شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

قصة الطيار الذي تعب من قصف المدنيين وفجر قاعدة عسكرية واختفى

يونس جنوحي

لم تعد التهمة التي وجهها هشام عبود للجنرالات الجزائريين، عندما أصدر هذه المذكرات قبل قرابة عقدين من الزمن، تقتصر فقط على الترهيب وتجارة السلاح، بل تعدتهما إلى كشف ملابسات علاقتهم بتجارة المخدرات أيضا. إذ إن بعض العسكريين من أصدقائه اعترفوا له بأن بعض القوات كانت تلجأ إلى التعاطي للمخدرات القوية قبل تنفيذ بعض المهمات القذرة من قبيل قتل المواطنين الأبرياء في الشوارع، أو وضع القنابل في بعض الأماكن العمومية لنسب العملية لاحقا للجماعات المتطرفة.

فساد الجنرالات على عهد خالد نزار وحمروش والآخرين، فاق كل التوقعات، إلى درجة أن الجنرال بتشين، عندما أبعد، كان يفكر في فضح كل شيء، لولا أن الأقدار كانت تُخبئ له محطة أخرى مع بوتفليقة، حيث تم طي صفحة الاغتيالات والتصفيات الجسدية والاختطاف، ليعلن الجنرالات وقتها انتصارهم على الإرهاب.

 

في البر والبحر

لم يكن موضوع الفساد يقتصر فقط على قوات الجيش والشرطة الجزائرية فوق الأرض، بل وصلت تداعياته إلى صفوف أعضاء البحرية الجزائرية أيضا. يقول هشام عبود: «في سنة 1994، وضع كومندان في البحرية قنبلة في مراحيض وزارة الدفاع. من سيكونون ضحايا تلك القنبلة لو أنها انفجرت؟ بالتأكيد لن يكون بينهم أحد من الجنرالات».

قد تبدو هذه العملية خطة مخابراتية لتوريط الإسلاميين، لكن بعض الوقائع الأخرى المشابهة تجعل حسم الموضوع صعبا. إذ إن عسكريا آخر حاول القيام بالأمر نفسه، وبدا واضحا أن الهدف كان تدمير الرموز العسكرية، وأن بعض الجنود كانوا ساخطين تماما على المؤسسة والوزارة التي ينتمون إليها، وأرادوا الانتقام.

وهنا قصة أخرى مشابهة ينقلها لنا هشام عبود:

«تمرد الكابيتان الزّماني أيضا، وهو قبطان مروحية ضحى بمساره المهني الحافل بالإنجازات. في يوم الخامس من يوليوز 1993، الذي يصادف الاحتفال بعيد الاستقلال، أقلع مع تمام الساعة السادسة صباحا وقام بقصف مركز القيادة في قاعدة عين عرناط العسكرية. وفي الأخير أطلق ستين قذيفة مودعا رفاقه.

وبعد ستة أيام وُجدت المروحية في مزرعة نواحي سكيكدة. لكنهم لم يجدوا له أي أثر.

كان سيحصل على رتبة كوماندان في شهر نونبر، ويذهب إلى التدريب في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر دجنبر. لم تكن لديه أي علاقة أبدا بالمتورطين مع الإرهابيين.

لكن، حسب أقوال رفاقه في القاعدة الجوية، فإنه لم يعد قادرا أبدا على القيام بعمليات تفجير الأحياء السكنية التي تعج بالمواطنين الأبرياء. وسبق له أن رفض الأمر في نواحي منطقة البليدة. وفي يوم الخامس من يوليوز كان عليه أيضا أن يشارك في قصف نواحي منطقة جيجل شرق الجزائر».

الخيوط، إذن، واضحة. هذا الطيار الذي تعب نفسيا من عمليات قصف الأحياء التي تعج بالمدنيين الأبرياء، قرر أن يفجر مقر القاعدة العسكرية ويختفي تماما.

طيار آخر، اسمه الليوتنان مسعود، كان متعقلا أكثر. إذ إنه لم يفكر أبدا في قصف منشأة عسكرية انتقاما من المؤسسة التي ينتمي إليها، بل فضل الانسحاب بهدوء، ولجأ إلى طريقة أكثر ذكاء وحكمة. إذ عندما حلق بمروحيته الحاملة للقذائف لكي يقصف بها منطقة سكنية حسب الأوامر التي لديه، قرر ألا يفجر أي مكان، وأن يحلق بالمروحية العسكرية التي يطير بها، ويأخذ اتجاها آخر، حيث استغل جهاز الراديو لديه وتواصل مع الإسبان وطلب اللجوء السياسي لديهم. وهكذا بدل أن يصبح مطلوبا وينال عقوبة في حال اعتقاله سوف تصل بكل تأكيد إلى عقوبة الإعدام، فضل الانسحاب بهدوء وأن يحط فوق التراب الإسباني ويصبح لاجئا سياسيا هناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى