عندما تسيّر مدينة غول بحجم الدار البيضاء فإن أول شركة تنمية يكون عليك تأسيسها هي الشركة التي ستدبر موارد المدينة، أي تلك الشركة التي ستعمل على تحصيل الجبايات والضرائب التي بدونها لا يمكن للمدينة أن تعيش وتتنفس بطريقة سليمة.
المشكل أن عباقرة التسيير في العهد السابق والحالي أسسوا كل شركات التنمية المحلية من نقل وترفيه وغناء ونظافة وتراث إلا شركة تدبير الموارد تركوها إلى أن جبد لهم وكلاء البنك الدولي آذانهم مؤخرا وأجبروهم على تأسيسها لكي يضمن البنك استرداد قرضه السمين، 300 مليون دولار، الذي طوق به عنق سكان المدينة لعشرات السنين المقبلة.
فقد لاحظ خبراء البنك الدولي أن الطريقة التي يدير بها مجلس المدينة موارده فاشلة وإذا استمر على هذا الحال فلن يستطيع دفع أقساط الدين لذلك أوقفوا البيضة في الطاس وأجبروا السلطات المعنية على إخراج الشركة إلى الوجود، وذلك ما حصل، شاي الله أمولاي البنك الدولي.
ورحم الله زمنا كان فيه مجلس مدينة دبي يأتي إلى الدار البيضاء لكي يوقع توأمة مع مجلسها ويستفيد من خبرات المدينة الاقتصادية والعمرانية، فأحيانا الله حتى رأينا كيف تحولت دبي إلى مدينة عالمية بناطحات سحاب تنبت يوميا مثل الفطر، فيما لازالت الدار البيضاء غارقة وسط أزبالها وحفرها لا تستطيع حتى حل مشكل مطرح النفايات أو منع عربات الدواب المجرورة من التجول وسط المدينة. أما ناطحات السحاب فهي آخر شيء تحلم به الدار البيضاء في ظل وجود عامل يتحكم في الوكالة الحضرية لا يتعدى طموحه عمارات بطول خمسة طوابق، هذا إذا تفضل سعادته ووقع على تراخيص البناء المجمدة في ثلاجة مكتبه الذي لا يستقبل فيه أحدا.
وقبل اتفاقية التوأمة مع دبي وقعت الدار البيضاء اتفاقية توأمة مع شيكاغو في مطلع الثمانينات، وقد صادف هذا التوقيع حدثا أليماً تمثل في وفاة أحد أعلام المغرب عزيز بلال حرقا داخل غرفته بفندق بشيكاغو. فاستمرت شيكاغو في توسعها ونمائها وتقوقعت الدار البيضاء على نفسها وراكمت المشاكل والعجز.
وفي السابق كنا نعرف كل مدينة بحزبها، أما اليوم فالحزب الوحيد المتحكم في رقاب البيضاويين هو حزب “الشلاهبية” و”الشناقة” الذين يمسكون بخناق المواطنين ويعصرون جيوبهم بالضرائب دون أن يروا أثر ضرائبهم على الأرصفة أو الساحات العامة أو الخدمات.
حزب الشلاهبية هذا يوجد أعضاؤه في مجالس المقاطعات والمدينة، وهم من العبقرية بحيث يعرفون الطريقة السهلة والسريعة لدخول المجالس شبه فقراء ومعدمين لا يملكون حتى الصباط، والخروج منها ببطون سمينة وأرصدة منتفخة في البنوك داخل المغرب وخارجه.
ولعل أول جهاز يجب أن يتحرك لكي يعيد لدافعي الضرائب بالدار البيضاء الثقة في مؤسسات مدينتهم المنتخبة هو المجلس الجهوي للحسابات الذي يجب عليه أن يزور المقاطعات ويراجع حساباتها وطرق صرف ميزانياتها. ثم هناك المديرية الجهوية للضرائب التي يجب أن تبحث في ثروات بعض أعضاء ورؤساء المقاطعات لكي تدقق في مصادرها وهل هي متحصل عليها قبل توليهم المسؤولية أم أثناءها.
وأول خطوة في مسلسل إعادة الدار البيضاء إلى الطريق الصحيح هي محاسبة مدراء شركات التنمية على تسييرهم وتصرفهم في ميزانيات تقدر بحوالي 40 مليار درهم، وهو ما يوازي ميزانية 10 وزارات لمدة 5 سنوات.
وتقرير مجلس الحسابات أيام جطو جاهز بخصوص هذه الشركات التي حولها مديروها إلى ضيعات يفعلون فيها ما يحلو لهم.
لقد أرادت الدولة أن تحقق بهذه الشركات تنمية متسارعة تقفز على مجلس المدينة ومشاكله ومشاحنات أفراده، لكن النتيجة كانت عكسية تماما.
مدراء هذه الشركات لديهم رواتب وزراء، وطريقة تسييرهم تشوبها مجموعة من الاختلالات في آلية وطريقة توظيف هذه الشركات للموظفين والتقنيين والمهندسين التابعين لها، في ظل استفادة المدراء المشرفين على هذه الشركات من رواتب وتعويضات سخية تتجاوز 70 ألف درهم، كما هو الحال بالنسبة للمدير العام لشركة الدار البيضاء للخدمات التي تتولى تدبير مجموعة من القطاعات بشكل متعثر كالنظافة والمجازر وأسواق الجملة.
وجميع هؤلاء المدراء ما شاء الله عليهم يحظون بإمكانية الرفع من عدد السيارات المخصصة لأسطولهم العائلي أو المهني مع التزود المجاني بالبنزين عبر البطاقة البنكية “غير المحدودة” بفضل المال العام.