شوف تشوف

الرأي

قصة جيش أحضر لنا «المسْكة»

نهاية الأسبوع الماضي تم إحياء الذكرى الثمانين لعملية الإنزال العسكرية الأمريكية في شواطئ المغرب، لكي يشارك «اليانك» في الحرب العالمية الثانية.

فقد عنونت صحيفة الـ«سان فرانسيسكو كرونيكل» ليوم الثامن من نونبر 1942 صفحتها الأولى وكتبت: «اليانكس غزوا شمال إفريقيا».

قد تتساءلون أين يمكن أن تجد أرشيف الصحف الأمريكية التي تطرقت إلى الخبر وفتحت به صفحاتها الأولى؟ فالمعروف أن الوصول إلى هذه الوثائق يكلف كثيرا، وأحيانا يستدعي الذهاب إلى الولايات المتحدة لمطالعة الأرشيف في «مخبئه».

لكن لحسن الحظ أن مقر المفوضية الأمريكية، البناية الأولى التي امتلكها الأمريكيون خارج تراب الولايات المتحدة وأقدم تمثيلية دبلوماسية لأمريكا في التاريخ، توجد في مدينة طنجة، واحتفلت أخيرا بعيد ميلادها المائتين!

المفوضية أحيت الذكرى الثمانين للإنزال الأمريكي في الشواطئ المغربية بطريقتها الخاصة، وقدمت خلال هذه الأيام أرشيفا مهما يوثق للعملية، وخصصت في إحدى زوايا المفوضية مكتبا يُحاكي المكاتب التي كان يشتغل فيها العملاء الأمريكيون الذين كانوا يتجسسون على النازية، وعلى فرنسا أيضا، خلال الحرب العالمية الثانية.

من الأمور المثيرة التي سجلتها الوثائق الأمريكية، شهادة لشاب مغربي كان عمره سنة 1942، 17 سنة فقط. يتعلق الأمر بـ«ألبير بوهدانة»، وللذين لا يعرفونه فهو أحد أشهر الموسيقيين اليهود الذين اشتغلوا على الأغنية الدينية اليهودية.

ورغم أنه يتحدر من مدينة الجديدة، إلا أنه كان موجودا في الدار البيضاء خلال عملية الإنزال التي قام بها جيش الولايات المتحدة الأمريكية في شاطئ المدينة. وحكى في حوار سُجل معه في الولايات المتحدة سنة 1992، حسب ما نقلته وثيقة المفوضية: «لم تكن لدي أي فكرة من أين قدم كل أولئك الجنود. كنتُ لا أزال طفلا آنذاك. كل ما كُنت أعرفه أنهم جاؤوا لإنقاذنا من النازيين، وجلبوا لنا معهم الشوكولاتة والعِلكة».

لم يغرد «ألبير بوهدانة» خارج السرب، فالسواد الأعظم من مغاربة «زمان» كانوا يعتقدون الأمر نفسه. وهم أول من علموا المغاربة مضغ «المسكة». وهناك دليل آخر على هذا الأمر، في أغنية الحسين السلاوي الشهيرة: «الماريكان»، والتي وصف فيها بدقة التغيير الكبير الذي طرأ على حياة المغاربة، والمغربيات خصوصا، بعد الإنزال الأمريكي وإنشاء القاعدة الأمريكية في القنيطرة، وأشار إلى مضغ العِلكة في الشوارع وترديد كلمة «أوكي».

ظاهرتان بسيطتان كانتا كافيتين لجعلنا نذهب مع الأمريكيين، في الوقت الذي كان فيه العالم موزعا بين معسكري الشيوعية والرأسمالية.

عندما تغادر اليوم مقر المفوضية الأمريكية بقلب المدينة العتيقة لطنجة، لا بد أن تلاحظ مرورا عبر الشوارع، أن أمورا كثيرة تغيرت بعد ثمانين عاما على نزول الأمريكيين في المغرب، لكي يحسموا الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء، ويُنهوا أحلام هتلر، وينصبوا أنفسهم قوة تقود العالم.

لا يزال اقتصاد العالم متوقفا على ما سوف تفعله روسيا بشأن حربها ضد أوكرانيا، وما زالت الولايات المتحدة تتوعد الروس بالعقوبات، بينما الاتحاد الأوروبي الذي يُعقد إجراءات التأشيرات كل يوم، يعد الأوكرانيين أن أوروبا لن تتخلى عنهم، ثم يتحسس خزانات الغاز بقلق مع حلول فصل شتاء بارد جدا.

وحدها سيدة، تجاوزت الأربعين بقليل، على بُعد عشرين مترا من مقر المفوضية الأمريكية، حيث تُعرض صور الإنزال الأمريكي الذي جاء بـ«العِلكة» إلى المغرب، كانت في حالة لا تسمح لها لا بدخول المفوضية ولا بالتعرف على قصة «المسكة»، التي كانت في البداية تمضغها بعصبية مصدرة «طرطقة» مزعجة بنفخها بين أسنانها، ثم قذفتها من فمها بعصبية أمام السياح وتقلب هاتفها بين يديها، وهي تلعن زوجها الذي تأخر كثيرا في إحضار سمكة من «المارشي»، لإعداد طعام الغذاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى