قصة العريف الذي أُرسل إلى فرنسا وأعيد جثة برصاصة في الرأس
يونس جنوحي
تم، إذن، التخلص من قاصدي مرباح وحتى من بعض الأسماء التي قد تشكل خطرا مستقبليا. الجنرالات حاولوا دائما عدم تكرار الأخطاء، لكنهم كانوا يسقطون دائما في كوارث تفضح طبيعة النظام الذي سيروا به الجزائر طيلة هذه المدة.
قضية «السمراوي» التي بدأها هشام عبود بسرد كيفية محاولات الجنرالات التخلص منه بحكم الملفات والأسرار التي اطلع عليها، اتخذت منحى آخر عندما تأكد لهم أنه «بسبعة أرواح»، وقرروا في النهاية إرساله إلى منصب دبلوماسي في ألمانيا لإبعاده قدر الإمكان عن ملفاتهم.
تصدير الخصوم
كانت تلك رياضة محبوبة عند الجنرال نزار ومن معه. وفعلا نجحوا فيها. منصب ملحق عسكري مُنح أكثر من مرة لأشخاص مُزعجين لم يفلح المخبرون في التخلص منهم. حتى أن هشام عبود وصفه هنا بـ«الشاهد المزعج» الذي أبى أن يدخل في صف الأعوان المُنفذين للتعليمات.
لو أن قاصدي مرباح، الذي تربع على أكثر المناصب حساسية لما يقرب من ثلاثين سنة، نجا من محاولة اغتياله على طريقة العصابات المنظمة، لربما عُين هو الآخر سفيرا للجزائر في الولايات المتحدة أو أي بلد متقدم يعكس أهميته في ترتيب سلم المسؤولية في البلاد..، لكن أجله كان أقصر من أن يمنحه القدر، أو الجنرالات على الأصح، تجربة مماثلة.
كان هناك مسؤول آخر تورط في شبكة الشخصيات التي دبرت الخطط وربطت علاقات مع التنظيمات الإرهابية التي أراقت دماء آلاف الجزائريين. إنه العريف فوغال عز الدين. فهذا الأخير أصبحت حياته مهددة بحكم أنه اطلع على أسرار مهمة بخصوص تورط الجنرالات في دعم الإرهاب الذي شنوا ضده حملة في الإعلام، لكنه في الخفاء كان من صنيعتهم واستعملوه فزاعة لمقايضة أموال الجزائريين بأمنهم. وكانت فعلا تجارة رابحة.. جدا.
يقول عنه هشام عبود: «العريف فوغال عز الدين لم يكن ليخرج عن خطة إسماعيل. تغلغل بقوة في مخطط مكافحة الإرهاب، وعرف أسرارا كثيرة، وأصبح مُزعجا. تم إرساله للتكوين في فرنسا في بداية سنة 2000. وعاد إلى الجزائر في تابوت. قُتل برصاصة في الرأس. لا أحد سمع عنه في ما بعدُ. ولم تكتب عنه الجرائد في عناوينها الرئيسية».
يقول عبود، مضيفا، إن الجنرالات كانوا يرون أن أسهل حل لكل مشاكلهم الأمنية والمخابراتية يتمثل في التخلص المباشر والفوري من كل شخص عرف معلومات قد تشكل خطرا عليهم في المستقبل.
لقد صنع الجنرالات مقبرة كبيرة جدا من الموظفين الأمنيين، ولائحة طويلة من «الملحقين العسكريين» الذين أرسلوا إلى سفارات لكي يتجمدوا في برد وصقيع أوربا، بدون أي مهام دبلوماسية واضحة.
بلد مهجور
تحولت الجزائر مع اقتراب 1998 و1999 إلى ما يشبه بلدا مهجورا. تعبير مجازي لتلخيص صورة الجزائر من الأعلى بالنظر إلى عدد الكفاءات الأمنية والعسكرية التي تم التخلص منها مقابل الإبقاء على العناصر «المُطيعة» التي تم تدجينها لتصبح النواة الأولى لجيل الانتهازيين الجدد الذين يسيرون اليوم جيش الجزائر ويتحكمون في القصر الرئاسي.
يقول هشام عبود إن المحامي الجزائري يوسف فتح الله، الذي ترأس التمثيلية الجزائرية لحقوق الإنسان، وكان أيضا عضوا في اللجنة التي عُهد إليها بالتحقيق في اغتيال الرئيس بوضياف، تم التخلص منه بإنهاكه بالكثير من المهام. وفي النهاية كانت تُقدم إليه تقارير جاهزة بشأن الأحداث التي كان عضوا في لجنة التحقيق فيها، وكان يرفض التوقيع.
إذ إن تلك التقارير كانت تخدم الجنرالات ولا تخدم لا من قريب ولا من بعيد حقوق الإنسان.
حقوق الضحايا كانت في كف عفريت، ولو أن الجنرالات في بعض الحالات أغدقوا على أرامل وأبناء ضحاياهم، ومنحوهم إكراميات وامتيازات وحتى بعض المناصب الاعتبارية في السلك الدبلوماسي أو الوظيفة العمومية، لشراء صمتهم أطول فترة ممكنة.