كابول 1978.. زهو اليسار ونكسته
رشيد الخيون
كانت أفغانستان، قبل انقلاب (1978)، هادئة بجبالها وقبائلها، الانقلاب الذي قاده حزب «خلق» اليساري، برئاسة محمد تراقي (قُتل: 1979). ويومها كان محل زهو اليسار، كما وجدته واشنطن فرصة، لاستدراج موسكو إلى كهوف وممرات عصية، بشعار الدفاع عن الإسلام.
أسس الانقلاب لكارثة، بدأت ولم تنته، مع أن ما كان يطلبه اليسار متاحا في العهد الملكي، فمنذ (1919) تبادل فلاديمير لينين (ت: 1924) رسائل الصداقة مع زعامة أفغانستان، وعقدت معاهدات بين موسكو وكابول.
التفتت أمريكا إلى الدور السوفياتي بكابول، بعد زيارة الرئيس إيزنهاور عندما رأى: «المطار الذي نزل فيه أقامه السوفيات، والسيارة التي استقلها من طراز «زنم» السوفياتية، والطريق الذي مر فوقه إلى المدينة شقه السوفيات، وبيت الضيافة الذي نزل فيه بناه السوفيات».
بلغت المساعدات السوفياتية لأفغانستان (1966 – 1976) سبعمائة وخمسين مليون دولار، وكذلك السلاح وتدريب الجيش من السوفيات، أما أمريكا فكانت إلى جانب باكستان في نزاعها مع جارتها أفغانستان. فما حاجة موسكو إلى الانقلاب إذن؟
أعلنت أفغانستان جمهورية (1973)، بعد انقلاب محمد داوود خان، قريب الملك، فيما كانت الملكية صمام أمان لبيئة اجتماعية معقدة، فبدأت بالتنوير والتحديث تأثرا بالنموذج الأتاتوركي. لم يؤثر انقلاب داود سلبا على ما بين موسكو وكابول، بل متن العلاقات. كما لم يثر الأمريكان وحلفاءهم، ولا باكستان، مثلما أثارها انقلاب اليسار بعد خمس سنوات.
مِن ذلك الزهو اليساري بانقلاب (1978)، أن تقاطرت على كابول وفود اليسار، والتقى قياديون يساريون عراقيون بزائر أفغاني، كان بزيارة رسمية لبغداد، بينهم صاحب مؤسسة «المدى» فخري كريم، الذي أفادني بعد الاستفسار منه أنهم تحدثوا كتابة عند الاجتماع بالزائر الأفغاني، خشية من أجهزة التنصت، وعند خروجهم اعتقلوا من قبل السلطة، لغرابة عدم وجود حديث خاص، غير تبادل التحايا والمجاملات! كان الزهو مترابطا، هناك كابول، وهنا عدن، وانتصار بفيتنام، غير أن الأمر مختلف بالنسبة إلى أفغانستان.
برر انقلاب (1978)، المحتفى به، للأمريكان تجنيد جماعات دينية شرسة، عبر مضيق خيبر، تحت شعارات دينية، حتى غدت قندهار وأخواتها مفارخ لما انشطر عنها، في ما بعد، من جماعات الإرهاب، زها بها الإسلام السياسي، بعد الزهو بولاية الفقيه الإيرانية، لتبرز صحوة دينية لا تبقي ولا تذر.
كان درسا بليغا وسط منطقة مدججة بسلاح الدين والقبيلة. هذا، وما زالت التداعيات تتوالى، حتى دخلت «طالبان» القصر ثانية. انقلب دواد على الملك، وتراقي يقتل داود، وحفيظ يقتل تراقي، وكارمال يقتل حفيظ، فطالبان تقتل نجيب الله، رفيق تراقي وحفيظ وكارمال، بدولاب مصائر عجيب. يذكرنا بما حدث في قصر الكوفة (71 هجرية)، يوم انقض المروانيون فيه على الزبيريين: فتشاءم عبد الملك بن مروان (ت: 86 هجرية)، من قول أحدهم وهما داخل القصر: «رأيتُ رأس الحسين بين يدي ابن زياد ها هنا، ورأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار، ورأيت رأس المختار بين يدي مصعب، ورأيت رأس (مصعب) بين يديك. فبأي شيء أحدثك بأعجب من هذا؟». فهدم عبد الملك القصر تطيرا من تعاقب الرؤوس.