قصة حصول المعمرين والجنود الفرنسيين على أراضي وضيعات المغرب
يونس جنوحي
الفصل الخامس عشر:
سلطان أسود ومُعمرون بيض
عندما غادرتُ فاس، ارتميت في قلب الدوامة الحقيقية للمشكل المغربي.
اختفت ورائي خطوط الحرث في أراضي المُزارعين، وحتى المزارع الصغيرة. فوق السهل الشاسع، انتشرت حقول الذرة على امتداد البصر.
هنا، تتم العناية بالبساتين جيدا، وتُزرع الحقول بشكل مكثف.
حلت بيوت المزارعين الأنيقة، بحظائرها، محل ما كان يبدو أنه قرى أمازيغية مؤقتة. طيلة الأيام القليلة اللاحقة، في ناحية مكناس وسيدي سليمان، كنتُ في منطقة المُعمرين الفرنسيين.
عندما سيطر الفرنسيون على المغرب سنة 1912، كان توغلهم في البلاد ممثلا في العسكريين والإداريين، وسرعان ما لحق بهم التجار. ثم جاء عدد من المزارعين المستوطنين. لقد وجدوا أن الإنتاج المحلي كان بدائيا جدا، ويتبع القواعد العربية التقليدية التي تجاوزها الزمن قبل قرون خلت.
معظم المزارع كانت ممتلكات فلاحية صغيرة. لكن كانت هناك عقارات هائلة المساحة، تعود ملكيتها إلى الأثرياء والزعماء الإقطاعيين. زيادة على هذا، كانت هناك منطقة واسعة من أراضي الدولة، بالإضافة إلى منطقة أوسع، ينطبق عليها فعلا اسم «الأرض التي لا يملكها أحد». قامت الحروب لحيازتها، وأُحرقت قراها وذُبح سكانها مرات كثيرة إلى درجة أنها سوف تضيع.
تولى الفرنسيون أمر هذه الأراضي، بتفويض من الدولة. وبعد ذلك باعت المساحات المناسبة للمزارعين، فرنسيين ومغاربة.
الدعاية التي أطلقها الوطنيون تقول إنه منذ سنة 1914، صادرت سلطات الحماية ممتلكات المُزارعين المحليين بالقوة، وطردتهم من أرضهم، خصوصا في المناطق الأكثر خصوبة.
وهذا الأمر، بطريقة أو بأخرى، يعتبر شكوى تتكرر في معظم البلدان الفلاحية. خصوصا حيثما وُجدت الأراضي المُتخلى عنها.
لو كان هذا الأمر صحيحا في المغرب، فإنه يتوجب على الفرنسيين أن يكونوا قد زوروا عمدا سجلاتهم لكي يراوغوا أي استفسار أو مُساءلة. وهذا يعني أنهم توقعوا في سنة 1912، لا محالة، الحجج المتداولة اليوم.
أُكن للفرنسيين إعجابا كبيرا، لكني لا أعتقد أنهم يتمتعون بهذا القدر من بُعد النظر!
بعض المُعمرين الجدد، اشتروا من الدولة مساحة من الأرض المتخلى عنها، لكن من المحتمل أنها أرض جيدة، وأعادوا استغلالها فلاحيا كما كانت في السابق. مناطق أخرى، صُنفت على أنها مناطق شبه صحراوية، وبعضها لم يُزرع منذ مئات السنين.
قام الفرنسيون بما هو بديهي وواضح. لقد فتشوا على الماء، وشقوا الأرض. والنتيجة كانت مثيرة للإعجاب.
بعض المغاربة استفادوا من الدرس واستخلصوا العبرة، وتساءلوا لماذا يفكروا هم أنفسهم في ذلك. المُعمرون الأوائل، قاموا بعمل مفيد في ممارسة الزراعة الحديثة وأعطوا مثالا عَمليا على ذلك للمغاربة القدامى.
لقد استفادوا حقا من أمرين إيجابيين اثنين. وكان غياب هذين العاملين الإيجابيين قد أعاق العديد من الجهود المغربية في الماضي. وكلا الأمرين مرتبطان بالأمن.
في الماضي، إذا أصبحت فلاحة مغربي مُزدهرة وناجحة، فإنه يكون دائما موضوع نزوة طمع.
الأكثر من هذا، ليس لديه أي أمان على محاصيله، إلى أن يتوقف نهائيا المتمرد المتكرر والحروب الأهلية العنيفة.
ثم جاءت الموجة الثانية من الجنود المستعمرين الذين استقروا في المغرب بعد أن أدوا الخدمة العسكرية فيه. أغلب هؤلاء أرادوا الحصول على مزارع وضيعات جاهزة. والصفقات التي جاءت لاحقا لتفويت المزارع لصالحهم، تعرضت لحملة تشويه واسعة.
كان المُزارع المغربي، بعد إغرائه بثمن باهظ، ليبيع أرضه. وبعد أن يقضي فترة من الكسل وعدم القيام بأي شيء في أقرب مدينة، سوف يجد نفسه مُفلسا، وسوف يُلقي اللوم على الفرنسي الذي «سرق» أرضه.