شوف تشوف

الرأي

قصص من ضفتي المحيط

يونس جنوحي

دائما ما كان المحيط الأطلسي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية مصدر إلهام لعدد من الكتاب والمُخرجين لتناول المواضيع التي ترسو على ضفتي المحيط.

وأشهر من تطرقوا لهذه العلاقة، الكوميدي الساخر «جاد المالح». فهذا الأخير قال في عدد من عروضه في الولايات المتحدة الأمريكية إن والده كان يأخذه في طفولته إلى شاطئ المحيط الأطلسي في مدينة الدار البيضاء التي قضى بها طفولته قبل أن تهاجر العائلة إلى فرنسا، ويخبره عن الضفة الأخرى للمحيط حيث توجد الـ «ميريكان» والحلم الأمريكي. ويقول المالح ساخرا إنه يشك ما إن كان هناك أب أمريكي في تلك السبعينيات يقف هو الآخر بدوره لكي يخبر ابنه عن الضفة الأخرى للأطلسي وما يوجد خلفها.

والحقيقة أن هناك فعلا من كانوا يراقبون المغرب من هناك. ويتعلق الأمر بطائفة «المورز» الذين يعيشون إلى اليوم في أمريكا، ويربطون وجودهم هناك بالفترة التي تم فيها اكتشاف أمريكا، حيث تأثروا بأفكار أحد أعضاء بعثة «كولومبوس» الذي نزل مع المستكشفين الأوائل ولم يكتف بالوصول إلى الولايات المتحدة، بل سافر جنوبا ووصل إلى دول أمريكا اللاتينية حيث يشاع أن قبره اليوم يعد مزارا للطائفة التي تأثرت به وتعرفت على الدين الإسلامي من خلاله.

وفي سنة 1943 ارتبطت أسر أمريكية كثيرة جدا بالمغرب، عندما وقع الإنزال العسكري في الدار البيضاء والقنيطرة والجديدة، ونزلت القوات الأمريكية لكي تعبر لنصرة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية واتخذت لها قواعد عسكرية في المغرب، وهو الحدث الذي قلب أحداث الحرب العالمية وحسمها لصالح الحلفاء.

والمثير أن عددا من الأسر قررت الاستقرار النهائي في المغرب حتى بعد انتهاء الحرب وحصول المغرب على الاستقلال منتصف الخمسينيات، وأقام هؤلاء الأمريكيون في المغرب إلى آخر أيام حياتهم وسلموا ممتلكاتهم إلى الجيل الثالث من أبنائهم. منهم من قرروا العودة إلى أمريكا ومنهم من هاجر إلى وجهات أخرى، لكن ما يجمع بينهم هو الوفاء لروح العائلة خصوصا في مدينة الرباط التي كانت مقرا لعدد من الأسر الأمريكية. فقد كانت زيارة واحدة فقط إلى منطقة «لوداية» في الخمسينيات كافية لكي تحسم بعض الأسر في قرار استقرارها النهائي في المغرب.

وحتى الذين عادوا إلى أمريكا بعد انتهاء مهامهم العسكرية والدبلوماسية في المغرب قبل ستين سنة من اليوم، لا يزالون يحملون حنينا إلى كل ما هو مغربي. ومؤخرا فقط، ظهر إعلان في أحد مواقع بيع التحف حول العالم، يبحث فيه مواطن أمريكي عن بعض الأكسسوارات الخاصة بساعات اليد العتيقة، ويقول إنه يملك ساعة نادرة من «كارتيي» كانت عبارة عن هدية من الباشا الكلاوي في مراكش سنة 1944 إلى والده الذي كان جنرالا في الجيش الأمريكي واشتغل في القاعدة العسكرية بالقنيطرة.

لا يفكر الابن في بيع الساعة الآن رغم أن سعرها وصل اليوم إلى ما يعادل تكلفة شراء «شاليه» يطل على البحر، لكنه يبحث لها عن «سمطة» أصلية من نفس الماركة شريطة أن تعود لنفس الفترة التي صدرت فيها الساعة. وأكد أنه مستعد لدفع القيمة التي يحددها البائع. المهم عنده أن يحصل على حزام جلدي أصلي للساعة التي يعتبرها أغلى ساعة في مجموعة الساعات النادرة التي ورثتها العائلة.

مطالعة مثل هذه الأخبار عن التاريخ المشترك بين المغرب والولايات المتحدة يثير فعلا الفضول لاكتشاف المزيد بخصوصه. لكن ما يحز في النفس، تذكر مصير التاريخ الخاص بالمغاربة أنفسهم. قارنوا مثلا بين ما وقع لهذا الرجل الأمريكي الذي يصرف المال لصيانة أرشيف والده، وضمنه ساعة تساوي الملايين قدمت له هدية من الباشا الكلاوي، وبين الخبر المحرج لظهور جوائز فنانين مغاربة رحلوا إلى دار البقاء، في «الجوطية» لكي تباع مع المتلاشيات بعد أن أهملتها عائلاتهم. بل ما يؤلم أكثر هو مطالعة مكتبات شخصيات بارزة في التدريس وبعضهم كانوا أعضاء في الحركة الوطنية، وكثيرا ما تجد بعض كتبهم في «العرام» معروضة بدراهم معدودة وعليها توقيعهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى