كرة محشوة بديناميت

حسن البصري

في الوقت الذي كان مقرر المناظرة الجهوية حول الرياضة، المنظمة من طرف مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، يتلو على مسامع الحاضرين توصيات المناظرة، ويحث الحاضرين على التشبع بقيم الرياضة وجعل ملاعبها فضاء للروح الرياضية، كان محيط ملعب سانية الرمل بتطوان يعيش على إيقاع الشغب.

حين كان مقرر المناظرة يعيد ترتيب التوصيات، كانت الهواتف الذكية للضيوف تحمل صور العنف القادم من تطوان، وتجعل التوصيات مجرد بروتوكول تفرضه المناظرات، لا يهم إن كانت قابلة للتنفيذ أو مجرد فزاعات في الملاعب.

حين كان السياسيون والرياضيون يتناولون كؤوس الشاي ويتبادلون أرقام هواتفهم، لكل غاية مفيدة، كانت مشاهد عنف ملعب «لامبيكا» تخترق منصات التواصل الاجتماعي، فاقترح أحدهم إجراء تعديل على مخرجات الندوة، وإضافة عبارة تخلصهم من المساءلة: «هذه التوصيات قابلة للتعديل».

لقد تبين أن كل ما قيل عن دور الرياضة «في تعزيز المبادئ القيمية والتربية على المواطنة»، يخص بطولة أخرى غير بطولتنا ومباريات أخرى غير مبارياتنا، وقبل أن ينفض جمع «جهة الشمال»، صدر بلاغ أمني يؤكد اعتقال تسعة وعشرين شخصا، من بينهم أربعة قاصرين، لـ«الاشتباه في تورطهم في ارتكاب أعمال العنف المرتبط بالشغب الرياضي، وإلحاق خسائر مادية بممتلكات عمومية والعنف في حق موظفين عموميين أثناء أداء واجبهم».

وأفاد بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني بأن أعمال الشغب اندلعت بعد محاولة من مشجعين رجاويين حاولوا الولوج بالقوة إلى مدرجات الملعب، بسبب تجاوز الطاقة الاستيعابية للملعب. الحصيلة تجاوزت اقتياد المتهمين إلى مخفر الشرطة، إلى نقل عشرين عنصرا أمنيا من القوات العمومية إلى المستعجلات، ونقل سيارات الشرطة إلى المستودع البلدي بعدما طالها التخريب.

هذا الوجه القبيح للكرة يجعلنا نعيد النظر في توصيات مجلس الشمال، التي كتبها سياسيون لا يعيشون غارات الملاعب ولا يجلسون في «فيراجات» المدرجات، ولا يحفظون أشعار فصائل «الإلتراس».

المعركة لم تتوقف بنهاية المباراة التي جمعت المغرب التطواني بالرجاء البيضاوي، وانتهت بلا غالب ولا مغلوب، ولكن خلصت إلى هزيمة مذلة للروح الرياضية. إلا أن المثير في القضية هو التراشق اللفظي بين الجماهير التطوانية والبيضاوية، في ساحة الفضاء الأزرق، بعد أن توقف الرشق بالحجارة.

والأغرب أن يتهم جمهور الرجاء بسرقة ساعة حائطية ثمينة كانت مثبتة في قاعة انتظار المسافرين بمحطة تطوان الطرقية القديمة، ويعود تاريخ الساعة المختفية لسنة 1955.

حين لاحت في الأفق بوادر معركة «سانية الرمل»، وأعلنت حالة طوارئ في الملعب، وشرعت المحلات التجارية في إغلاق أبوابها وقامت المقاهي بتسريح نادليها وهرع السكان إلى إخفاء سياراتهم بعيدا عن بؤرة التوتر خوفا من الغزو القادم من الدار البيضاء، وألغى أصحاب سيارات الأجرة رحلاتهم واستفاد «الكورتية» من إجازة غير مؤدى عنها.. أعلنت سانية الرمل منطقة معزولة.

لقد كتب الكاتب المصري محمد حافظ رجب رواية تحدث فيها عن عنف الكرة، بطلها رئيس فريق اكتشف أن اللاعبين فشلوا في إحراز أهداف، فأعطاهم رأسه يلعبون بها، فأحرزوا أهدافا كثيرة. سيخلص الكاتب إلى أن الرأس الذي يعد مصدرا للحكمة والفكر، أصبح في خدمة الأرجل تتقاذفه بعنف.

الغاية من هذه القصة العبثية ليس تأليب الأجساد على الأذهان، بل فيها إشارات إلى نعي العقل وتنكيله من طرف أقدام عنيفة، من أجل انتصار زائف.

نخشى أن يصبح هاجس الانتصار في مباراة للكرة أكبر من الحق في الحياة، لذا ندعو لجنة الانضباط لإنهاء إجازتها الطويلة، والتفاعل مع النشرات الإنذارية، وتقطع مع من يعتقد بأن مواجهات الكرة كالشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم.