كريم أمزيان
فتحت وحدة المراقبة الجهوية التابعة لمصالح المراقبة العامة، والتي أنجزت عملية تدقيق بخصوص العمليات البنكية، على مستوى الصندوق الجهوي للقرض الفلاحي بالعرائش، خلال الفترة الممتدة بين 21 فبراير و11 مارس 2011، بابا أمام مدير الصندوق ذاته، مازال مغلقا عليه لحد الآن، في زنزانة بالسجن المحلي الأول بسلا، يغادرها فقط دقائق معدودات، خلال أوقات الزيارة الأسبوعية، أو حينما يتم نقله إلى قسم جرائم الأموال، بغرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، من أجل حضور جلسات محاكمته التي ابتدأت في عز حرارة صيف السنة الماضية، وبالضبط في 17 يوليوز 2014، بالاستماع إليه من قبل الوكيل العام للملك، مرورا بإجراء مراحل التحقيق الإعدادي والتفصيلي، وانتهاء بجلسات محاكمته العلنية، التي تمر في القاعة رقم (4) بالمحكمة ذاتها، التي نطق فيها الحكم في قضيته قبل أسابيع. الملف لم يعصف فقط بـ (ع.ر.ن) ، الذي رأى النور في عين بوعلي بمولاي يعقوب سنة 1962، بل جر كذلك مديري شركات وتجار كبار إلى المحاكمة، توبعوا في حالة سراح، في الملف الذي حققت فيه الفرقة الاقتصادية والمالية، بفرقة الشرطة القضائية بالعرائش، فكشفت معطيات مثيرة متعلقة باتهامات باختلاس وتبديد ملايير السنتيمات.
تفجر ملف اختلاس الملايير وتبديدها، بعد توصل ولاية الأمن بالعرائش بإرسالية مرجعية متعلقة بشكاية مقدمة من القرض الفلاحي للمغرب، في مواجهة مديره السابق، بوكالة الزرقطوني، والرئيس السابق لمجموعة من الوكالات البنكية للقرض الفلاحي، التابعة للعرائش، في موضوع اختلاس وتبديد أموال عمومية، والنصب والمشاركة في ذلك، واستنادا عليها، جرى فتح تحقيق عاجل من قبل فرقة مكونة من محققين متخصصين.
تخفيضات كمبيالات
بداية التحقيق كانت مع ممثل القرض الفلاحي، الذي أعطى إفادات مكنت المحققين من معرفة المسار الذي يسلكونه خلال استنطاق المشتبه بهم الذين تحوم حولهم الشكوك وتشير إليهم أصابع الاتهام، في ما يخص الخروقات والعمليات التدليسية التي يتهم (ع.ر.ن)، مدير الوكالة سابقا، باقترافها لما كان على عهد بالمسؤولية في الوكالة، قبل ترقيته، فأصبح يشغل منصب رئيس مجموعات وكالات بنكية.
الخروقات التي بدأ يحصيها ممثل البنك، أمام المحققين في الجرائم المالية، الذين استدعوه مباشرة بعد توصلهم بأمر الوكيل العام للملك، متعلقة أساسا، وفق المعطيات التي حصلت عليها «الأخبار»، بعمليات غير قانونية وممنوعة منعا باتا ومطلقا، بناء على ما يشير إليه القانون في هذا الباب، خصوصا تلك المتمثلة في الخصم غير المشروع للكمبيالات، واحتجاز قيم ومنح كفالة تم رفضها من قبل المصالح المختصة.
الخروقات لم تتم بشكل فردي، وفق ما تشير إليه وثائق الملف، بل في ارتباط مع أشخاص آخرين، هم متهمون أيضا في الملف، أكد ممثل البنك أن المتهم الرئيسي كان يعمل على القيام بخصم غير مشروع للكمبيالات لفائدتهم، وذلك في غياب ترخيص مسبق من قبل المصلحة المختصة في البنك، إذ كان سيد نفسه، فتجاوز السقف المحدد لخطوط الاعتماد المرتبطة بهذا النوع من العمليات، فضلا عن تأكيده على احتجاز القيم، وهي عملية تهم الكمبيالات المخصومة بطريقة غير قانونية، يعتبرها المتهم تدليسية، كأنها أرجعت بدون أداء بعد تقديمها للاستخلاص، وكذا الشيكات التي هي موضوع عمليات السحب الخارجي، والتي تم الاحتفاظ بها لمدة طويلة، وصلت ثلاث سنوات، على مستوى الوكالة المعنية، في انتظار تطعيم حسابات الزبناء المعنيين بمبالغ مالية.
