بمناسبة الدخول المدرسي لأحفادي الصغار، عادت بي الذكريات إلى ماض بعيد سرعان ما تمنيت أن أعيشه من جديد… تمنيت أن يقع ذلك، ولو كان ليتم فقط لأجل تسويده أو تقييده على الشاشة من خلال لوحة مفاتيح الحاسوب.
بل لم تلبث أن ألحت علي هذه الذكريات إلحاحا، لم أجد لي منه هروبا أو خلاصا، خصوصا بعد أن بعثت لي حفيدتي الصغيرة ليليا البالغة من العمر ثماني سنوات بنص حول الدخول المدرسي.
هذه الصغيرة تعشق رغم نعومة أظافرها نظم الشعر، والتعبير من خلال الكلمات عن ما يخالج شغاف قلبها بحرية تامة. بل ويلاحظ كل من يعرفها أنها تسعى السعي الدؤوب لتعلم أشياء جديدة كل يوم.
هذا ما خطه أو رقنه يراع ليليا الجميلة التي أنشر لكم نصها الذي حرصت على تقاسمه معكم بحذافيره، مكتفية، أنا جدتها التي تحبها، بتصويب بعض الأخطاء الإملائية البسيطة.
خالد فتحي نعيمة برادة كنون
<<بمناسبة الدخول المدرسي، طلبت المعلمة من التلاميذ كتابة نص حول يومنا الأول في المدرسة: هذا اليوم كان رائعا جدا، استيقظت فيه بمزاج جيد، وتناولت طعام فطوري. ثم ارتديت حلة جميلة، وفانيلا تذكرني بأيام العطلة، وذهبت إلى المدرسة. قمت بمرافقة أخي سليمان إلى بوسكورة (1). وبعدها، قام أبي بإيصالي إلى بوسكورة (2). حينها لمحتني صديقتي مايا. تعانقنا بحرارة، خصوصا وأني سعدت كثيرا بلقائها من جديد. شاهدنا مدرستنا للعام الماضي، لقد كانت لطيفة جدا معنا، ولازالت تواظب على لطفها معنا إلى اليوم. بعد أن رن الجرس، انتظمنا عبر صفوف للالتحاق بفصلنا الجديد. رحنا على مقاعدنا، واخترت أنا أن أجلس بجانب صديقتي مايا. بعد ذلك قام كل واحد منا بتقديم نفسه أمام كل التلاميذ. ثم أتى الدور على معلمتنا لتقوم بنفس الشيء. كان هناك شيء تشترك فيه المعلمة وغالبية التلاميذ، وهو عدم حبهم جميعا للقهوة. على النقيض من ذلك، ذكرت معلمتنا أنها تحب شرب الماء، وأنها تهوى الطبخ بنفسها وخاصة تحضير الحلوى. حين عرجت للحديث عن القانون الداخلي للمدرسة اكتشفت أنه لم يتغير. وهذا في نظري شيء طبيعي. لقد كان الأمر أكثر من رائع. هذا باختصار اليوم الأول لدخولي المدرسي!!>>.
أدركت عندما انتهيت من قراءة نصها وتصويبه، أنني التحقت بالفعل بكل اليسر المطلوب بجيل الحاسوب، وأني صرت أحرم نفسي، بذاك الالتحاق، من متعة الكتابة باليد التي قد لا تعدلها متعة كتابة من أي نوع خصوصا عند امرأة مثلي تنتمي إلى حقبة الكتابة بالريشة.
يقول رولان بارتيز: <<أن أخط الخطوط هو بالنسبة لي كما الصباغة بالنسبة للرسام: الكتابة تنجم عن عضلاتي، وأنا أستمتع بمثل هذا النوع من العمل اليدوي>>.
كانت كل فترات الدخول إلى المدرسة تشكل لنا على الدوام مناسبة سانحة، ليس فقط لإعداد المحفظة، ولكن أيضا من أجل أن نذهب للبحث عن أحسن الملابس التي أعدتها خياطاتنا مسلمات كن أم يهوديات. كنا نهرع إليهن متلهفات لرؤية ما خطنه ببراعة أناملهن التي كانت تجيد الكتابة بالإبر على مختلف الأقمشة، فالملابس الجاهزة كانت في تلك الفترة معدومة أو نادرة جدا. في الماضي، ونحن بعد أطفال صغار، لم نكن نحسن فقط استعمال الريشة المغموسة في المداد لتشكيل الحروف والأرقام، وإنما كنا نتفوق أيضا في تعلم لغتين اثنتين: العربية الفصحى والفرنسية.
كان الذهاب إلى المدرسة يتطلب منا أن نكون أنيقين إلى حد ما، على الرغم من أنه لم يكن لنا الحق في الحصول على الملابس الجديدة إلا خلال مناسبات الأعياد الدينية أو المناسبات العائلية وعند الدخول المدرسي.
تلاميذ يلبسون على الطريقة الغربية
لم يكن بوسعنا أن نفعل شيئا مختلفا أو نلبس على نحو مغاير، ما دام أساتذتنا، سواء الفرنسيين منهم أو المسلمين أو اليهود، والذين نعتبرهم قدوتـنا، يلبسون بطريقة عصرية. كانت أعداد الأطفال من الإناث والذكور، الذين اختاروا الانتساب إلى المدرسة، قليلة جدا بالمقارنة مع أولئك الذين لازالوا بعد يقررون التوجه نحو تعلم الحرف التقليدية. فقد كان هذا التوجه البرجماتي هو السائد آنذاك لدى أغلب العائلات. هذه المهن كانت تتيح لأبنائهم عملا مؤدى عنه، الشيء الذي كان يمكنهم حينها من حياة أفضل على المستوى المادي.
لم نكن نجدد ملابسنا بناء على رغباتنا وأهوائنا، باعتبارنا أطفالًا كما هو الحال الآن، ولكنها كانت تجدد لنا تبعا لرغبة الأبوين ووفقا لنوعية الحفلات والمناسبات التي سنحضرها. كانت بعض الخياطات جد معروفات لدى الأسر التي ترغب أو تنوي تزويج بناتها. حيث كانت تجد في التماس خدماتهن من أجل أن يصممن لهن الفساتين المزينة والمزركشة بالأحزمة. وهي الحلل التي كانت تقبل عليها بكثافة الفتيات المرشحات للزواج المبكر.
على النقيض من ذلك، كان آباؤنا نحن لا يتشاطرون مع بقية العائلات نفس هذا الرأي. فلحسن حظنا، أنهم كانوا مقتنعين، أشد ما يكون الاقتناع، بأن متابعة الدراسة تساهم في تطوير شخصية الطفل والمرء.
منذ الحماية، اجتاح كل من التعليم العصري والموضة الفرنسية معا مختلف أزقة المدينة، واستطاعا أن يكتسحاها في زمن قصير. لقد تشربناهما في الحياة التي درجنا عليها كما تشربت البيوت القديمة الماء المنساب إليها من أودية فاس.
هكذا، سيعوض لبس التنانير من طرف البنات وارتداء السراويل من قبل الذكور الجلابة عند معظم الأطفال المتمدرسين. هذا التحور كان واضحا جدا عشية الحصول على الاستقلال. لكن غالبا ما كان هذا الزي، الطارئ أو المستجد، يتطلب منا التنقل إلى المدينة الجديدة أو إلى الملاح للحصول على أبهى الملابس وفقا لأحدث الموضات. فهناك، وهناك فقط، كان يجلس دون كلل يهود مغاربة وأجانب، أتوا من مختلف البلدان، خلف ماكينات الخياطة، للاستجابة لتلك الطلبات المتزايدة التي انفجرت مع هبة الحداثة. كانت المدينة الجديدة، التي أنشأها الفرنسيون، قد نجحت في استقطاب أناس من جنسيات متعددة لتلبية الحاجيات المطردة للأوروبيين والمغاربة. وكانت المتاجر، بواجهاتها البراقة، تدفع الناس دفعا للاستهلاك وتشجعهم عليه، كانت التحولات الثقافية والحضارية الجارية تتقدم بثبات، وإن كان ذلك يتم ببطء لدى فئة النساء. إذ لم يكن بعد قد اكتسبن تلك الجرأة على الدخول إلى الأماكن المخصصة في المتاجر لأخذ القياسات.
كانت الواجهات الزجاجية ابتكارا أو إبداعا فرنسيا. إذ لم يكن بالمدينة العتيقة كلها محل واحد يمتلك مثلها. ربما أن السبب في ذلك أننا كنا نرتاد محلات الخياطات أكثر مما نتطلع لتلك الواجهات الجديدة وهربا من الأثمنة المرتفعة التي كانت تضعها على سلعها. كان البدء في تصميم الملابس الكلاسيكية المتناسقة المفصلة والشعبية، من تنانير قصيرة أو تنانير على المقاس بالمدينة الجديدة، عبارة عن حلم بدأ يتجلى كحقيقة أمام أعين الشباب.
هذا الإقبال كان يقابله على الضفة الأخرى رفض قاطع للأزياء الفرنسية أو العصرية من قبل بعض المحافظين الذين اختاروا أن يظلوا حارسين للمعبد مقاومين كل تطور أو تغيير ما استطاعوا لذلك سبيلا.
ولكن تدريجيا، سيبدأ العديد من المواطنين، من الرجال والنساء، لا يأنفون ولا يتحرجون من تقليد الفرنسيين، بل ويقدمون على ذلك إقداما شديدا، إلا أن النساء، رغم كل ذلك، كن يحجمن عن التجول في المدينة العتيقة وهن مرتديات ألبسة عصرية.
فقط عماتي، اللائي عشن بالخارج وتزوجن من رجال أعمال، شكلن استثناء عن هذه القاعدة، حيث كن يجرؤن على التجول بلباسهن العصري دون أن يظهر عليهن انزعاج أو حرج. لم تنتقل عدوى هذا السلوك المنفتح إلى والدتي، إذ ظلت على عكسهن مكتفية بارتداء هذا اللباس في المنزل وعند السفر فقط. لقد كان يلزمها مرور بعض الوقت لتهضم هذا التطور وتقدم على رفع اللثام عن وجهها. حدث ذلك سنة 1964، السنة التي شهدت انتقالنا للسكن في المدينة الجديدة. أذكر أن حينا الجديد ذاك كانت له تسمية بالفرنسية Alfred de Vigny ألفريد دو فيني رغم أنه كان قد مر على استقلال المغرب زهاء ثماني سنوات كاملة!
بالنسبة لأبي، فقد كان يداوم على لبس البذلة العصرية على غرار بعض الرجال بالمدينة ردحا من الزمن قبل حصولنا على استقلالنا. في ذاك الوقت، كان سروال الگولف يمثل موضة شائعة رغم أنه لم يكن يوجد أي ناد للگولف. كانت البذل المفصلة المصممة من الأقمشة المستوردة هي الأكثر شعبية بين الناس. وكانت تشترى من محل زكري إخوان، وهما يهوديان مغربيان تجنسا بالجنسية الفرنسية لاحقا.
ولكن، ومع ذلك، يمكن القول إن معظم القاطنين كانوا قد احتفظوا بملابسهم التقليدية باستثناء فئة المتمدرسين.
كنت أحب دوما مرافقة والدتي حين تذهب عند خياطاتها المتمركزات ببيوتهن خارج مدار مدينتنا العتيقة. كان حلما بالنسبة لي أن أركب الحافلة أو العربات المجرورة، وأن أتخلص ولو لوقت قليل من روتين المدينة. في تلك الفترة، كانت سيارات الأجرة والسيارات الشخصية نادرة جداً، كما لم تكن العدادات قد ظهرت بعد. لذلك كانت أمي تضطر للتفاوض كل مرة حول أجرة النقل مع السائق الذي لم يكن يتقبل أن تركب معها كل أطفالها. لذلك كنا غالبا ما نكتفي بأن نستقل وسائل النقل العمومي أو العربات.
