاستجابة لحاجياتها في استقلال تدبيري عن الإدارة المركزية في الرباط»، يشدد الفاتحي.
وعن السيناريوهات المحتملة في حال فوز بيد الله في هذه الاستحقاقات الانتخابية نظرا للتاريخ الأسود بين حزبي «البام» و«الميزان»، منذ أحداث «إكديم إزيك» الدامية بالمنطقة، قال الفاتحي إن «فوز الشيخ بيد الله في الانتخابات الجهوية بالصحراء سيخلق نوعا من توازن قوى النفوذ السياسي أمام آل الرشيد»، وذلك، حسب المتحدث نفسه، أمر جد إيجابي لأن المنطقة تعيش نوعا من التدافع السياسي، هي في أمس الحاجة إليه. فمن شأن ذلك تجويد مشاريع تنمية المنطقة، حيث إن هذا التنوع السياسي سيفيد الجهة في رؤية وتصورات وكفاءات سياسية جديدة يمكنها أن تساهم في تطوير الحراك السياسي على المستوى المحلي. كما أن واقع الجهوية المتقدمة يستدعي الكثير من التفاعل والتدافع السياسي المنتج لدربة سياسية، وتطوير مشاريع وبرامج تحقق حاجيات سكان أقاليم الجنوب المغربي. ولذلك، فإن ترشيح الشيخ بيد الله وإن لم يحد من هيمنة آل الرشيد على الشأن المحلي في مدينة العيون، يزكي الأطروحة التي تركز على «ما يعلق من آمال على جهة الجنوب المغربي التي هي في حاجة إلى كل طاقاتها للوصول إلى أجود المشاريع التنموية والاجتماعية، أي برامج تجيب على التحدي الخارجي المتعلق بنزاع الصحراء وتلبي طموحات الشارع الصحراوي»، حسب الفاتحي.
نزال قوي بين آل بلفقيه وآل بوعيدة
طبول النزال الانتخابي بالصحراء دقت من بابها الأوسع كلميم، أو واد نون كما يحلو للسكان المحليين أن يطلقوا عليها. فإلى وقت قريب كانت عائلة آل بلفقيه التي تتحدر من قبائل آيت باعمران، هي التي تكتسح الشأن المحلي منذ سنة 2003، والتي تعرضت لانتقادات واسعة بعد الطوفان الذي ضرب الإقليم خلال نونبر الماضي، وهو الأمر نفسه الذي حملته انتخابات 2015، قبل أن تضع عائلة آل بوعيدة المدعومة من قبيلة آيت لحسن، ملف ترشحها لهذه الاستحقاقات أيضا، مما ينذر بنزال انتخابي قوي، خصوصا بوجود المعطى القبلي بين الطرفين. ويرى الفاتحي، المختص في شؤون الصحراء، حول هذا المعطى، أن «كل مرشح له أن يحد إمكانياته التي يبني عليها أسباب نجاحه في التنافس الانتخابي، وطبيعي أن تستند بوعيدة على الاستفادة من تجربة في وزارة الخارجية كنموذج للمرأة التي تعد تجربتها مقبولة إلى حد كبير، وطبيعي أن ذلك زاد من هيبتها وشعبيتها وحضورها في الشارع المحلي الصحراوي، وطبعا مستفيدة من أصولها الصحراوية «قبيلة أيت لحسن» الأكثر قبولا في الوقت الراهن لدى الرأي العام بجهة كلميم- واد نون، يقول الفاتحي مشددا على أن «بوعيدة ستستثمر حالة الإرباك الذي أصاب عبد الوهاب بلفقيه حزبيا بعدما حاول الترشح باسم حزب «الحمامة»، وكذا مسؤوليته التقصيرية في تدبير إقليم كلميم، فضلا عن المشاكل التي أثارها ومنها الدفع في اتجاه إقالة عامل الإقليم عمر الحضرمي. الأمر الذي زاد من شدة الاحتقان القبلي لقبيلة الركيبات ضد بلفقيه، حيث اعتبرت في بيان لها أن إقالة الحضرمي إهانة لها».
وأضاف «أن ترشيح امباركة بوعيدة لن يخرج عن استراتيجية الحزب في الحرص على الاستفادة من الكاريزما السياسية التي كونتها بوعيدة بعد تجربتها المقبولة، بحسب الرأي العام الوطني في وزارة الخارجية، ولأنها تعد أحد الأطر عالية التكوين في حزب التجمع الوطني للأحرار».
ويرى الفاتحي أن «ترشيح بوعيدة لا يخرج عن الحاجة إلى كفاءة جهوية في منطقة الصحراء، لكسب رهان بدايات تنزيل الجهوية المتقدمة في الأقاليم الجنوبية، حيث إن هذه التجربة تستدعي نخبة محلية على مستوى عال من الدربة والخبرة السياسية والدبلوماسية».
«ترشح امباركة بوعيدة يأتي، بحسب حزب «الحمامة» في هذا الإطار، أي لإشباع حاجيات جهات الصحراء إلى كفاءات محلية، لأن توازن بين الرهانات التنموية والتحديات السياسية الدولية المرتبطة بملف الوحدة الترابية، ومواصلة الترويج لمقاربة الحكم الذاتي كحل وحيد لنزاع الصحراء. وذلك من مدخل أن الجهوية المتقدمة هي تجربة أقرب جدا إلى هذه المبادرة المقترحة للحل، والتي تضمن فعليا معنى تقرير المصير الذي تسند إليه البوليساريو والجزائر ادعاءاتهما بأنه ورد في تقارير وقرارات أممية»، يقول الفاتحي، مشيرا إلى أنه «لا يمكن تغييب الطموحات الشخصية المرتبطة بالتمكين في محيطها الجنوبي، والذي يعد أكبر سند لاستوزارها أو كان اعتبارا قويا لأن تصبح في منصب دبلوماسي رفيع».
ومن جهة أخرى، فخلافا لتجربة الجهات السابقة، والتي لم تكن تغري المترشحين من الوزراء، فإن «الصلاحيات الواسعة للجهات ولرئيس الجهة كمدبر وآمر بالصرف، تجعل من الحضور على مستوى الجهة أمرا جد مغرٍ، ولذلك نشهد تسابقا محموما لوزراء نزلوا إلى الجهات للترشح في شبه مغادرة جماعية لمناصبهم الوزارية»، يضيف المتحدث نفسه لـ«الأخبار».
آل الجماني يقاطعون
حملت الانتخابات الجهوية والجماعية هذه السنة، أكثر من مفاجأة، حيث استغرب المتتبعون للمشهد، غياب الوجه المألوف في كل موسم انتخابي، ويتعلق الأمر بعائلة الجماني الثرية التي ظل أبناؤها يحتكرون حزب الحركة الشعبية لسنوات قبل أن يلجأ بعض منهم إلى تغيير الجلد السياسي نحو حزب «الجرار».
بعض المصادر الخاصة أكدت أن آل الجماني، عبرت عن امتعاضها من اكتساح عائلة واحدة للمشهد السياسي بالمنطقة، ما جعلها تقاطع الانتخابات المحلية. وربطت «الأخبار» الاتصال مرات متعددة بخطوري الجماني عن حزب «السنبلة» بالمدينة، غير أن هاتفه ظل يرن دون مجيب.
احتقان داخل مطبخ «البيجيدي»
فقدان حزب العدالة والتنمية لشبيبته التي هاجرت نحو حزب شباط في وقت سابق، بعدما تعرض لما يشبه «تفريغا» واستقالة شبه جماعية من السمارة، عاد بالسلب على انطلاق الحملة الانتخابية للحزب الحاكم بالصحراء، والتي بدأت تسير في بعض الشوارع بشكل «أعرج»، إلى جانب كواليس أخرى كشفتها مصادر من قلب الحزب لـ«الأخبار»، حيث سبقت انطلاق الحملة ووضع اللوائح الانتخابية أجواء مشحونة بين إخوان بنكيران، إذ أدى إقصاء أحد البرلمانيين بالفرع المحلي للعيون، إلى انقسامات ما استدعى تدخل بعض الأطراف لتهدئة الأمور، قبل أن تنفجر في وجه بنكيران، إذ وجد البرلماني نفسه يدور في حلقة مفرغة بعد أن حاول الانخراط في حملة محاربة «الفساد» التي سبق وأن رفعتها الأمانة العامة إبان «الربيع العربي»، قبل أن ينقلب الشعار إلى «مواصلة الإصلاح».
وبينما شكل ظهور زوج إحدى البرلمانيات في الواجهة السياسية المحلية، سببا آخر لانتفاضة مجموعة من الأعضاء وصل صداه حتى العاصمة الرباط، بعد أن لجأ أحد هؤلاء إلى صفحته الفيسبوكية لنشر الغسيل، مؤكدا أن حركة التوحيد والإصلاح لها يد في ما يجري، جراء تواجد مجموعة من أعضائها في الواجهة همهم حماية مصالحهم الاقتصادية بالمدينة، من ضمنهم نقابي متفرغ من التعليم يدير مدرسة خاصة تعتبر الأكبر بالعيون.
حلبة الموت
تعتبر بوجدور حلبة الموت بامتياز، والتي ظهرت تجلياتها منذ اليوم الأول من وضع حزب الحركة الشعبية للائحته، ويتقدمها البرلماني إبراهيم خيا، الأمر الذي استفز عبد العزيز أبا، أحد أبناء عمومته الذي يرأس المجلس البلدي عن حزب الاستقلال، إذ تحولت المدينة إلى ساحة البقاء فيها للأقوى، ما استدعى تعزيزات أمنية حلت بالمدينة منذ بداية الحملة الانتخابية، والتي ترابط بعدد من الثكنات إلى جانب مواقع حساسة مخافة انفلات الأمور، بعد أيام قليلة تفصلنا عن يوم الاقتراع.
هذه الأحداث التي نتج عنها تكسير واجهات لسيارات بعض الأعضاء، وكذا تعرض آخرين للضرب والتهديد، وصل إلى القضاء بعد أن وضع حزب الاستقلال شكاية في الموضوع لدى القاضي المقيم ببوجدور (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها)، يتهم فيها خصمه الحركي بتسخير البلطجة، الأمر الذي دفع الأخير بدوره إلى وضع شكاية مماثلة يتهم أنصار حزب «الميزان» بالاعتداء عليه.
ولم يتفاجأ الرأي العام المحلي بهذه الوقائع، حيث كان متوقعا، حسب مصادر مطلعة، منذ بداية السنة الجارية بعد أن تناسلت بيانات تحمل توقيعات أحزاب محلية، ومن ضمنها الحركة الشعبية، تكشف عن اختلالات في التدبير وخاصة في ما يتعلق بالمطرح البلدي الذي التهم الملايين من الدراهم.
طرائف وغرائب انتخابية بالصحراء
• لم يجد رئيس المجلس البلدي لطانطان السالك بولون، الذي ستنتهي ولايته خلال الأيام القليلة القادمة، سوى حاويات الأزبال لمحاولة استمالة الناخبين، حيث تفاجأ المواطنون بالمدينة، صبيحة الجمعة الماضي، بهذا الأمر، خصوصا بعد أن تراجع هذا المنتخب إلى وراء الستار، حيث استغربوا من وضع هذه الاليات الجديدة في كل الأزقة الهامشية والشوارع الرئيسة، ومدون عليها «بلدية طانطان».
• من الغرائب التي حملتها الاستحقاقات الانتخابية إلى الرأي العام المحلي بمنطقة واد نون، ترشح ثلاثة أسماء من عائلة واحدة، والتي ظلت تسير الشأن المحلي منذ سنة 2003، ويتعلق الأمر بآل بلفقيه، حيث رشح للانتخابات الجهوية عبد الوهاب بلفقيه، الرئيس الحالي للمجلس البلدي، والذي تنازل لشقيقة المرشح عن الانتخابات الجماعية محمد بلفقيه، ثم لحسن بلفقيه من العائلة ذاتها، إذ خلقت صور لهم يتصدرون اللوائح جدلا واسعا بالجهة كما هو الشأن في مواقع التواصل الاجتماعي.
• طريفة أخرى من مدينة العيون هذه المرة، حيث وصلت الحملة الانتخابية أشدها بالمدينة، بعد أن دخل «البام» في هذه المنافسة بترشح بيد الله بالانتخابات الجهوية، حيث استعان حمدي ولد الرشيد بالعشرات من الصفحات الاجتماعية على الفيسبوك عبر خلية خاصة، عقد معها اجتماعات مطولة بعيدا عن الأعين، وحثها على الترويج بشكل قوي لما قال عنها إنجازاته. غير أن المثير هو وضع أكبر ملصق إعلاني يبلغ أزيد من 06 أمتار يتضمن ساحات عمومية وبعض المشاريع التي لم تساهم فيها بلدية العيون سوى بمبالغ مالية ضعيفة جدا، لكن معطيات توصل بها ولد الرشيد تفيد أن أحزابا كانت بصدد الطعن في لائحته واستغلال هذه الهفوة، جعل الاستقلاليين يسحبون المنشور الطويل من على أحد أسوار يمنع وضعه فيها بشكل قانوني.
• أثارت الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية امباركة بوعيدة، جدلا واسعا بمنطقة واد نون، بعد أن غيرت ملابسها العصرية، بالملحفة الصحراوية، وهي تدخل غمار المنافسة الانتخابية، إذ ظهرت الأخيرة بشوارع مدينة كلميم وبيوت بعض النافذين من عائلة آل بوعيدة، وهي شبه مخنوقة «بلباس الانتخابات»، وتساعدها بين الفينة والأخرى، بعض النسوة المحليات كما تظهر ذلك بعض الصور المتحصل عليها.
• تعرضت الانفصالية أمينتو حيدر لصدمة بعد أن تقدم أحد أفراد عائلتها إلى وضع ترشحه داخل أحد الأحزاب المحلية بمدينة المرسى (حوالي 25 كيلومترا عن العيون)، ليكسر الأخير بذلك شوكة عائلة حيدر التي ظلت إلى الأمس القريب تقاطع كل شيء وطني.