شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

كازا بلانكيز

حسن البصري

لطالما ترددت على ملعب «لاكازا بلانكيز» وأنا يافع لأركض في جوانبه المتربة، كان فادي، أستاذ التربية البدنية، يضرب عصفورين بحجر وهو يأخذنا إلى هذا الفضاء، فيمارس تداريبه الاعتيادية بصفته بطلا، ويحول حصتنا من الإعدادية إلى «كازا بلانكيز». نجح كثير من زملائي في شق طريقهم وأصبحوا أبطالا في رياضة ألعاب القوى أمثال: صبوان والزحافي ولكنيتي وجابري وإيكجدار ولمحمدي، بينما فضلت الركض في اتجاه آخر.

كانت «لاكازا بلانكيز» التي يرجع تأسيسها إلى سنة 1918، فضاء لشحن بطاريات اللياقة البدنية بامتياز، وفيها تدربت عناصر الوداد والرجاء والمنتخب الوطني، وكانت أيضا مصنعا لإنتاج بطلات في الجمباز يتمتعن بأفضل قوام، كنا نختلس النظرات إليهن في غفلة من المدرب.

مرت الأيام، فاختفى الراكضون وراء المجد، دون سابق إشعار، حل المشردون والندامى بالمكان، وجعلوا العقل المخمور في الجسم المقهور.

ذات يوم من أيام سنة 2002، وتحديدا في فجر اليوم الثالث لعيد الأضحى، حاصرت قوات من العسكر و«السيمي» والمخازنية «لاكازا بلانكيز»، اعتقد الناس أن الهدف هو تمشيط الفضاء من المشردين، لكن تبين أن العملية تستهدف سكان الفضاء الرياضي القاطنين للمساكن الإدارية.

صدر الأمر عن إدريس بنهيمة، حين كان واليا للدار البيضاء، ومارس هواية الإفراغ التي تسكنه، فأجهز على المقاهي والمطاعم، ولم تسلم الملاعب.

سمعت طرقات قوية على أبواب سكان الملعب، ساد الهلع وتبين أن الإفراغ استعجالي، دخلت القوات الغازية دار البطل السابق، الشعبي، فأخرجوه منها، وداهمت منزل با عبد السلام شاكر لمزابي، حارس الملعب، واستهدفت الغارة بيت با جيلالي موكاني، اقتيدوا، وهم يتأبطون ما تبقى من «كديد» العيد، حيث زج بحراس المعبد في مركز اجتماعي بتيط مليل. لم تسلم مقرات الأندية الرياضية من الغارة، فتم الترحيل تحت جنح الظلام، حين دعي رؤساء الفرق لجمع وثائقهم وخواتمهم وكؤوسهم والانصراف، مع توصية بخروج بلا عودة.

عاش القائمون على هذه المعلمة فاجعة حقيقية، حين طردوا بعنف من «كازا بلانكيز»، حتى اعتقدنا أن القوات العمومية أخطأت الهدف، حين قامت بتمشيط المكان من صناع الأبطال وتركت المشردين والندامى يستمتعون بهدوء المكان.

غادر منصور لحريزي، مدير «لاكازا بلانكيز» بيته قبل حلول قوات بنهيمة، وأذرف دمعة الفراق، معلنا وفاة أم الألعاب.

ولأن موقع هذا الفضاء الرياضي في قلب الدار البيضاء، يحرك وجدان المستثمرين العقاريين والسماسرة والمنتخبين ويسيل لعابهم، فقد وقع تفويت هذا الملعب سنة 1974 في عهد المجلس البلدي للدار البيضاء برئاسة «جوق» العربي السقاط، قبل تقسيم المدينة إلى خمس جماعات حضرية سنة 1976. تم التفويت لفائدة شركة تنمية السياحة بالمغرب (كورتوم)، من أجل بناء فندق فخم ممتاز، من صنف خمس نجوم.

تمت الصفقة ليلا بنفس السرعة التي تم فيها الإجلاء، وتم الاتفاق على تفويت أزيد من 15 ألف متر بسومة مالية قدرها 400 درهم للمتر المربع.

حين أصبحت «كازا بلانكيز» تابعة لمجلس عين الذئاب، أدرج التفويت في الدورة العادية لشهر أكتوبر 1978، وتبين أنه لا يمكن مسح ملعب كمرفق عمومي، من أجل بناء مرفق تجاري. قاد المجلس معركة حقيقية برئاسة مصطفى القرشاوي، ضد وزارة الداخلية، فتراجعت «الطراكسات» عن الهدم.

 كانت «لاكازا بلانكيز» فضاء لتحطيم الأرقام القياسية وهي حية ترزق، ونجحت في تحطيم رقم قياسي عالمي، حين استغرق ترميمها وصيانتها 22 سنة، ومر عدد من الوزراء كل قدم فتواه في الترميم ومضى إلى غايته.

من الموساوي إلى برادة الحلواني، تفقد أشغال الصيانة الكحص وزيدوح ونوال المتوكل وبلخياط وأوزين والعنصر والطالبي وفردوس وشكيب وحسن أولئك رفيقا.

استغرقت الأشغال 22 سنة، «واش كانوا كيضربو المرطوب بملعقة»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى