قصة الفتاة التي زُوجت بالشريف الريسوني وقتلت نفسها أمامه
نافذة: قال لها الشريف:
-خذي السكين..
امتدت أصابعها نحوه ببطء وواصل الشريف كلامه:
-لن تستطيعي إيذائي هدفك لم يكن صائبا حاولي مجددا ولا تستعجلي
بعد ذلك تراجعت إلى الخلف وبدأت تلعنه سامحها الله
يونس جنوحي
بدأ الحديث بيننا يخفت، كنت أفكر في الانسحاب من المكان عندما همست السيدة العجوز في أذني.
كان صعبا فهم كلامها، لكنها عندما ذكرت كلمة «لعنة»، بذلتُ جهدا كبيرا جدا لكي أتابع قصتها. وهذا ما استطعت فهمه وتجميعه:
«كان يقال إن سيدي الشريف لم يكن لديه أي إدراك أو معرفة بالحب. كانت لديه كل الأشياء الأخرى، لكنه لم يجرب الحب لأن من يمتلك قلب الشريف بين يديه يجدر به أن يُقتل.
هذه هي اللعنة، وصدقا إن سيدي لم يُحب بسهولة.
إنه طيب مع الجميع لأن قلبه كبير، غير أن النساء بالنسبة له مثل الأطفال، بالمكانة نفسها. يهتم بهم ويعاملهم جميعا بطيبة، إلا أنه مثل الأب بالنسبة لزوجاته، وليست إحداهن أفضل من الأخريات».
نظرت السيدة العجوز، التي كان جسدها الضامر يشبه بقايا بشرية، حولها بارتباك، لكن لا أحد كان يسمعنا، وواصلت كلامها:
«حدث هذا منذ زمن بعيد جدا، ولا واحدة من هؤلاء الجالسات هنا شهدت على وقوعه، لكني كنتُ مع والدة الشريف، ورأيتُ وشهدتُ على وقائع كثيرة. حدث مرة أن مولاي الشريف خاض حربا ضد واحدة من القبائل، قبل أن يُصبح معروفا بين الرجال، وهاجم منزل الشيخ ليلا وقتل اثنين من أبنائه. واستمرت الحرب فترة طويلة لهذا السبب، فقد كان هناك انتقام وثأر للدم. إلا أن سيدي، في الأخير، عقد الصلح مع رجال تلك القبيلة وقدم له الشيخ ابنته عروسا. قيل إن الفتاة لم تكن راضية ولم تُرد الزواج، فقد عانت قبيلتها من ضرر كبير، وكان أحد أخويها اللذين قُتلا وُلد معها في الوقت نفسه ومن الأم ذاتها، لكن الرجال كانوا قد تفاهموا وسووا الموضوع ولم يكن لديها أي خيار.
عندما تم إحضارها إلى منزل الريسوني، لم تأكل طعاما ولم تقبل حتى الماء، ولم تلامس شفتاها الخبز، ولم تُرد الاستماع للموسيقيين، أو المشاركة في أي من الاحتفالات. في الأخير ذهب إليها سيدي الشريف، وكنت أنا واحدة من الخادمات الواقفات قرب الباب.
نهضت الفتاة فجأة وكانت يدها خلف ظهرها. خاطبها الشريف بعبارات التبريك وباسم الله، وأجابت:
-لن تكون هناك أي مباركة منك لي لأننا عدوان. إن دم أخي بيني وبينك. دم أخي الذي لم يثأر له أي رجل. أنا لم ألمس أيا من هداياك لي، لكني أحضرتُ لك هدية.
أخرجت يدها من وراء ظهرها وكانت تحمل بها سكينا، ووجهت له ضربة بسرعة وخفة.
لكن مولاي الشريف لم يتحرك من مكانه وكانت البركة بجانبه.
انزلق السكين على قفل حزامه، ولم يصب بأي جرح. سقط السكين على الأرض بينهما، والمرة الأخرى التي كانت أمامي بدأت في الصراخ، لكن الشريف أمرنا بالتزام الصمت. التقط السكين من الأرض وقدمه لها. بقيت الفتاة واقفة ترتجف، ليس خوفا، وإنما كانت لا تزال تتملكها الرغبة في الانتقام. لم تكن مثل نسائنا.
قال لها الشريف:
-خذي السكين..
امتدت أصابعها نحوه ببطء. وواصل الشريف كلامه:
-لن تستطيعي إيذائي. هدفك لم يكن صائبا. حاولي مجددا ولا تستعجلي.
بعد ذلك تراجعت إلى الخلف وبدأت تلعنه -سامحها الله- وأخبرته أن البركة لن تجلب له أي صلح أو سلم، وكانت تدعو الله ألا يكون لديه أي وقت في حياته للحب ولا للراحة، وألا يهتم بأحد في حياته إلا بشخص واحد فقط، وأن يُقتل في شبابه.
وعندما ظننتُ أنها ستوجه طعنة لمولاي الشريف، وكنتُ خائفة جدا، وجهت السكين نحو صدرها وسقطت أرضا. نظر إليها سيدي ولم ينطق بكلمة.
المسكينة! ماتت صغيرة ولم تعش كثيرا، وكانت حياتها القصيرة قاسية.
حدث هذا قبل زمن طويل، وأعتقد أنه من الأفضل أن تُنسى مثل هذه الأحداث، لكن انظري الآن إلى الشريف كيف يرى ابنه سيدي محمد. إنه يريده أن يصير عالما عارفا بالكتب وجاهلا بالحروب. لكن الفتى يتوق للحصول على بندقية وحصان، سوف يكون بالتأكيد محاربا كبيرا عندما يكبر».