شوف تشوف

الرأي

قصة رأس الإمبراطور..

يونس جنوحي

بالأمس نشرت البوابة الرسمية للحكومة البريطانية رسالة قصيرة، في دليل نصائح السفر للبريطانيين إلى المغرب.
النشرة تؤكد السماح للمواطنين البريطانيين، منذ يوم أمس، الذين كانوا يقيمون في المغرب قبل جائحة كورونا رفقة عائلاتهم، بالعودة إلى المغرب، واشترطت عليهم إجراء تحاليل تؤكد سلامتهم الصحية من الفيروس، قبل ركوبهم الطائرات صوب المغرب.
وحسب الحكومة البريطانية، فإن أزيد من 700 ألف مواطن بريطاني يزورون المغرب سنويا، بينما تزداد رقعة البريطانيين الذين يختارون المغرب للإقامة اتساعا كل سنة.
هذه العادة قديمة على كل حال، وما أشبه اليوم بالبارحة. فقد كانت بريطانيا دائما تنصح رعاياها باتخاذ الحذر عند زياراتهم إلى المغرب، منذ القرن 19 وإلى اليوم. وهناك أصناف من السياح يعتقدون صادقين أن المغرب دولة من زمن آخر، قبل أن تتهدم كل صورهم النمطية عن المغرب، بمجرد ما يلمحون الطريق السيار والبواخر الضخمة الراسية في ميناء «بور ميد» على مشارف البحر الأبيض المتوسط.
العام الماضي اشتهرت صور فتاة بريطانية خلقت نوعا من الفوضى في سوق شعبي بمدينة طنجة، عندما دخلت في مشادة مع بائع يضع الدجاج في خم وصاحت بهستيرية مطالبة بإطلاق سراح الدجاجات، وكأنهم في بريطانيا يأكلون دجاجا ينبت في صحيح المزهريات.
هناك أوربيون ينظرون إلينا وكأننا شعب من المتخلفين، الذين يكتبون الوصفات الطبية فوق جلود الحيوانات. بينما العارفون الحقيقيون بتاريخ المغرب، ينزلون في ميناء طنجة وهم على دراية بقيمة المكان الذي يوجدون به.
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة البريطانية، قبل 120 سنة، تنصح رعاياها بعدم التوجه إلى المغرب بسبب انتشار الطاعون، قبل أن يكتشف الجميع أن الوباء دخل إلى المغرب من سفينة تقل مسافرين إسبان، كان بعض المستكشفين البريطانيين يحفرون في كل مكان بمرشان مدينة طنجة، ووجدوا تماثيل تعود إلى عهد الإمبراطور أغسطس، 25 سنة قبل الميلاد.
وفي سنة 1935، وجد هؤلاء المستكشفون الذين ظلوا ينقبون في المغرب لأزيد من خمسين سنة، حل خلالها من حل ورحل خلالها من رحل، تمثالا عرف لاحقا بلقب «المرأة المؤتزرة»، على عمق ثمانية أمتار تحت الأرض في نهاية زنقة الصياغيين التي يعرفها الطنجيون جيدا.
بعض هذه التماثيل ما زالت في المتاحف، وأخرى الله وحده يعلم كيف غادرت المغرب صوب إقامات أثرياء أوربا. وبعضها يوجد اليوم في بوابات المكتبات والمراكز الثقافية، ولا أحد يملك الشجاعة للاعتراف بأنها سرقت من شمال المغرب، خلال التنقيبات التي عرفتها طنجة الدولية.
وُجد «رأس الإمبراطور» في هضبة مرشان، خلال ستينيات القرن الماضي، أثناء عمليات الحفر الواسعة التي نبتت مكانها اليوم الإقامات السكنية، التي تبيع المتر المربع بثمن يعادل ثروة الإمبراطور نفسه. وهذا الرأس المنحوت الذي يعود هو الآخر إلى فترة ما قبل الميلاد، عثر عليه مستكشفون فرنسيون يترأسهم الدكتور «ج. شاربونو»، وصنف في ستينيات القرن الماضي واحدا من الاكتشافات الأثرية المهمة في تاريخ دول حوض المتوسط.
وفي الوقت الذي كان فيه السياسيون يزرعون قطيعة بين ضفتي المتوسط، على اعتبار أن المغرب دولة «متخلفة»، كانت الاستكشافات تؤكد أن الضفتين كانتا ذات زمن إمبراطورية واحدة.
عندما كانت بريطانيا تنصح رعاياها باتخاذ الحيطة والحذر أثناء سفرهم إلى المغرب، كان بعضهم لا يحتاجون إلى نصائح بلادهم، لأنهم كانوا قد جربوا من قبل المشي في بحريات التماسيح في الأدغال الإفريقية، وناموا إلى جانب الأفاعي السامة أثناء حفر مناجم الذهب. الخطر والوباء الحقيقي الذي نهب ثروة القارة الإفريقية، وأودعها في أبناك أوربا منذ قرون.
تغيرت أمور كثيرة منذ ذلك الوقت، وتماثل العالم نسبيا للشفاء. إعلان بريطانيا عن فتحها للرحلات صوب المغرب، من شأنه بطبيعة الحال أن ينعش الاقتصاد ويعيد الحياة إلى الحركة السياحية التي سوف تبدأ الموسم الشتوي هذه الأيام، ونتمنى ألا نعود لرؤية فاتورة غرفة في فندق مصنف، ومعها ثمن «براد» شاي، مع قنينة ماء صغيرة قرب «كيليز» بمراكش يعادل ثمنها تكلفة استخراج رأس إمبراطور صغير من هضبة في مرشان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى