طانطان: محمد سليماني
البحث في ملف الإنعاش الوطني، المعروف بالأقاليم الجنوبية بـ«الكارتيات»، أشبه بالبحث عن سر من الأسرار الخطيرة التي لا يجب أن يقترب منها أحد في السر أو العلن. المستفيدون غير معروفين، والمستخدمون مجهولون، وريع هذا الملف تجاوزت أصداؤه الآفاق وأزكمت رائحة فساده النتنة الأنوف. «طانطان» واحدة من الأقاليم الجنوبية التي يشكل فيها هذا الملف بؤرة سوداء لم تصلها بعد أشعة الضوء.
وإذا كان مصطلح «الإنعاش» يحيل في المتخيل الشعبي إلى غرفة بمستشفى يوضع فيها من هم بين الحياة والموت، بل إنهم إلى الموت أقرب، فإن ذلك شبيه إلى حد كبير بعمال «الإنعاش الوطني». فهم أشخاص يعيشون بين الشغل والعطالة، فلا هم أدمجوا في الوظيفة العمومية، بالرغم من أن كثيرين منهم يؤدون أعمالا مثل تلك التي يؤديها موظفون مرتبون في سلالم عليا، بل منهم من يقومون بأعمال تعتبر من أسرار الدولة في بعض العمالات والقيادات والباشويات، ولا هم يستفيدون من أجور تكفل لهم العيش الكريم والاستقرار الدائم. وقد تحولت «كارتيات» الإنعاش الوطني إلى ريع يستفيد منه بعض المسؤولين والمنتخبين والأعيان والمتنفذين، بعدما كانت فلسفة ابتكاره في 27 أبريل من سنة 1957 تقوم على إنقاذ بعض الفئات الهشة وإشراكها في بناء المغرب الخارج لتوه من الاستعمار في دولة ليس بمقدورها آنذاك توظيف الجميع.