عاد عزيز رباح، وزير النقل والتجهيز في حكومة عبد الإله بنكيران، مع بداية العد العكسي لمغادرته رئاسة الجماعة الحضرية لمدينة القنيطرة، إلى لعب لعبة خلط الأوراق بغرض إتلاف رسم الحدود بين مشاريع مجلس بلديته غامضة الرؤية، والمشاريع الاستراتيجية للدولة التي أشرف على تدشينها الملك محمد السادس بعاصمة الغرب.
فشل رباح في أن يدفع عنه تهمة حبك مخطط لـ «القفز» على عدد من مشاريع الملك بالمدينة ومحاولة الركوب عليها من أجل مغانم انتخابوية، جلب عليه السخط الشعبي قبل «الغضب الرسمي»، يقول مصدر مطلع.
ويظهر ما سمي بـ «الغضب الرسمي»، عندما تعرض رباح لـ «اتهام بالادعاء» من طرف مسؤول سام في واحدة من مناسبات الإعداد لإحدى الزيارات الملكية التي انتهت بحرمانه من التصريح للإعلام الرسمي حول مشاريعها بسبب «لسانه الطويل»، يقول مصدر الجريدة.
يبدو أن حزب العدالة والتنمية قد جند في هذا الإطار، بغاية تنزيل مخطط ترويج الإشاعة بين المواطنين القنيطريين، عددا من مستشاريه، فضلا عن ما يسمى بـ «الجيش الإلكتروني»، في وقت كانت فيه الأجهزة الاستخباراتية تدبج تقارير لها حول الموضوع وتبعث بها إلى دوائرها المركزية بالرباط.
كان لكل واحد من الفريقين داخل الحزب الواحد، وفق معطيات توصلت إليها «الأخبار» وأكدتها شهادات متطابقة، «نفس المهمة وإن اختلفت الأساليب بين التضليل الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي والادعاءات المنافية للحقيقة في الحملات الانتخابية الدائمة لقادة الحزب وأتباعه بالمدينة».
وكم كان لافتا تنامي أنشطة الفريقين على مستوى العالمين الافتراضي والواقعي، عقب كل زيارة قام بها الملك محمد السادس، لإطلاق مشاريع سواء أكانت ذات طبيعة سوسيو – اقتصادية أو اجتماعية أو حتى استراتيجية مهيكلة.
برزت محاولات التفاف عدد من أتباع رباح على هكذا مشاريع لأغراض سياسوية، بشكل قوي، في ما يخص مشروعي «محطة القطار فائق السرعة «تي جي في» و»مشروع الميناء الأطلسي» تحديدا، يؤكد مصدر «الأخبار».
ظل نشطاء بحزب «لامبة»، يجتهدون في حشد مناصرين وضحايا لمثل هذه الإشاعات ودفعهم إلى السقوط في فخ ترويجها بين عوام الناس من القنيطريين عن جهل، كما لو أن من ورائها رباح أو حكومة بنكيران مع صنف معين من المستهدفين.
رغم ذيوع هذه المغالطات بين المواطنين البسطاء لم يكلف الوزير رباح ورئيس بلدية القنيطرة نفسه عناء إعطاء تعليماته لأتباعه لتحرير بلاغ رسمي يرسم من خلاله الحدود بين «مشاريع» المجلس الجماعي على محدوديتها ومشاريع الدولة التي دشنها الملك، لكنه اختار متأخرا توجيه ما سمي بـ «بيان إلى الساكنة» لم يبين أي شيء، سوى الحقد على الصحافة الجادة كما لو كانت له خصما سياسيا.
كان رباح يعلم، أكثر من غيره من أتباعه ومناصريه، أن من المشاريع التي يهلل عدد من مريديه بكونها نزلت بالقنيطرة مع جلوسه على كرسي وزارة التجهيز ورئاسته للمجلس الجماعي بالهاتف لبلدية بحجم مدينة القنيطرة، ومنها ماهي ذات طابع استراتيجي وتسطيرها من اختصاص المجلس الوزاري برئاسة الملك، تخطيطا وتمويلا . لكن ذلك لم يحد من المطامع في الركوب على مثل هذه المشاريع وبالتالي من الاتهامات الموجهة لرباح وحزبه في هذا الاطار..
