قصة السلاح النووي (1- 2)
بقلم: خالص جلبي
في يوم 16 أكتوبر الماضي، تم الإعلان عن موت العالم النووي الباكستاني عبد القادر خان، وهناك من الفيديوهات ما تبجحت من «القنبلة الإسلامية»، ونحن نعلم أن القنابل لا دين بها وهي على دين إبليس. لذا أردت في هذه الأبحاث تنوير العقل العربي بقصة أعتى سلاح تفتقت عن أدمغة ذرية الشيطان، أعني السلاح النووي، الذي يهدد الجنس البشري ويمكن أن ينهي الحضارة ـ مع سلاح الصواريخ العابرة للقارات ـ في ثلث ساعة!
ليس أجمل من الاطلاع على كتاب «القصة السرية للأسلحة النوويةU.S.Nuclear Weapons –The Secret History»، لمؤلفه «شاك هانسن Chuck Hansen»، الذي دلف إلى المستودعات السرية فروى الحكاية. وهو يذكر بما حدث من فتح أقبية الفاتيكان لـ4500 ملف سري من أيام محاكم التفتيش لصائدي الأرشيفات ومتتبعي الآثار والأخبار. وسيأتي ذلك اليوم الذي نعرف فيه أسرار اغتيال كينيدي، والملف السري لأحداث شتنبر واحتلال العراق.
وتبدأ قصة «السلاح النووي» من لغز استعار الشمس، فمع أننا نراها منذ آلاف السنين، ولكن لم يطرح أحد السؤال ما الذي يبقي الشمس سراجا وهاجا؟ واستطاع كل من «هانس بيته» و«كارل فون فايتسكر» فهم المعضلة، وأن الوقود المستخدم في الشمس غير تقليدي، ومهما تكن كتلة الشمس كبيرة فهي سوف تتلاشى خلال 300 سنة، لو كانت من الفحم. وبانطفاء هذا الموقد يلف الأرض ظلام سرمدي بارد.
والذي فتح الطريق لفهم «الوقود النووي» هم كوكبة من العلماء الرواد أمثال «فيرنر هايزنبرغ» و«بول ديراك» و«ماكس بلانك» و«ماري كوري»، الذين حددوا المكونات الأولى للوجود المادي من الذرات والجزيئات دون الذرية، وظاهرة تحلل الذرات، وإطلاق مثلث من الأشعة الخفية. واستطاع «جيمس شادويك» عام 1932م أن يكشف عن النيترون، وتوصل «إرنست رذرفورد» البريطاني بلوحة من ذهب إلى تحديد قلب النواة، البروتون الموجب، عام 1911م. ورسم «نيلز بور» برشاقة بناء الذرة الهندسي مثل النظام الشمسي وكيف تدور الإلكترونات في مدارات لا تزيد على ثمان، تتراقص بينها فتطلق الطاقة والضوء. بل جاء «سومرفيلد» عام 1947 م فحدد دوران الإلكترونات مثل دوران الكواكب حول الشمس على شكل إهليلجي.
وبقي العلماء تحت تأثير مسلمات الفلسفة اليونانية القديمة، أن الذرة غير قابلة للانشطار ولذا سموها
«آتوم Atom»، أي الجزيء غير القابل للتجزئة، ولكن هذه المسلمة انكسرت على طاولة «أوتو هانOtto Hahn»، وخرج الجني من مصباح علاء الدين.
ومع انشطار الذرة تحررت طاقة لم يحلم بها سليمان في كل مجده. وحسب معادلة «أينشتاين»، فإن تحول الطاقة إلى مادة يعطي تسعين مليار مرة منها، أي ضعف سرعة الضوء. ومنه يمكن للبشر أن يطلقوا البراكين والزلازل من كتلة معدنية لا تزيد على علبة سردين.