ومن بين الإفادات الأخرى، التي كان يستمع إليها المحققون بانتباه شديد، لأنها هي التي رسمت لهم خارطة الطريق للبحث في ملف متشعب متعلق بعمليات بنكية تهم مبالغ مالية مرتفعة، وجود تأخر في المعالجة المحاسباتية، المرتبطة بعمليات السحب الخارجي، ذلك أنه، بحسب التصريحات ذاتها، فإنه تبين سحب قيمة مجموعة من الشيكات في غياب المؤونة اللازمة لذلك، بالحسابات المسحوبة عليها، وتم الاحتفاظ بها بطريقة غير مشروعة من قبل المتهم (ع.رن)، لمدة أشهر عدة، قبل تسجيلها في مدينية حسابات الزبناء المعنيين بها، وهما (م.م)، وهو تاجر في السمك بمدينة مرتيل، و(ه.م)، الذي يشتغل هو الآخر تاجرا ومسير فندق، في المدينة ذاتها، واللذين سجل حسابهما البنكي رصيدا مدينا، بتاريخ مهمة التفتيش، بقيمة 386 ألف درهم بالنسبة إلى الأول، و572 ألف درهم بالنسبة إلى الثاني.
وبالرجوع إلى وثائق الملف، يتضح أن الاسمين مدرجان في قائمة المستفيدين من خصم غير مشروع، يعد المتهم (ع.رن) مسؤولا أولا عنه، إذ خصم أربع كمبيالات لفائدة الأول بطريقة تدليسية بمبلغ إجمالي قدره 600 ألف درهم مسحوبة على حساب الثاني، الممسوك لدى مؤسسة بنكية أخرى، بمبلغ 150 ألف درهم لكل كمبيالة، دون أن يعمل على تقديم الكمبيالات المخصومة للمقاصة عند استحقاقها، بل احتفظ بها في الوكالة، بعدما تم اعتبارها بمثابة قيم أرجعت دون أداء، إذ أشار بخصوصها ممثل المؤسسة البنكية التي يشتغل فيها المتهم الرئيسي، إلى أن تلك الكمبيالات هي كمبيالات مجاملة، وأن الرصيد الناتج عن عمليات خصم الكمبيالات، تم رصده لشيكات موضوع عمليات سحب خارجي أنجزت بتاريخ 30 يوليوز 2007 و31 يوليوز 2009.
الزبون الثاني (ه.م)، الذي يعد متهما هو الآخر في الملف، استفاد، وفقا لوثائق الملف، من العلميات التي وصفها ممثل المؤسسة، التي انتصبت طرفا مدنيا فيه، بـ«التدليسية»، من خصم سبع كمبيالات لفائدته، بقيمة 900 ألف درهم، مسحوبة على حساب آخر لدى أحد الأبناك، دون أن يتم تقديم تلك الكمبيالات للمقاصة عند حلول تاريخ استحقاقها، بل اعتبرت بمثابة قيم أرجعت هي الأخرى بدون أداء، وجرى الاحتفاظ بها بالوكالة لأنها كمبيالات مجاملة، موضحا أنه بالنسبة إلى حالة الزبونين المذكورين، تم بتاريخ مهمة التفتيش إحصاء 14 قيمة مكونة من كمبيالات وشيكات بمبلغ إجمالي قدره مليون و970 ألف درهم، مشيرا، في السياق نفسه، إلى أن هناك مستفيدين آخرين، من بينهم ممثلو شركة مختصة في صناعة الألبان ومشتقات الحليب، بلغ إجمالي الكمبيالات المخصومة لها، في سنة 2007، ما مجموعه 11 مليونا و500 ألف درهم، واعتبرت هي الأخرى في حكم الكمبيالات التي أرجعت بدون أداء، إذ لم تتم معالجتها إلا في 12 غشت 2009.
إكراميات لشركات
وثائق الملف، التي تتلخص أساسا في محضر الضابطة القضائية، الذي بنت عليه النيابة الاستماع إلى المتهمين، وقدمت بعد ذلك ملتمسات إلى قاضي التحقيق بالغرفة الخامسة بقسم جرائم الأموال في الرباط، للشروع في استنطاق المتهمين ابتدائيا وتفصيليا، تشير إلى أن هناك شركات أخرى، استفادت مما سمته المؤسسة البنكية “إكرامية” المدير، وتقديمه خدمات لشركات تعد بمثابة من الزبناء الذين يقصدون البنك، من أجل الاستفادة من خدماته، التي يقدمها إلى كل المواطنين الراغبين في ذلك. شركة أخرى، حصلت على تسهيلات قيمة، متخصصة في مواد البنّاء، كان حظها وفيرا، إذ احتفظ مدير البنك المتابع من أجل اختلاس وتبديد أموال عمومية، موضوعة تحت يده، بمقتضى وظيفته، بـ14 كمبيالة، تخصها، بما مجموعه 4.785830,82 درهما، كانت موضوع عمليات خصم، بين أكتوبر 2008 وأكتوبر 2009، إذ اتضح عند المعالجة المحاسباتية لهذه الكمبيالات بتاريخ 12 يناير 2011، أن الرصيد المدين لهذه الشركة، انتقل من 8.028.867,56 درهما، إلى 12.814.698,38 درهما بفارق واضح جدا. الوحدة المكونة من لجنة تنتمي إلى البنك نفسه، سجلت عدة اختلالات، ففي ما يتعلق بالنقطة الخاصة بمنح كفالة بالقبول المؤقت، تم رفضها من قبل اللجنة المختصة، تأكد أنه بتاريخ 6 شتنبر 2010، تقدم الصندوق الجهوي بالعرائش، بطلب ترخيص ذي طبيعة مستعجلة، من أجل منح كفالة بالقبول المؤقت بمبلغ 307 آلاف درهم، لفائدة الشركة ذاتها، التي تجاوزت وفق البنك، خط القبول المؤقت الممنوح لها سلفا في مبلغ 500 ألف درهم، ما جعل المصالح المعنية ترفض الترخيص لها، مطالبة بالتحقق من التجاوزات المسجلة على مستوى حسابها، وكذا المستحقات غير المؤداة من قبلها، غير أن المدير السابق، المتهم الرئيسي بصفته رئيسا لمجموعة العرائش، أعطى تعليماته للصندوق الجهوي بطنجة، لمنح الكفالة لفائدة قابض الجمارك بالمملكة، على الرغم من تجاوزها السقف المرخص به. بالعودة إلى قرار يحمل الرقم 12، الذي صدر قبل سنتين من الآن، عن لجنة العمليات الاستراتيجية، التابعة للمديرية المركزية للالتزامات، يبرز أنه تم منح الشركة المذكورة خط سلف من أجل تغطية تلك الكمبيالات، موضحا أن العلاقة ما زالت قائمة بين البنك والشركة التي تمت تسوية وضعيتها، قبل تقديم الشكاية.
نفي للاتهامات
المتهم الرئيسي الذي تم تعيينه سنة 2006 مديرا للصندوق الجهوي للبنك، الذي كان يشتغل فيه، قبل أن يتم تعيينه سنة 2009، رئيسا لفريق بنكي بالعرائش، قبل أن يتم فصله عن العمل، أشار في كافة مراحل التحقيق في الملف، وأثناء مثوله أمام الهيأة القضائية في جلسات الحكم في ملفه، بخصوص التجاوزات التي يُتهم بارتكابها، إلى أنه كان يتعامل مع الزبناء الذين يوجدون معه في قفص الاتهام نفسه، بنوع من الليونة، ولم يسبق أن سجل عدم الوفاء بمستحقات البنك، من قبلهما، ولم يتم ذلك مقابل أي نظير مالي أو مادي، بل جرى كل شيء بعلم الإدارة الجهوية، وكذا الإدارة المركزية، وهي الإفادات نفسها تقريبا التي أدلى بها المتهمون الستة الآخرين، وهم (م.م) و(ه.م) و(ر.ح) و(ع.ح) و(ع.ع.ز) و(م.ح) ومعظمهم تجار ومدراء شركات، تنشط كثيرا في الشمال.
السجن لمدير بنك ومدراء شركات
مرت جلسات الحكم في هذا الملف في حوالي عشرة أشهر بالتمام والكمال، فبين أول جلسة في شهر ماي إلى آخر جلسة، تم فيها الاستماع إلى إفادات المتهمين، بعدما منحتهم الهيأة القضائية في قسم جرائم الأموال في غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، فرصة أخيرة لذلك، بخصوص الملف الذي يتابعون من أجله.
بعد مناقشته، والاستماع إلى مرافعات الدفاع والوكيل العام، أصدرت المحكمة حكما باتا في الموضوع، إذ حكمت على (ع.ر.ن) المتهم الرئيسي بثلاث سنوات حبسا نافذا وغرامة نافذة 5000 درهم، وعلى كل من (ه.م) و(م.م) بسنتين حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة 5000 درهم، فيما حكمت على المتهمين الأربعة الآخرين، بسنة واحدة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 5000 درهم لكل واحد منهم تضامنا، وبأداء المتهم (ع.ن) لفائدة المطالبة بالحق المدني تعويضا مدنيا قدره 00 . 150.000 درهم.