وبما أننا كنا لانزال بعيدين في المغرب عن الانفجار الديموغرافي الذي ستعرفه بلادنا لاحقا، فإننا لم نكن نعاني من أي ازدحام ولا من أي اكتظاظ في المحطات. كان الكل يحترم طابور الانتظار، ويقف منتظرا دوره داخل الصف بكل أدب. كانت أول محطة لحافلة النقل العمومي تقع ببوجلود عند مدخل المدينة، ثم تليها محطة البطحاء، وبعدها كانت تأتي محطة باب فتوح.
كان الانتظار يدوم أحيانا مدة طويلة بسبب نقص في صبيب حركة السير، لكن أبي كان يهرع لنقلنا بسيارته كلما كان متفرغا.
كان يجب علينا المشي حتى مرأب السيارات كامبني، الذي يوجد على طرف حي البطحاء، انطلاقا من منزلنا الجديد بدرب الگباص الكائن بحي الدوح. كان مسكننا الجديد ذاك، والجميل جدا، يقع على بعد أمتار قليلة من الطريق المعبدة، لكنه لم يكن يتوفر على مرأب خاص. فالمنازل العتيقة، رغم أنها شيدت في وقت ليس ببعيد جدا، إلا أنها لم تكن تشتمل على أمكنة لركن السيارات، كان لزاما علينا إذن أن نمشي لمسافة معتبرة دونما ضجر. ربما كنا نفعل ذلك لأنه لم يكن أمامنا بكل بساطة أي خيار آخر.
ترفيه… لكن بقيود
كنا نتعاطى جميعا للقراءة والرياضة، لكن الذكور، وخلافا لنا نحن الإناث، كانوا مدللين جدا، بما أنه كان بإمكانهم الانخراط في المراكز الرياضية من قبيل نادي الدفاع، والذهاب أيضا إلى المسبح البلدي. أما الفتيات، فكن يقمن بمتابعة بعض دروس الخياطة أو تعلم الطبخ، بغاية إعدادهن وتأهيلهن مبكرا لتدبير شؤون المنزل مستقبلا. فخارج التسجيل بالمدرسة أو بالمراكز الثقافية التي كانت قد فتحت أبوابها تباعا، لم يكن هناك أي نشاط آخر متاح لنا. ومع ذلك كنا نقضي ما يتبقى لنا من فائض الوقت في ممارسة هواية القراءة بالمركز الثقافي الفرنسي، ثم بعد ذلك بالمركزين الأمريكي والمصري اللذان رأيا النور لاحقا. لقد كنت أعشق هذه المراكز التي كان يسود فيها المناخ الطلابي والعلمي.
زد على ذلك أن العاملين بها كانوا يتمتعون بلطف بالغ، وكانوا متفرغين دائما لمساعدتنا بكل أريحية وتفان. كان مسموحا لنا مطالعة العديد من الكتب المفيدة والقيمة بعين المكان، واقتراض أخرى وأخذها معنا للمنزل. كان اللجوء لهذه المراكز ذا فائدة جلى لنا في تهييئ العروض التي تقدم داخل الفصل، لقد كنت دائما مستعدة للعب دور الأستاذ في القسم بفضل تلك العروض، وفضل تلك المراجع التي تمدني بها المراكز الثقافية. لكم كنت أسر سرورا بالغا بتمكني من التوصل للإجابات الصحيحة على أسئلة التلاميذ.
كان بإمكاننا أن ننخرط في دروس الموسيقى الأندلسية، لكن أغلال التقاليد البالية التي كانت تكبلنا من الداخل، كانت تفعل فعلها فينا، وتحول بيننا وبين أن نسعى لهذا الامتياز أو الحظوة. كانت كل أسرة تعلم أبناءها مبادئ هذا الفن بالمنزل. إذ لم يكن ممكنا أن ندعي الانتماء إلى المدينة القديمة، إذا لم نكن عالمين بالأغاني الأندلسية أو كنا غير عارفين بقواعد لعبة أوراق التوتي، التريس، والروندا.