وكان هذا المدخل إلى الطاقة النووية، ومنه اشتق السلاح النووي الانشطاري «Fission». وهي القنابل التي تم تطويرها في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن اكتشف الإيطالي «إنريكو فيرمي» المفاعل النووي عام 1942م، وتم تركيبه تحت ملعب رياضي في شيكاغو.
وتم تصنيع القنبلة النووية بطريقتين، فإما استخلاص اليورانيوم 235 من اليورانيوم 238، أو تركيب البلوتونيوم 239. فأما اليورانيوم 235 فهو موجود بشكل طبيعي، بمعدل 7 ذرات في كل ألف ذرة من مادة اليورانيوم الخام 238. وأما البلوتونيوم 239، فهو يستخرج من المفاعل النووي من خلال التلاعب بالتكوين الذري لليورانيوم، الذي تضم نواته 92 بروتونا و146 نيترونا، بحيث يتولد عنصر جديد مختلف بوزن ذري 239، يحمل اسم الكوكب التاسع بلوتو. وكلا النموذجين 235 و239 قابلان للانشطار.
والسلاح الذي جرب في «ألامو غوردو» للتأكد من عمله، كان القنبلة التركيبية من مادة البلوتونيوم 239 بتقنية الضغط الخارجي الموحد المنظم، الذي وصل إليه العالم الأوكراني «كيستياكوفسكي»، بعد 20 ألف تجربة، وهو المعروف بالالتحام «Impolsion»، وهي التي ألقيت على ناغازاكي «ويقال إن قنبلتين ألقيتا عليها، فلم تنفجر إلا واحدة». وأما التي ألقيت بدون تجريب بتقنية «المِدْحَم» للوصول إلى الكتلة الحرجة «Critical Mass»، فكانت قنبلة اليورانيوم المكثف 235.
وحسب الدراسة التي أجريت بعد تفجير القنبلتين، فقد تبين أنه لم ينفجر إلا قدر بسيط من المادة قدر بحوالي 16 في المائة، مما جعلهم يتداخلون لرفع الطاقة التفجيرية بجرعة «بوستر Booster»، مثل اللقاحات في البيولوجيا بإضافة جرعة من مادة الثوريوم المشعة 232، فارتفعت الطاقة التفجيرية من 18 كيلوطنا إلى أكثر من مائة، بل وصلت في بعض الأحيان إلى نصف ميغاطن، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بخمس وعشرين ضعفا. ولكن كل هذا لم يكن سوى بداية رحلة الجنون.
وتعتبر نقطة التحول التاريخية في امتلاك «القوة»، هي الساعة الخامسة والنصف من صباح 16 يوليوز من عام 1945م. ومما حدث في ذلك الصباح ثلاث وقائع تروي هذا التحول الأسطوري، فأما سائق القطار «إيدلين» الذي كان يمشي بحذاء نهر «ريو غراندي» من مدينة «ألبوكيركي» باتجاه مدينة «إلباسو»، فقد لاحظ توهجا ظن معه أن الشمس سطعت قبل الأوان. وأما أهالي كاريثوثو على بعد 65 كيلومترا من مكان الانفجار فقد خيل لهم أن الأرض زلزلت زلزالها وأن ماردا يعبث ببيوتهم. وأما الزوجان «ويسلمان» القادمان على الطريق الاتحادي 70 من سافورد في أريزونا، فقد لاحظا على بعد 250 كيلومترا من مكان التجربة أن رؤوس الجبال أضاءت بمشعل كوني بلون برتقالي عجيب، ثم تألقت كل المنطقة لمدة عدة ثوان بنور كوني، ثم حل الظلام من جديد. وعندما تناقل أهل المنطقة الخبر السماوي، روجت المؤسسة العسكرية المحلية عن خبر انفجار مخزن ضخم للأسلحة.
نافذة:
بقي العلماء تحت تأثير مسلمات الفلسفة اليونانية القديمة أن الذرة غير قابلة للانشطار ولذا سموها
«آتوم Atom» أي الجزيء غير القابل للتجزئة ولكن هذه المسلمة انكسرت