كن مسيحيا لا تكن صليبيا
بقلم: خالص جلبي
في الواقع وفي مقدمة مقالتي هذه أكرر ثلاث عبارات هامة، فأقول كن مسيحيا بصدق واقرأ الإنجيل جيدا، ولا تكن صليبيا حاقدا. وهو ينطبق على المجموعات الإسلامية في منطقتنا، فأقول كن مسلما على دين إبراهيم حنيفا، ولا تكن من المشركين ولا تكن داعشيا. وهو ينطبق على بقية الأديان، فأقول كن يهوديا على تعاليم موسى، ولا تكن صهيونيا على ملة هرتزل. وهو ينطبق على البوذيين أيضا أن يكونوا سلاميين فلا يقتلوا مسلمي الروهينغا. أقول هذا في المقدمة، فقد راسلني الأخ هشام ملا حسين (الملا عند الأكراد هو الأستاذ من يدرس الطلبة) أن طبيبا (نصرانيا) راسله، يخبره أن معتقداته فاسدة! وأن القرآن مجموعة من الأغلاط، محشو بالخرافات، مليء بالتناقضات! ولأنه يعرف عني اهتمامي الفكري واطلاعي على الثقافة التقليدية وفكر الحداثة، فقد أرسل يطلب رأيي في المسألة.
وحين تأملت أفكار (الطبيب) النصراني أدركت أنه يعالج مريضه بقتله، والطبيب يعالج لأخذ المريض إلى شاطئ السلامة. فهو أخطأ ثلاث مرات:
الأولى: إيقاظ شيطان الكراهية، فماذا تتوقع من إنسان نشأ على الإسلام ليسمع من يقول له إن دينك خرافة وقرآنك خزعبلات، مليء بالتناقض والكذب والغلط؟ ونحن نعرف نهاية الكراهية، إنها العنف باللسان واليد، وصولا إلى الحرب، وهو ما فعله الإنسان خلال تاريخه الطويل من حرب الإيديولوجيات ومنها الدينية والمذهبية، كما حصل في الارتطام الهائل على الأرض الألمانية في القرن السابع عشر المعروف بحرب الثلاثين عاما (1618 ـ 1648) بين البروتستانت والكاثوليك (كما هو الآن بين الشيعة والسنة، عفوا بين العرب والفرس)، والتي كلفت ألمانيا يومها سبعة ملايين قتيل، من أصل تعداد سكان بلغ 21 مليونا ودمار 80 ألف مدينة وقرية، ويمكن مطالعة مظاهر تلك المأساة في كتاب «قصة الحضارة» للمؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت).
ـ والثانية: أنه لم يكن طبيبا حكيما حين يستفز الآخر بتسفيه رأيه، ليحصل عكس ما يريده من النفور وحس الدفاع عن النفس ولا شيء مثل الدين. وفي العادة أقرب الأشياء للإنسان ثلاثة، اسمه ودينه ولغته، والويل لمن يسخر من الثلاثة أو واحد منها، وهو ما فعله الطبيب النصراني فلم يكن حكيما، بل أثبت أنه صليبي وليس نصرانيا، فكان عدوا للمسيح عليه السلام.
ـ والثالثة: حين نقرأ الإنجيل تطالعنا هذه الفقرة (إنجيل متى) في موعظة الجبل: طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون، وصاحبنا لم يصنع السلام، بل العداوة والبغضاء والحرب. المسيح يقول أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم! فإلى أين وصل صاحبنا الذي يقول عن نفسه إنه مسيحي من أتباع عيسى بن مريم؟ إنه وبهذا الأسلوب عدو للمسيح، إنه تسبب في حزن كبير للمسيح اليوم!
ـ من خلال قراءة الكتب المقدسة، خاصة العهد الجديد (الإنجيل)، عرفت أن جميع الأديان والفرق والمذاهب والدعوات الإصلاحية هدفت إلى ثلاثة: تركيب البوصلة الأخلاقية عند الفرد، وصولا إلى بناء المجتمع العادل، بهدف إرساء السلام بين الأنام، وليس الكراهيات والحرب. ذلك أن الحروب تبدأ في الرؤوس قبل الفؤوس، حسب تعبير (سكينر)، من مدرسة علم النفس السلوكي.
ـ كن مسيحيا لا تكن صليبيا، ويمكن أن نضيف كن يهوديا لا تكن صهيونيا. كن صينيا فلا تضطهد الإيغور في اعتقالات الملايين بمعسكرات الاعتقال. كن بوذيا فلا تضطهد الروهينغا في حرب إبادة. ويمكن أن نكرر كلمات علي شريعتي من إيران في حديثه عن التشيع النبوي وليس التشيع الصفوي. باعتبار أن جميع النبوات كانت تهدف إلى حقيقة واحدة: الخالق الواحد ووحدة الجنس البشري ووحدة الرسالات على امتداد التاريخ.
ـ ما جرى في التاريخ ويجري أن كل نبي جديد كان يكذب معاصريه ويصدق من سبقه من الأنبياء، وهو ما يحصل حاليا من تفشي الروح الصليبية في رياح سمية تجتاح الأفق، لنشر بذور الكراهيات وبرمجة الحروب، فوجب العودة إلى فهم روح الرسالات وأنها واحدة، والوقوف أمام توجه الحضارة الحالية المادية في صورة الرأسمالية المتوحشة، أو الشيوعية الصفراء، أو البعثية العبثية، أو دعاة القطيعة المعرفية مع كل الرسالات والأديان.
ـ وما حرك الكتابة عندي ما اطلعت عليه من أناس قفزوا إلى منصات (النت) فتحدثوا إلى أمم الأرض؛ فلم يعد ثمة جغرافيا، بل انفتح العالم على بعضه بعضا، ويمكن لأي فكرة وخبر أن يعبر الأرض بأشد مما انتشرت به فيروسات كورونا. وعليه فهذه المحاولة المتواضعة هي في بسط الرأي السلامي لجميع الأديان والمذاهب والجماعات والفرق والملل والنحل، أن تعالوا إلى كلمة سواء. وأننا كلنا إخوة من نسل آدم وحواء، يشهد لذلك تفشي مرض كورونا في حرب عالمية غير مسبوقة، يشنها فيروس خفي، لا يفرق بين المعتقدات بقدر الاستهداف البيولوجي فلا يفرق بين مسلم وبوذي، مسيحي أو كونفوشيوسي، تركي أو إيراني، يهودي أو سيخي، رجل أو امرأة. كذلك الأفكار الضارة فهي يمكن أن تؤذي الإنسان أينما كان ومهما دان. وفي هذا الصدد يمكن أن نقرأ ما كتب ديورانت عن حرب الثلاثين عاما.
في العادة أقرب الأشياء للإنسان ثلاثة، اسمه ودينه ولغته، والويل لمن يسخر من الثلاثة أو واحد منها، وهو ما فعله الطبيب النصراني فلم يكن حكيما