شوف تشوف

الرأي

كلمة افتتاح

شامة درشول
لا أبالغ إن قلت إني شاهدت لأكثر من عشر مرات كلمة الفنان المصري خالد الصاوي وهو يفتتح مهرجان القاهرة للسينما، ليس فقط لأنه خرج عن المألوف، واختار أن يستعين بالسخرية، وطريقة «ستاند آب» ليتحدث عن الأزمة التي يعرفها سوق الإنتاج الفني في مصر، بل أيضا لتلك الابتسامة التي ترتسم على شفتي وأنا أتابع تعابير وجوه النجوم المصريين والعرب وهم يجلسون في كامل أناقتهم يتابعون بتواضع كبير زميلهم وهو يفتتح بطريقته مهرجانا سينمائيا.
كلمة الافتتاح تلك لم تتجاوز خمس دقائق، لكن الرجل لخص فيها المسار الذي يخوضه الفنان، منذ تلقيه أول اتصال هاتفي يدعوه للحضور من أجل مقابلة المنتج، إلى غاية الإعلان عن نهاية الفيلم، وأنهاها بجملة يعرف جيدا من يقصد بها، «أريد أن أقول لكم إن أي منتج، سواء في مصر أو خارج مصر، يستمر هذه الأيام في المغامرة بأمواله في عالم السينما والفن يستحق منا كل احترام، ولهؤلاء أقول شكرا».
يعرف خالد الصاوي أنه أتى من بلد الفن فيه صناعة، يوفر فرص عمل لعشرات الآلاف، يدر أرباحا على المنتج، وعلى الممثل، والمخرج أيضا، يساهم في ترويج عجلة اقتصاد بلاده، ويشكل أيضا قوة ضغط ناعمة توظفها الدولة المصرية لما يخدم مصالحها داخل مصر وخارجها، لذلك كان غلطة مني أن أقوم بتعداد النجوم الذين اتخذوا مقاعدهم في القاعة التي عرفت افتتاح المهرجان، فقد تعبت من عدهم، وحينما أردت تصنيفهم حسب شهرتهم تعبت أكثر، أما الغلطة الكبرى فهي حين حاولت تذكر أسماء الفنانين المغاربة وتصنيفهم حسب نجوميتهم، لقد توقفت فورا، فالحقيقة تقول إن المقارنة لا يجب أن تكون مع بلد يعتمد المنتج فيه على أموال دافعي الضرائب، وتقدم الدولة هذه الأموال إلى المنتج تحت مسمى سخيف اسمه «الدعم»، ويقوم المنتج بتقديم أعمال رديئة للمواطن الذي قام بدفع هذه الأموال من جيبه.
السينما، والفن، والإنتاج في المغرب، لا يمكن أن يكون صناعة وأنت تقوم بالمثل القائل «من لحيتو لقم ليه»، لا يمكن أن يتحول إلى صناعة مدرة للربح، ومساهمة في اقتصاد البلاد، وسفيرا لسمعة الدولة، وأنت تتفق مع من يملك في يده قوة القرار في منحك الدعم من أجل أن ينال
نصيبه من الكعكة مقابل تمريره لك موافقة اللجنة على منحك الدعم، وأنت تشغل بالك بمن سيوفر لك الفواتير التي ستضلل بها لجنة الدعم حتى تبرر مصير الميزانية التي ذهب نصفها إلى جيبك، وتنتظر أن يعرف النصف الآخر طريقه إلى الجيب الثاني، ففي المغرب، ليس فقط لا توجد عقلية النجومية، والهوس بالنجوم، بل لا توجد عقلية الإنتاج، كل ما يوجد هو عقلية القنص، الاستيلاء على أموال دافعي الضرائب، والحصول على أكبر قدر منها قبل أن يقفل عليك الصنبور من أجل اسم جديد في السوق لا يزال جائعا لأموال الدعم.
كدت أن أرتكب جريمة المقارنة بين مهرجان للسينما في مصر، ومهرجانات السينما في المغرب، لكني تراجعت، وتبت إلى الباري. لا يمكن أن أنتظر من فنان مغربي يشتغل في السينما أن يقوم بعرض افتتاحية كتلك التي قام بها خالد الصاوي، فالفنان في بلدنا «كيخاف على طرف لخبز»، لذلك كل همه أن يجد طريقة من خلالها يقنع صناع القرار في مهرجان مثل مهرجان مراكش للسينما بتوجيه الدعوة له، لكي يتمكن من المرور فوق السجاد الأحمر، وبذلك يضمن أن المنتج الذي غالبا ما يكون هو نفسه المخرج، سوف يقوم باختياره من أجل دور في مسلسلات رمضان، ففي المغرب لا يوجد شيء اسمه «فنان السينما»، و«فنان التلفزيون»، يوجد شيء واحد اسمه «فنان طرف لخبز»، ولهذا السبب هو لا يمتلك روح الفن المتحررة التي تجعله يبدع مثلما أبدع خالد الصاوي، ويفكر خارج الصندوق كما يقول الأمريكيون، ويطرح مشكلة الإنتاج السينمائي في مصر دون أن يصاب بـ«فوبيا المنتج»، التي يعاني منها الممثل المغربي، والتي تجعله يتزلف له، وللمخرج، من أجل نيل رضاهما أطول مدة ممكنة، هذا إن لم يكن هو نفسه المخرج، والممثل، والمنتج، وكاتب السيناريو.
خالد الصاوي سخر أيضا من «النفسنة» في المحيط الفني، وضحك الحاضرون طويلا، وهم يعرفون جيدا أن هذه «النفسنة» كما يسميها المصريون في إشارة إلى التنافس بين أبناء المهنة الواحدة والتي قد تصل إلى درجة الحقد أحيانا، هي أمر واقع يجب التماهي معه. أعدت مشاهدة هذه اللقطة، كانت جميلة وأنا أرى كبار نجوم مصر من ممثلين، ومنتجين، ومخرجين، ونقاد سينمائيين، ومذيعين أيضا، يجلسون بجوار بعضهم البعض، كانت اللقطة أكثر جمالا والضيوف الأجانب يضعون سماعات على آذانهم للاستماع إلى المترجم وهو ينقل لهم ما كان يقوله خالد الصاوي بالعامية المصرية، كانت اللقطة جميلة إلى أن تذكرت حفلات افتتاح مهرجاناتنا التي يحرص فيها «المفتتحون» على التحدث بالفرنسية، رغم أن المهرجان ينظم بأموال دافعي الضرائب المغاربة، وعلى أرض مغربية، وكأن هذا البلد، وأهله، لا يستحقون أن يحتفلوا بمنتوجهم الوطني الذي يبدأ أولا بالحديث باللغة الرائجة في البلاد، وليس بلغة من لا يزال يستعمرك بثقافته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى