قلة الترابي 2.1
ما يحدث هذه الأيام في شوارع ومدن مغربية كثيرة بسبب احتجاجات التلاميذ يجب أن يتم أخذه على محمل الجد، وقبل ذلك يجب تحليله وفهمه ووضعه في إطاره الصحيح، بدون بحث عن دغدغة العواطف أو تبرير ما يقع.
ما نراه اليوم في الشوارع هو صورة مكبرة لما يعيشه رجال ونساء التعليم في الأقسام يوميا مع تلاميذ يتحدثون “من السمطة لتحت” أغلبهم لم يعد يشعر بضرورة احترام المؤسسة التعليمية أو العاملين فيها، وهو أيضا صورة مكبرة لما يحدث داخل الأسر المغربية التي تعاني في صمت مع أبنائها المراهقين الذين خرجوا عن طوعها وأصبحوا يعيشون تمردا مستمرا على المجتمع والأسرة.
أولا يجب أن يعرف الجميع أن هؤلاء التلاميذ الذين يحتجون في الشوارع ويشتمون رئيس الحكومة أمام البرلمان بعبارات أستحيي من ذكرها هم قاصرون، أي ليسوا راشدين قانونيا، مما يعني أن أي استغلال لهم من طرف جهات سياسية أو نقابية يعتبر جريمة تعرضهم للمتابعة، ثانيا يجب أن نتفق على أن وجودهم في الشارع عِوَض فصول الدراسة هو خطأ كبير يتحمل مسؤوليته أولا أولياء أمور هؤلاء التلاميذ الذين عليهم تحمل مسؤوليتهم تجاه أبنائهم القاصرين وإجبارهم على العودة إلى طاولات الدرس عِوَض إضاعة وقت ثمين من السنة الدراسية في التقاط الصور في الشوارع لوضعها في الفيسبوك ومباهاة بعضهم البعض، المراهقات يبحثن لكي يظهرن أمام زملائهن المراهقين كفتيات متمردات والمراهقون يبحثون للظهور أمام المراهقات “قباح”.
وهنا نطرح سؤالا بسيطا، لماذا لم يقاطع الدراسة تلاميذ المدارس الخاصة والبعثات الأجنبية ؟
الجواب بسيط، أولياء أمور هؤلاء التلاميذ يدفعون من جيوبهم تكاليف دراسة أبنائهم، لذلك فكل يوم دراسة ضائع بالنسبة إليهم هو مصروف ضائع، عكس ما هو حاصل في مدارس “المخزن”، حيث التلاميذ وأولياء أمورهم يعتقدون أنهم لن يدفعوا ثمن هذا الوقت الضائع من جيوبهم.
وقد كان من الممكن أن نحسب خروج التلاميذ في المسيرات على رغبة في التعبير عن شعور بالغبن جراء قرار الساعة الصيفية، لكن أن تصل الأمور إلى حد إحراق العلم الوطني أمام البرلمان وتخريب سيارات المواطنين والممتلكات العامة، فهنا نصبح أمام جانحين سيجدون أنفسهم أمام القضاء، وعندها سنسمع وسنرى أمهاتهم يبكين ويلطمن وجوههن أمام أبواب المحاكم عندما تصدر أحكام بالسجن في حق المتورطين منهم في أعمال التخريب، وقد رأينا ذلك في السابق عندما تورط مراهقون في تخريب ممتلكات عمومية بعد مباريات كرة القدم وسمعنا أمهاتهم يصرخن ويبكين، ولا نريد أن يتكرر ذلك، لكن القانون لا يرحم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإهانة رموز السيادة الوطنية.
هناك اليوم من يجتهد في الخفاء لكي يضفي طابعا ملحميا وبطوليا على مسيرات التلاميذ، حتى أن هناك صورة يتبادلونها في مواقع التواصل الاجتماعي لمراهقة تصرخ في وجه رجل أمن، عاقدين مقارنة بينها وبين صور المراهقة الفلسطينية عهد التميمي وهي تلوح بقبضتها في وجه جنود الاحتلال، وهذه قمة العبث بعقول المراهقين الذين، بحكم السن والهرمونات، يبحثون عن إثبات ذواتهم عبر تحدي الكبار.
عهد التميمي تتحدى جيشا يحتل أرضها، أما تلاميذ المغرب فماذا يتحدون؟
إنهم ببساطة يتحدون المجتمع والأسرة، والمشكلة هي أن هذا التحدي يصدر عن خلل عميق في التربية ولا يصدر عن وعي مبكّر.
والمحرض الوحيد على ما يقوم به التلاميذ اليوم هو الفيسبوك، فجميع قراراتهم وصورهم وفيديوهات مسيراتهم تتم عبر الفيسبوك، الذي أصبح هو ولي الأمر الحقيقي لكثير من هؤلاء التلاميذ. إنهم يشعرون بعدم جدوى الدراسة والتعليم ويجدون في مشكل الساعة المشجب الذي يعلقون عليه مقاطعتهم لفصول الدراسة.
إنهم يدرسون في مدارس كالحة تفتقر لأبسط مقومات المؤسسة التعليمية، ويتكلمون في ما بينهم، سواء التلميذات أو التلاميذ، بلغة شارع فجة بدون مركب نقص.
إنهم ببساطة الأفواج التي ستلتحق بعد سنوات قليلة بملايين الشباب العاطل.
وتبقى المعطيات التي كشف عنها تقرير للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص الشباب المغربي والشغل خطيرة للغاية، فأكثر من مليون ونصف مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة بدون تعليم وبدون شغل، أي أنهم عالة على أسرهم وعلى المجتمع، ونظرا لكون هذه الفئة من المواطنين تنتمي في غالبيتها الساحقة للطبقات الهشة، فإن لنا أن نفهم بوضوح، بعيدا عن إنشائيات البرامج الحكومية السابقة، مصدر انتشار مظاهر التشرميل والشغب الجماعي، فضلا عن تنامي استقطاب العصابات والمنظمات الإرهابية للشباب المغربي.
سنكون أمام شباب غير متعلم لا يملك بين يديه مهنة أو حرفة، وليس له دخل يعيش به، أي شباب بدون أمل، لذلك سيسارع إلى بناء أمل وهمي إما عبر المخدرات أو عبر أفكار التطرف التي توهمه بآمال أخروية تتحقق بقتل الآخرين، “الكفار” في نظره، أي أنه سيصبح لقمة سائغة للانتحار بكل أشكاله.
إن كل مراهق فشلنا كأسرة وكحكومة وكدولة في تعليمه أو تكوينه، يعني أننا سنكون مضطرين لتوظيف شرطة لمطاردته وسجانين لحراسته، ولنا أن نتصور التكلفة، فحسب آخر إحصاء قام به المجلس الأعلى للتعليم، في تقييمه لفترة عشرية الإصلاح فإن تكلفة التلميذ المغربي لا تتعدى 12 ألف درهم في السنة، إذن لنا أن نتصور تكلفة هذا التلميذ عندما ينقطع عن الدراسة ويصبح عالة على مجتمعه، بل عندما يصبح مصدر خطر محدق به، إذ سنضطر لرفع ميزانية الأجهزة الأمنية لمراقبة سلوكه، الواقعي والافتراضي، كما أن الحياة الاعتيادية للناس ستتأثر بسبب تجنبهم المرور أو الجلوس في أماكن عامة خوفا من السرقة أو الاغتصاب، دون الحديث عن السياح الذين سيضعون المغرب ضمن الدول التي يستحسن تجنب القدوم إليها، مما يعني أن الخسارة هنا تصبح مضاعفة عشرات المرات.