يجب أن نعترف لمكتبات الإعداديات والثانويات بكونها كانت تغص بكتب قيمة موضوعة رهن إشارتنا. لم نكن نتخلف عن الذهاب للتزود بالكتب القديمة من محل المرحوم سعيد بسويقة بن صافي. فأنا لم أقرأ فقط المجموعة المسماة بالوردية ولكن قرأت المجموعة الزرقاء أيضا المشتراة لأجلي من مكتبة السيد والسيدة الفاسي بالمدينة الجديدة.
كانت بحق لحظات فرح غامر، كل تلك المرات التي كنا نخرج فيها من المنزل. لم نكن نعبأ ساعتها بالمشاكل التي قد نواجهها، من قبيل صعوبة إيجاد وسائل التنقل، أو الاضطرار للمشي مسافات طويلة من أجل الوصول إلى المدينة الجديدة، أو حتى عدم امتلاك النقود الكافية لشراء قطع الحلوى أو الكتب.
فلا شيء كان بمقدوره أن يعكر فرحتنا أو يمنع تقدمنا، كنا نكتفي ونقنع بالنزر القليل لإنجاز أشياء مهمة. فالذهاب إلى المدينة الجديدة، وإلى متجر مونوبريه، المنضوي تحت لواء سلسلة فرنسية والمقابل للحديقة العمومية، أو إلى حي الملاح عند خياطاتنا من أجل تصميم وخياطة ملابس جديدة لنا، كان يمثل لنا دائما حدثا سعيدا.
كان استقلال وسيلة نقل، واستعراض عدة مناظر وأنت جالس فوق مقعد مريح مثل هبة إلهية جادت بها علينا السماء. كان مسار الحافلة يجعلنا نعبر العديد من الحدائق والبساتين، ونطل من عَلٍ على المسبح البلدي الكبير، الذي كان ممنوعا على بنات العائلات المحافظة، اللائي كان عليهن انتظار العطل الصيفية للاستمتاع بمسابح ايموزار أو إفران.
قبل أن أتعلم كيف أتعامل مع الريشة، كنت قد اكتسبت بعض المرونة في الرسم بفضل الأقلام الملونة التي وضعت رهن إشارتي قبل المرحلة الدراسية. كنت أقضي الساعات الطوال بمنزل العائلة في ابتكار بعض التماثيل على الورق، أو نقل بعض الصور.
وكنت أستلهم كل خربشاتي من زخرفات الأزهار من التي توجد فوق الجبص، أو فوق خشب الأبواب والأسقفة، وكذلك من تلك التي كانت تلوح لي فوق ألواح الزليج على الجدران.
ما إن انتسبت للمدرسة، حتى تعلمت بسرعة رسم وكتابة الحروف بفضل تجربتي الصغيرة تلك. لذلك تفوقت مبكرا في فن الخط، حتى أني كنت أنتخب من بين كل التلاميذ، كي أكتب فوق السبورة السوداء، تاريخ وعنوان الدرس الذي سنتلقاه خلال اليوم. كنت أستعمل هاته السبورة أيضا لأجل تقييد أسماء الرفاق المشاغبين، فالمعلمة كانت تسند إلي غالبا مهمة القيام بحراسة التلاميذ أثناء غيابها. لكن ذلك لم يكن سوى حيلة اهتدى لها عقلي الصغير لترهيبهم ودفعهم لالتزام الهدوء. إذ بمجرد ما كنت ألمحها عائدة، حتى كنت أعمد إلى محو كل الأسماء. كان العام الأول التحضيري مخصصا لتعلم الكتابة. لم يكن للأطفال من جيلي آنذاك أقلام للحبر الجاف. كنا لانزال نعيش عصر الكتابة بالريشة، وكنا، والحق يقال، نستمتع أيما استمتاع بإمساكها بين أناملنا.