سفيان أندجار: تركيا
تعد مدينة قونيا التركية من أبرز المدن التي تعد قبلة للراغبين في الهروب من صخب الدنيا والمدن العملاقة إلى سحر وجمال المدينة الروحانية والمحافظة، والتي تزخر بجذورها التاريخية والثقافية، واحتوائها على العديد من المعالم الأثرية، وأصبح الكثيرون يصنفونها ضمن أفضل المدن الروحانية على الصعيد العالمي.
في سلسلة حلقاتنا لوصف قونيا سنتطرق إلى خصائصها ومزاياها التي تنفرد بها، من خلال الحديث عن الجانب البعيد عن احتضانها لدورة ألعاب التضامن الإسلامي، لننقل أسرار وخبايا هذه المدينة.
تتسم مدينة قونيا التركية بطابعها الروحاني، حيث تزخر بعدد من المعالم الأثرية والمساجد الكثيرة، كما تلمس فيها عدة خصائص تفتقدها باقي المدن التركية والعالمية، فرغم بساطتها إلا أن تلك الأرض كانت شاهدا كبيرا على تاريخ الدولة العثمانية.
علاء الدين أغلى منبر في العالم
تضم قونيا أزيد من 3098 مسجدا، وتم تلقيبها بمدينة المساجد، غير أن كل بيت لله يحمل قصة معينة وتاريخا كبيرا وأسبابا حول بنائه، لعل أبرز المساجد في المدينة هو مسجد علاء الدين القوني السلجوقي، والذي يعتبره الأتراك رمزا للتاريخ العثماني القديم، لا يعد مكانا فقط خاصا بالعبادة، بل يعتبره الكثيرون متحفا، لأنه يحتوي على العديد من المقتنيات الثمينة التي تعد تراثا كبيرا للأتراك.
ويتوفر المسجد على أغلى منبر في العالم، وهو مصنوع من خشب الأبانوس، وهو مركب قطعا باليد دون استعمال أي لواصق بين قطعه الخشبية بطريقة فنية رائعة.
ويقع المسجد ضمن القلعة على تلة مشرفة على قونيا، وبقربه منتزه وحدائق ومنتجعات سياحية، ويروى أنه عثر علماء الآثار على قطعة ما زالت قائمة من كاتدرائية قديمة، تعمل بلدية قونيا على ترميمها والحفاظ عليها.
العزيزية مسجد المئذنتين
يعد أيضا مسجد العزيزية واحدا من أبرز المساجد في مدينة قونيا، بجمال كبير وذلك بسبب تميزه بالفن المعماري الفريد، والذي يعتبره الكثيرون خليطا من العمارة الباروكية والهندسة المعمارية العثمانية التقليدية.
مسجد العزيزية يتسم أيضا بكونه من المساجد القليلة التي تم تشييدها وتتوفر على مئذنتين، تتضمنان شرفتين وهو أمر اعتاد عليه العثمانيون منذ الأزل. كما أن الأرضية الرئيسية لمسجد العزيزية مرتفعة نسبيا، مقارنة بباقي المساجد ويستعمل درج للوصول إلى قاعة الصلاة، ولديه بناء معماري خاص به، فهو على شكل مربع، حيث يتوفر على قبة كبيرة الحجم، إضافة إلى ثلاث قباب أصغر على ستة أعمدة من الرخام.
ضريح جلال الدين الرومي
لا يمكن ان تحل بمدينة قونيا دون زيارة أبرز معالمها والتي تتمثل في ضريح جلال الدين الرومي، الذي يلقبه الأتراك بـ«مولانا»، والذي يعود تاريخ تشييده إلى عام 1200 ميلادي.
ذلك الضريح يعتبر معمارا فنيا فريدا من نوعه، ويطلق عليه «الفن السلجوقي»، والذي شيده المهندس المعماري بحر الدين تبريزلي عام 1274م.
وحلت «الأخبار» بضريح الدين الرومي، والذي شهد حضورا كبيرا وتوافدا من طرف الفعاليات التي حضرت إلى دورة ألعاب التضامن الإسلامي، حيث وقفت على جمال هذا الضريح وفنه المعماري البديع، والذي يتسم بالقبة الأسطوانية التي يشتهر بها المتحف والموضوعة على أربعة أعمدة، تزينت بزخرفة من العهد العثماني بزخرف فيروزي نادر جدا، والذي يسلب العين بكثرة جماله.
أسفل القبة مباشرة يوجد قبر جلال الدين الرومي، والذي تم طلاؤه بالذهب والمغطى بقماش من حرير تتخلله خيوط ذهبية، في حين في الجهة المقابلة تقع القاعة الرئيسية التي تحتوي على معروضات من التحف التاريخية في تلك الحقبة، بالإضافة إلى أغراض شخصية لجلال الدين الرومي، ناهيك عن وجود سجادات وآلات موسيقية وملابس ومنحوتات من أقصاب الخيزران.
يزور الضريح 1.5 مليون شخص سنويا، معظمهم من الأتراك، عند الدخول إليه يجب اعتماد طقوس معينة، من بينها ضرورة وضع أغطية بلاستيكية على الأحذية، ووجوب تغطية النساء لرؤوسهن، وعدم ارتداء أي لباس قصير.
بعد مغادرة الضريح فإنه بإمكانك التجول في حديقة جميلة تسمى «بوابة الدراويش»، تتوفر على فناء ونافورة خاصة بالوضوء، قبل أن تشد انتباهك لافتة موضوعة عند مدخل ومكان الخروج من الضريح، كُتِبَ عليها باللون الفضي عبارة «من يدخل هنا غير مكتمل سيخرج كاملا».
وتم وضع وعاء كبير أطلق عليه اسم «إبريل»، وهو يحتفظ بماء المطر ويعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر.
ويقال إنه تم غمس رأس عمامة جلال الدين الرومي في الماء، ويزعم أنه ماء مقدس فيه شفاء، كما توجد بجواره ستة توابيت تعود إلى أنصار بهاء الدين فيليد، الذين تبعوه من أفغانستان.