يونس جنوحي
ما لا يعرفه كثير من الناس أن سكان المغرب الشرقي اعتادوا أن تجرف مياه الأمطار القناطر الواقعة على طول الطرق الوطنية والجهوية. إلى درجة أن برنامج الدراسة لسنوات طويلة يُبرمج خارج ترتيبات وزارة التربية الوطنية، وتُعلق الدراسة إلى أن ينخفض منسوب المياه، ويستطيع التلاميذ وأطر التدريس العبور إلى «الضفة» الأخرى، حيث توجد المدارس.
وهناك اليوم مئات آلاف المغاربة ممن كانوا يدرسون بهذه الطريقة، أو يعرفون تلاميذ درسوا معهم في هذه الظروف. حتى أن أطر المدارس والإعداديات الواقعة في الجنوب، كانت تعرف بدقة أسماء ووجوه التلاميذ القادمين من الدواوير التي تفصلها الوديان عن الجماعات الترابية التي يتمدرسون فيها، ولا تُسجلهم في لوائح الغياب عندما يرتفع منسوب المياه.
المنتخبون يتحملون مسؤولية كبرى في ما وقع، إذ إن فضائح منح رخص البناء في مواقع جريان الوديان، والتي تفرجت قبل سنوات، ما زالت تداعيات مصائبها تسقط فوق رؤوس العائلات مثل الصواعق.
الصور القادمة من طاطا وورزازات وتارودانت كلها تفضح وجود منازل في مجرى الوادي تماما، في حين أن الواجب يقتضي أن يُمنع علينا بناء المنازل بالقرب من منطقة جريان الوديان، في حال ارتفاع منسوب المياه.
أما انهيار القناطر كما لو أنها مبنية بمادة الدقيق، فهذه قصة أخرى.
لا يُشترط أن يكون المرء خريج المدرسة العليا للمناجم، لكي يلاحظ أن أغلب القناطر التي تسببت في كوارث الجنوب جراء السيول والفيضانات، بُنيت على مستوى منخفض، يوازي مستوى فرشة الوديان. في حين أن تلك القناطر كان يجب أن تُبنى على ارتفاع يتجاوز ثلاثة أمتار على الأقل، وأن تكون مدعومة جيدا وتُبنى بتقنيات خاصة تضمن ألا يُجرف أساسها بمجرد ما يرتفع منسوب مياه الوادي.
الضحايا الذين ماتوا جراء السيول، هم من أدوا ثمن القرارات المتهورة التي اتخذها إما سائقو السيارات، الحافلات، أو الشاحنات، للعبور في قمة نشاط الوديان. وحتى لو نصبت السلطات حُراسا لمنع المواطنين من العبور، فإن مسألة استهتار البعض بمدى خطورة التيار ما زالت تحصد الأرواح.
ورثنا في المغرب بعض القناطر من زمن الحماية الفرنسية، بعضها بُنيت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وما زالت قائمة. وبعضها الأخرى بُنيت في العشرينيات أثناء الحملات العسكرية الفرنسية. بينما امتنعت الإدارة الفرنسية عن بناء قناطر في المغرب الشرقي، عقابا للأهالي الذين ثاروا ضد الجيش الفرنسي قبل استسلام أغلبهم سنة 1933.
المسؤولون الفرنسيون إذن قرروا عدم بناء قناطر متينة للربط بين ضفتي وادي سوس ودرعة وغيرها على امتداد منطقة الجنوب من شرقه إلى أكادير، حتى يشلوا حركة القبائل التي حملت البنادق في وجه الاستعمار. لكن ما ذنب أحفادهم حتى تتأخر الإدارات المتعاقبة على التجهيز منذ 1956 إلى اليوم، لكي تبني قناطر بمعايير تسمح بالعبور بين القرى والدواوير، أثناء فيضان الوديان واشتداد السيول؟
بحسب ما يؤكده فاعلون في المجتمع المدني من الجنوب الشرقي، فإن القناطر التي تكلفت الجماعات المحلية ببنائها منذ 1990 إلى اليوم، جُرفت أكثر من ست مرات، وتجدد بناؤها كليا، ورمم أقل من 20 بالمائة من المتهالك منها، وتضررت جراء سيول 2010 الأخيرة. ورغم تجديدها بعد 2012، فإن أغلبها تضرر مجددا بسبب السيول الحالية. بينما تبقى مناطق محظوظة قليلة جدا، استفادت من بناء قناطر بمعايير تضمن لها الصمود في وجه السيول، ولم تصلها الفيضانات الحالية نهائيا، لاختبارها، أو لاختبار صدق كلام المشرفين على بنائها في مدة تجاوزت أربع سنوات.