شوف تشوف

الرأي

كراكاج في الفيراج

حسن البصري
في قاموس ملاعب الكرة تعني كلمة كراكاج، حالة إطلاق جماعي للشهب النارية في لحظة زمنية متفق عليها سلفا بالدقيقة والثانية، حيث يعلن قائد الفيلق المشجع عن موعد إشعال المدرجات بالفيمي جان إيذانا بلحظة احتفالية مهما كانت نتيجة المباراة، ومهما خلفت المفرقعات من أضرار مادية وبشرية، فلا فرجة في الفيراج أي المدرجات الخلفية بدونها.
في ليلة عاشوراء تحولت أحياء مدننا إلى قطعة مستقطعة من مدرجات الملاعب، بعد أن اشتعلت الأزقة وساد الرعب واستوطن الخوف وانتشرت رائحة البارود، في ليلة عاشوراء داهمت المصالح الأمنية شبكات كانت مختصة في تزويد جمهور الملاعب الرياضية وكرة القدم على الخصوص بالشهب النارية، وتم تفكيك البؤر التي كانت تغرق سوق الكرة بالمفرقعات قبل أن يطالها الكساد بعد قرار إجراء المباريات دون جمهور.
في عاشوراء كما في فيراجات الملاعب يحضر «الكابو» بكاريزماه المعهودة ليستعيد وظيفته التي كاد أن ينسى ضوابطها من طول العطالة، ينسق كعادته بين الفصائل ويمسك بخيوط اللعبة كي لا تنفلت منه، يعطي آخر الوصايا قبل أن يشرع في ممارسة دور قائد الجوقة الفلامية.
يرفض «الكابو» الدخول في دهاليز تجاذبات لا تنتهي في موضوع الاحتفالات بعاشوراء، لكنه يعتبرها فرصة ذهبية لفك الحصار المضروب على المدرجات، واختبارا تجريبيا لمدى جاهزية المشجعين للعودة إلى أجواء التشجيع إذا لاحت في الأفق فرصة رفع الحجر عن الفيراج، رغم أن الحالة الوبائية تستبعد عودة الجمهور إلى الملعب ولو بتباعد وكمامات.
في ليلة عاشوراء عادت أهازيج الملاعب وحمل الشباب قمصان فرقهم واستعانوا بما حفظوه من دروس الإلتراس في احتفاليتهم، صرف هؤلاء وهم في قمة سعادتهم النظر عن موشحات «لعواشر» واستبدلوها بقوافي شعر المدرجات المستوحى من لامية جرير والفرزدق، مع تعديلات للضرورة الشعرية: «اللي ما تبومبا ماشي مغربي» و«ديما ديما عواشر»، ولم يسلم الوباء من الشعارات «كورونا سير فحالك والمغرب ماشي ديالك» و«في بلادي ظلموني» وغيرها من الأهازيج المحشوة بالانتماء الكروي.
ظلت المصالح الأمنية في حالة استنفار، وشرع البوليس في البحث عن الكائنات التي استعملت قاموس المدرجات، وجعلته صالحا لكل المناسبات للأعراس وعاشوراء وحتى الانتخابات، لاسيما في ظل الحصار المضروب على المدرجات، لقد تبين أن بعض زعماء المدرجات و«كابوهات» الفيراجات قد تم اختراقهم في واضحة النهار ووضعوا رهن إشارة ممولي الحفلات على سبيل الإعارة.
لكن طقوس الفصائل المشجعة تجاوزت حدود استعارة الكراكاج والاستعانة بالكابو، بل امتدت لتشمل «الكورطيج» وهو طقس من طقوس حركة الإلتراس، عبارة عن تجمع جماهيري في مكان معين قد يكون معقل الخصوم لينطلق الموكب مع ترديد شعارات تستفز أهل الدار. في عاشوراء حضر الكورطيج بأدق تفاصيله، وحده «الباش» الغائب الأكبر عن الليلة الليلاء.
في غمرة السجال القائم بين الجماهير، كان لابد من التباهي بحجم الذخيرة التي يملكها كل فصيل، في ليلة استعراض القوة، حيث عبر البعض عن اعتزازهم بامتلاك قنابل متطورة تثير فزع الخصوم اختير لها اسم «قنبولة حفتر».
على الرغم من الإجراءات الاحترازية، المفروضة في إطار مواجهة وباء كورونا، فإن عاشوراء سجلت حضورها بكل طقوسها، حتى اللاهثات وراء العشق الأسود، عشن محنة تنزيل توصيات المشعوذين والدجالين أمام إلزامية الكمامة والتباعد الاجتماعي واستخدام المعقمات القابلة للاشتعال حين تلتقي بشظايا النيران.
مرت ليلة عاشوراء، وفي اليوم الموالي استيقظ الفتيان باكرا لاستكمال الشوط الثاني من المباراة، فلا يستقيم الاحتفال إلا إذا أريق على جوانبه الماء، باسم «زمزم» البريء من المعركة، يتم تعقب المارة في الأزقة والويل ثم الويل لمن كان يرتدي قميص الفريق الخصم، إذ يستباح استخدام المياه المسيلة للدموع.
في عاشوراء لا احتفال عن بعد، ولا اعتراف إلا بالحضوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى