يحتل تحسين الخدمات العمومية المقدمة لمغاربة العالم مكانة خاصة ضمن برامج بالوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، وذلك من أجل الاستجابة للانشغالات والإكراهات التي تواجه المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها بعض مناطق العالم كأوروبا وأثرها على حقوق ومكتسبات العاملين المهاجرين بها، بالإضافة إلى رفض بعض الدول لتوقيع اتفاقيات ثنائية للضمان الاجتماعي مع المغرب.
وفي هذا الصدد قامت الوزارة، بشراكة مع مختلف الفاعلين المعنيين، بالسهر على تحسين الحماية الاجتماعية للمغاربة المقيمين بالخارج عبر تعزيز مجموعة من الآليات التي تدخل ضمن انشغالاتهم، كالمحافظة على حقوقهم المكتسبة ونقلها إلى بلدهم الأصلي المغرب، هذا بالإضافة إلى العمل على تحيين الاتفاقيات الثنائية للضمان الاجتماعي بين الدول الموقعة مع المغرب وتوسيعها لتشمل دولا أخرى.
وفي هذا الإطار، قامت الوزارة، بتعاون مع وزارة الشغل والتكوين المهني ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجموعة من العمليات والإجراءات من أجل الدفاع عن المصالح والحقوق المتعلقة بالحماية الاجتماعية لمواطنينا بالخارج، سواء ببلدان الإقامة أو أثناء إقامتهم بالمغرب بعد عودتهم النهائية إلى بلدهم الأصلي المغرب، وذلك عن طريق المحافظة على الحقوق المكتسبة أو التي في طور الاكتساب.
وفي هذا الصدد، أنجزت الوزارة انطلاقا من اهتمامها بحماية حقوق ومصالح المغاربة المقيمين بالخارج، بتعاون مع القطاعات والمؤسسات المعنية، دراسة تهدف إلى تشخيص وضعية الحماية الاجتماعية للمغاربة المقيمين بالخارج، وتحليل الاتفاقيات الموقعة في هذا المجال بين المملكة المغربية وبعض دول الاستقبال.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة على العموم إلى التعريف بالوضعية الحالية للحماية الاجتماعية للمغاربة المقيمين بالخارج، بما في ذلك وضعية الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين المغرب وبعض بلدان الاستقبال لمغاربة العالم، من أجل مراجعتها وتوسيع مجال تطبيقها، ومن بين الأهداف الخاصة لهذه الدراسة:
– القيام بتشخيص شامل لاتفاقيات الضمان الاجتماعي المبرمة بين المغرب ومختلف دول الاستقبال.
– القيام بتقييم عام لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بالضمان الاجتماعي للمهاجرين المغاربة المنصوص عليها باتفاق الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
– تحديد حصة المغاربة المستفيدين من مستحقاتهم المضمونة بهذه الاتفاقية قصد تقييم الولوج الفعلي للمستفيدين لحقوقهم.
– فحص إمكانية تحيين اتفاقيات الضمان الاجتماعي مع الأخذ بعين الاعتبار تطور تشريع الضمان الاجتماعي بالبلدان الموقعة وتوسيع مجالها.
– فحص إمكانية توقيع اتفاقيات ثنائية في مجال الحماية الاجتماعية للعاملين المغاربة مع دول جنوب الصحراء ودول الخليج والمصنفين في أغلب الأحيان ضمن فئة المستقلين أو الذين يمارسون مهنا حرة ولا يستفيدون من أي تغطية اجتماعية.
– تحديد الآليات واقتراح بدائل تمكن المغاربة المقيمين ببعض البلدان والتي ترفض حكوماتها أو برلماناتها التوقيع أو المصادقة على اتفاقيات الضمان الاجتماعي مع المغرب، (مثال: إيطاليا) والاعتماد على التجارب الناجحة لبعض الدول (تونس، تركيا)…
أهم نتائج الدراسة
أظهرت الدراسة أنه:
– من بين 100 بلد يقيم بها المغاربة المقيمين بالخارج، 18 جولة فقط هي التي تربطها اتفاقيات الضمان الاجتماعي مع المغرب، من بينها 14 اتفاقية جاري بها العمل.
– كما أن المغاربة المقيمين بالخارج ليسوا على دراية كافية بحقوقهم.
– التوقيع على اتفاقيات ثنائية للضمان الاجتماعي ليس كافيا، لأن هذه الاتفاقيات لا تغطي جميع فئات العمال المغاربة ولا تلبي جميع احتياجاتهم.
ومن بين الإجراءات التي تم اقتراحها من أجل ملء هذه الفراغات هو إدماج المغاربة المقيمين بالبلدان التي لم يتم التوقيع معها على أية اتفاقية للحماية الاجتماعية مع المغرب، ضمن نظام المعاشات والتأمين الإجباري عن المرض الخاصين بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطاً خاصاً.
(عن الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج)
تسجيل أبناء الجالية في سجل الحالة المدنية
رصد الحسين العسري
لتسجيل الولادات الخاصة بأبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج في سجل الحالة المدنية، عمل المشرع المغربي من خلال قانون رقم 36.21 المتعلق بالحالة المدنية، الصادر بموجب ظهير شريف رقم 1.21.81 بتاريخ 14 يوليو 2021، على تسهيل الإجراءات الخاصة بذلك، من خلال تقديم أحد أقارب المولود من أب أو أم أو الجد أو الجدة أو العم أو العمة أو الخال أو الخالة… أو أي شخص مخول له ذلك حسب القانون، بالتصريح إلى مكتب الحالة المدنية بالمركز الدبلوماسي أو بالقنصلية لمحل ولادة المولود المصرح به.
وإذا وقعت الولادة، أثناء سفر بحري أو جوي، وكان السفر من المغرب في اتجاه الخارج وجب التصريح بها لدى القنصل المغربي أو العون الدبلوماسي في جهة الوصول. أما إذا حصلت الولادة أثناء السفر من الخارج إلى المغرب فإن التصريح يكون لدى ضابط
الحالة المدنية الذي يوجد مقره بقرب الميناء أو المطار أو لمحل سكنى أحد الوالدين.
ويجب أن يُقدم التصريح المذكور داخل أجل سنة من تاريخ الولادة، وفي حال عدم القيام بذلك داخل الأجل المذكور، فإنه يجب استصدار حكم قضائي يقضي بتصريح تسجيل المولود.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن اختيار أي اسم للمولود، باستثناء اسم مدينة أو دولة أو قرية، أو قبيلة، أو اسم مركب، ولا يتضمن لقب من قبيل مولاي أو سيدي أو لالة، وأن لا يكون ماسا بالأخلاق الحميدة أو النظام العام.
تحويلات الجالية المغربية بالخارج
في الحاجة للانتقال من المساهمة التضامنية (الاستهلاكية) إلى المساهمة الاستثمارية
الدكتور نبيل محمد بوحميدي عضو جمعية عدالة
حظيت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إبان فترة حالة الطوارئ الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، بتتبع المؤسسات المالية، حيث أكد مكتب الصرف من خلال نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر نونبر 2021، أن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 41,1 في المائة.
كما أكد والي بنك المغرب من خلال التقرير السنوي الذي قدمه إلى الملك، برسم السنة المالية 2020، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج قد أبانت عن قدرة عالية على الصمود، حيث أنهت السنة بمنحنى الارتفاع، والذي شمل معظم بلدان الاستقبال، باستثناء دول الخليج التي شهدت تحويلات المغاربة المقيمين بها تراجعا.
وأكد والي بنك المغرب أيضا من خلال تقرير 2021، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تصاعدت إلى مستوى قياسي بلغ 93,7 مليار درهم، مما مكن المغرب من احتواء تفاقم العجز الجاري في 2,3 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
هذه المعطيات الإحصائية تحمل قي طياتها واقعا ملموسا، يفيد بكون هذه التحويلات في نسبة كبيرة منها تحويلات استهلاكية ناتجة عن الحس التضامني، الذي يتميز به مغاربة العالم تجاه عائلاتهم، أثناء الأزمات أو خارجها.
وهذا ما نفهمه من خلال قراءة تاريخية لهجرة المغاربة نحو أوروبا، خلال القرن الماضي، التي كانت بشكل خاص هجرة عمال من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فتكرست (مع هذا النوع من الهجرة) التحويلات المرتبطة بالغرض الاستهلاكي الناتج عن إعالة العمال المقيمين بالخارج لعائلاتهم المقيمة بالمغرب، واستمر هذا النمط التضامني عبر الأجيال وارتفع، فاتضح أكثر بالأرقام الرسمية خلال أزمة كورونا.
إذا من خلال هذه المعطيات نقف على أن الأمر يتعلق بتحويلات خارجة عن الحسابات المالية والاقتصادية الاعتيادية، ومرتبطة بالأساس بالحسابات التضامنية العاطفية، ما يكون معه من اللازم رصد هذا الواقع وتتبعه، واحتساب سلبياته وإيجابياته، قصد تطويره، خاصة أن هذا المجال المالي الذي كان من الأسباب الأولى لنجاح المملكة المغربية لتجاوز العجز الناتج عن تدبير فترة الركود، بل الموت الاقتصادي خلال فترة الحجر الصحي.
ولا أقصد هنا بتطوير المجال تغيير البنية التضامنية، التي تقف عليها تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وهو أمر لن نستطيع إليه سبيلا وإن تم السعي إلى تحقيقه، وإنما المقصود هو إعادة النظر في بنية التعامل المؤسساتي والتشريعي مع المغاربة المقيمين بالخارج، وسحبهم نحو الاقتناع بضرورة تبني مقاربة التحويلات الاستثمارية التي تضمن مداخيل قارة، سواء لعائلاتهم المقيمة بالمغرب، أو تضمن مشاريع خاصة بهم في البلد الأصل.
لا خلاف على أن الدولة تستفيد من تحويلات المغاربة، سواء أكانت من أجل الاستثمارات، أو من أجل الاستهلاك، إلا أن التنمية المرجو تحقيقها على المدى البعيد، والتي تتبدى خطوطها العريضة من النموذج التنموي الجديد، يجعلها ملزمة بالبحث عن مداخل ومخرجات للرفع من نسبة التحويلات الاستثمارية، سيما وأن الاقتصاد المغربي يعرف اليوم تحولات نوعية على صعيد بنياته الإنتاجية.
إننا فعلا في حاجة إلى إعادة بلورة بنية التحويلات المالية لمغاربة العالم، بإيجاد بنيات استثمارية مؤسساتية وتشريعية سهلة التنفيذ ويسيرة العمل بها، في إطار استراتيجية سبق أن دعا إليها الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2015، والذي جاء فيه: «نجدد الدعوة لبلورة استراتيجية من جهة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج». وهذا لن يكون إلا بوجود دراسات واقعية، تدمج بين المعطيات المتعلقة بمغاربة العالم، ومعطيات القطاعات الإنتاجية والاستثمارية على مستوى البيئة الاقتصادية للمملكة المغربية، وهو الأمر الذي لا نجد له أثرا فعليا (وإن كانت هناك إشارات إلى الموضوع) في الدراسات المنجزة من طرف الهيئات المؤسساتية المختصة، وغاب أيضا عن النموذج التنموي الجديد، إذ نسجل أن أغلب جلسات الاستماع الخاصة بالمؤسسات الدستورية غلب عليها مناقشة العلاقة العسيرة مع الهيئات الأخرى، وصعوبة ممارسة صلاحياتهم ضمن الحقل السياسي والمؤسساتي والإداري، وهو أمر على كل حال واقع، ويشكل أحد أسباب عدم تحقيق استراتيجية واضحة المعالم تخدم مصالح مغاربة العالم.
كما أن تقرير النموذج التنموي الجديد، في المحور المتعلق بمغاربة العالم، عمد إلى تقنية التشخيص التي أكد من خلالها على أن 71 في المائة من الأمــوال المحولــة توجــه لتغطيــة النفقــات الاعتياديــة للأســر، فــي حيــن ما زالت حصــة التحويــلات المخصصــة للمشــاريع الاستثمارية منخفضــة، حيــث تبلــغ حوالــي 8 في المائة من إجمالي التحويلات، فيمــا يمثــل الباقــي ودائــع نقديــة لــدى القطــاع البنكــي.
وعــلاوة علــى ذلــك، تتركــز استثمارات مغاربــة العالــم بشــكل كبيــر فــي قطاعــات تتســم بقلــة الابتــكار، بحيــث يتــم استثمار حوالــي 60 في المائة مــن تحويلاتهــم الإجماليــة فــي قطــاع العقــار أو البنــاء، وذلك راجع إلى كون سياسة جلب الادخار والاستثمار أصبحت متجاوزة أمام التغيرات الاجتماعية والديموغرافية لمغاربة العالم، ومنافسة أبناك بلدان الاستقبال، مع وجود سياسة تواصلية ضعيفة الاستهداف تجاههم.
ولتجاوز هذا الوضع اقترح النموذج التنموي خلق فرص استثمارية لمغاربة العالم في المغرب، مع رصد عدد من الخطوات الإجرائية الداعمة، لكنها قاصرة عن تحقيق هذا التوجه الاستراتيجي، لأنه يقدم إجراءات هي في حاجة آنية إلى خطة عمل دقيقة لتدبير تفعيلها (الإجراءات)، لأنه سبق وأن مررنا من التجربة ذاتها، بعد إنجاز تقرير الخمسينية الذي رسم آفاق مغرب ممكن، والذي دعا إلى تحقيق أداء عمومي يخدم بالفعل الجالية المغربية، إلا أنه لم يتم إلا بلورة إجراءات تقنية مرتبطة بالمصالح الإدارية للجالية، الأمر الذي يجعلنا ندعو المؤسسات السياسية والتشريعية والحكومية وكذا المؤسسات الدستورية المختصة، على رأسها مجلس الجالية المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى ضرورة الدفع في اتجاه بلورة خطة عمل تتميز بالنجاعة وقابلة للتنزيل والأجرأة، في مجال تغيير بنية تحويلات المغاربة، من تحويلات تضامنية استهلاكية إلى تحويلات استثمارية، وقبل ذلك إطلاق دراسات ولقاءات علمية عملية، لإيجاد المخارج اللازمة لتحقيق هذا التوجه الاستراتيجي.