حطب الإشاعة.. الوزارة والبرتوكول
لعبت الصفة الحكومية التي يتقلدها رباح كوزير للنقل والتجهيز ومشاركته في السابع من شهر أبريل المنصرم الوالي، زينب العدوي أمام الملك بالقنيطرة تقديم المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة للإقليم، دورا كبير في تقبل عدد من المواطنين العاديين لمزاعم أتباع رباح بكونه «الرجل القوي الذي يعود له الفضل في بلورة مشاريع الاقلاع التنموي بالمدينة والجهة»، فيما اعتمد مروجو إشاعة «الميناء الأطلسي» كمشروع لرباح باعتباره وزيرا وصيا على القطاع على أساس أنه هو من جلبه إلى القنيطرة، وهي معلومة عارية من المصداقية.
بالعودة إلى المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة للإقليم (2015 – 2020) الذي ناهز غلافه المالي 4.8 ملايير درهم، نجده مخططا تتجاوز عدد من مشاريعه ما ساهمت به الجماعة الحضرية للقنيطرة التي يترأسها الوزير، عزيز الرباح وحدود استفادتها منه، عكس ما روج له على نطاق واسع، بدليل قول الوالي، زينب العدوي أمام الملك محمد السادس: «إن الخطوط العريضة لهذا المخطط ترمي إلى تنمية مختلف المدن والمراكز الحضرية للمملكة بالجهة وفق رؤية منسجمة ومتوازنة»، وهو مشروع يرى فيه عدد من النشطاء المدنيين بالقنيطرة والجهة «خطوة تنموية عملاقة تستدرك إخفاقات مجالس منتخبة منذ سنوات».
وينشد هذا المخطط المهيكل، وفق العدوي، مواكبة النمو الحضري والديمغرافي الذي يشهده الإقليم، وتعزيز موقعه الاقتصادي، وتحسين إطار عيش ساكنته، والحفاظ على منظومته البيئية، ويقوم على مقاربة مجددة من حيث أفقية واندماج وانسجام التدخلات العمومية.
تداول عدد من أعضاء الحكومة، يتقدمهم وزير الداخلية، محمد حصاد ورؤساء المجالس المنتخبة أمام الملك محمد السادس، للتوقيع على خمس اتفاقيات؛ تتعلق بتنفيذ المخطط الاستراتيجي للتنمية المندمجة والمستدامة لإقليم القنيطرة (2015- 2020)، لم يحل دون الحد من مطامع أنصار رباح في الاستغلال السياسوي لهذا الحدث غير المسبوق على عهد الولاة السابقين.
مشاركة الوزير، عزيز رباح رئيس بلدية القنيطرة الوالي العدوي، وفق معطيات «الأخبار»، في تقديم جزء من محاور هذا المخطط نيابة عن هؤلاء الشركاء الحكوميين والمنتخبين، من باب تخفيف ضغط البرتوكول، لجمعه دون غيره بين صفتي العضوية الحكومة والعضوية الانتخابية، لم يقدمها أتباع رباح للعموم على حقيقتها، وإن كانت معطياتنا توضح أنه «ليس كل ما قدمه رباح من مشاريع وتابعها المواطن القنيطري في التلفزيون الرسمي هي من تمويل الجماعة الحضرية التي يترأسها أو تخصها لوحدها».
وتجدر الإشارة إلى أن المخطط تضمن تأكيد سريان دراسة مشروعين مهيكلين كبيرين يتعلقان بإحداث قطب حضري مرتبط بالمحطة الجديدة للقطار فائق السرعة، ومشروع تأهيل وإعادة توظيف الميناء النهري للقنيطرة، وهي مشاريع وقع عليها نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير وسياسية المدينة وربيع لخليع، المدير العام للسكك الحديدية ونادية العراقي، المديرة العامة للوكالة الوطنية للموانئ.
وجاء مخطط التنمية الحضرية المندمجة والمستدامة لمدينة القنيطرة (2015 – 2020) بتوجيه ملكي بأزيد من 90 مشروعا يهدف إلى تعزيز التجهيزات الأساسية، والتهيئة الحضرية للمدينة، والحفاظ على البيئة، والتنمية الاقتصادية، وتعزيز البنيات السوسيو- رياضية والدينية والثقافية، والنهوض بالتعليم العالي والتقني، فضلا عن دعم الحكامة المحلية، وهي مشاريع تعد بلدية القنيطرة، برئاسة رباح، مجرد شريك في عدد منها من بين شركاء كثر ساهموا في بلورة وتمويل بعضها والاستفادة من الكثير منها.
حقيقة مشروع الميناء الأطلسي وغيره
مع بداية شهر غشت الجاري، سيصادف شهر الحمى الانتخابية وما تخلفه من هذيان انتخابوي، صدور تقرير للمركز الجهوي للاستثمار بجهة الغرب الشراردة بني حسن، وقد صنف المشاريع الملكية التي استقرت بمدينة القنيطرة خلال الأسدس الأول من العام الجاري.
ليلى الحموشي، مديرة المركز الجهوي للاستثمار، ستؤكد من خلال هذا التقرير أن «جهة الغرب الشراردة بني حسن عرفت خلال الأسدس الأول من سنة 2015 أحداثا مهمة ذات وقع تاريخي، ستكون لها لا محالة آثار إيجابية على النسيج الاقتصادي والاجتماعي للجهة». وفي هذا الإطار تندرج زيارة الملك لعدة مواقع بالقنيطرة ومنها الزيارة التي خصصت للوقوف على مدى تقدم الأشغال بالمحطة الصناعية المندمجة للقنيطرة (المنطقة الحرة الأطلسية).
هذا المشروع الذي يقع على بعد عشرات الكيلومترات من المدخل الشمالي لمدينة القنيطرة يندرج وفق الحموشي «في إطار المخطط الوطني للإقلاع الإقتصادي»، وهو مشروع تقول المسؤولة ذاتها «يعرف إقبالا كبيرا من قبل الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والأجانب منذ انطلاق عملية تسويق الشطر الأول نهاية عام 2012 ومكن من توفير أزيد من 12500 منصب شغل مباشر، وضخ ملياري درهم من الاستثمارات».
مسؤولة هذه المؤسسة التابعة لوزارة الداخلية ستثير في هذا الإطار حدث التوقيع، تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس بقصر الضيافة بالرباط على اتفاقية شراكة بين المملكة المغربية والمجموعة الفرنسية بوجو ستروين.
واللافت مما تسرب من معلومات حول تلك الاتفاقية أن الشركة الفرنسية ستعمل بموجبها على إنشاء «مركب صناعي بمحاذاة المنطقة الصناعية المندمجة بالجماعة القروية عامر السفلية»، وهي جماعة لا علاقة لرباح وحزب العدالة والتنمية بها ترابيا ولا تدبيريا.
ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل بالقصر الملكي بالرباط، خصصت لتقديم ودراسة مخطط العمل الخاص بهذا المشروع بغية تطبيق الاتفاقيات الموقع عليها مع مجموعة «سيتروين بوجو»، كانت نتائجه حاضرة في تقرير الحموشي، وهي تشير إلى إعطاء ملك البلاد بمناسبة جلسة العمل تلك، تعليماته إلى مختلف المتدخلين لضمان تنسيق شامل لمختلف التدخلات، مشددة على أن الملك «أكد أيضا خلال هذا اللقاء على ضرورة تعزيز البنيات الكفيلة بخدمة جاذبية الجهة وتقويتها عبر الإسراع في إنجاز مشروع الميناء الأطلسي للقنيطرة في أقرب الآجال».
مشروع الميناء الأطلسي وإن كانت ساهمت اتفاقية شركة «سيتروين بوجو» مع المملكة المغربية في التعجيل بتنزيله على أرض الواقع، فإن الحسم فيه رؤية وتمويلا وفق معطيات «الأخبار»، جرى على عهد حكومة عباس الفاسي بمناسبة تدشين الملك عام 2010 للمنطقة الحرة «فري زون» أولاد بورحمة، بدعم مالي وسياسي ولوجيستيكي أمريكي -خليجي.
بوجو- سيتروين.. مشروع عصي على الاستغلال السياسوي
على اختلاف محاولات أتباع الوزير رباح بالقنيطرة استغلال مشروع بوجو- سيتروين سواء من بوابة نشر إشاعة جلب حكومة عبد الإله بنكيران لمشروع تشغيل شباب المدينة أو عن طريق ترويج وقوف رباح بصفته وزيرا للتجهيز على إخراج مشروع الميناء الأطلسي بالغرب إلى الوجود أو غيرها، ظل هذا المشروع استراتيجي الرؤية في بعده الإقليمي والدولي «عصيا على الاستغلال السياسوي»، خاصة بعدما صنفته مؤسسات الدولة في خانة المشاريع الملكية.
ويستحضر المتتبعون، في هذا السياق، ترؤس الملك محمد السادس، في يونيو الماضي بالرباط، حفل التوقيع على اتفاقية بين المملكة المغربية والمجموعة الفرنسية (بي إس إي بوجو- سيتروين)، تتعلق بإحداث مركب صناعي تابع للمجموعة بالمنطقة الحرة «أتلانتيك فري زون» بجهة الغرب- الشراردة- بني حسن.
وسيساهم هذا المشروع الضخم الذي لا تربطه ببلدية القنيطرة أي رابطة، عدا الانتماء الجهوي، في إقلاع قطب صناعي للتميز محدث للثروة وللقيمة المضافة بمنطقة الغرب شراردة بني حسن باستثمارات بقيمة 6 مليارات درهم. وسيمكن هذا المشروع الاستراتيجي الذي سينطلق العمل به في 2019، من إحداث نحو 4500 منصب شغل مباشر و20 ألف منصب غير مباشر، إلى جانب تطوير قطاع البحث والتطوير من خلال توظيف 1500 مهندس وتقني من مستوى عال.
الحرص الملكي الخاص على هذا المشروع سيظهر كذلك في دعوته إلى ضرورة تقوية البنيات التحتية الهامة التي تتوفر عليها الجهة، لاسيما من خلال إنجاز ميناء في المياه العميقة القنيطرة الأطلسي، مرتبط بالمحاور الطرقية والسككية والجوية المهيكلة، وذلك في أقرب الآجال. ويأتي المشروع المهيكل، لمصنع (بي اس اي بوجو سيتروين) ليؤكد على النجاح المتميز الذي تراكمه المحطة الصناعية المندمجة «أطلانتيك فري زون» (المنطقة الحرة الأطلسية»، التي يندرج إحداثها في إطار تنفيذ الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي الذي انطلق على عهد الحكومات السابقة، والذي يسعى إلى الرفع من جودة العرض المغربي في هذا المجال واستقطاب الاستثمارات، سواء منها الوطنية أو الأجنبية.
وللتذكير، فإن محطة أولاد بورحمة التي عارض فاعل سياسي عام 2009 بشكل غير معلن إحداثها دفاعا عن «السلاليين لأغراض انتخابوية»، تمكنت، منذ إطلاق تسويق شطرها الأول أواخر سنة 2012، من تحقيق نجاح كبير لدى الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين والدوليين من خلال إحداث أزيد من 10 آلاف و500 منصب شغل مباشر وملياري درهم من الاستثمارات.