شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

قصة الحوار الصحفي الذي انقلب فيه محمد الخامس على فرنسا

يونس جنوحي:

أغلب الفرنسيين اعتقدوا أن نشر خبر «قصف مدينة فاس» كان مُخططا له وعن قصد.

بعض دول الشرق الأوسط كانت تتوقع أن فرنسا ستعزل السلطان وتُنحيه عن العرش، ما منح هذه الدول ذريعة لتتحرك في اتجاه نشر خبر مُماثل.

فإذا كان الأمر صحيحا سيخيب أملهم، لأنه، في حال وقوع ارتباك، فإن مصير السلطان هو الاستسلام.

أقال السلطان أعضاء ديوانه المحسوبين على الإمبريالية وأصدر بلاغا أدان فيه الشيوعية وتبرأ منها. أشاد بالفرنسيين وأوصى بسياسة التعامل بـ«لطف» معهم، وأدان أساليب ما أسماها «بعض الأطراف» التي تسببت في عرقلة التقدم وتقسيم الشعب المغربي. وكان هذا أقصى ما ذهب إليه السلطان في استنكاره لسياسة حزب الاستقلال، حيث قال إنه، باعتباره سلطانا للمغرب، فإنه فوق كل الأحزاب السياسية. ومن ثم، فإنه لن يُثير اسم أي حزب منها. والواضح أن الشيوعيين كانوا الاستثناء الوحيد عن هذه القاعدة.

إلا أنه بعد بضعة أسابيع، منح السلطان حوارا لصحيفة مصرية، وهو ما أدى إلى بروز تعديل كبير في سمات «الانتصار» الفرنسي. وأعلن في الحوار أنه وقع على الإعلان بسبب التهديدات الفرنسية والتخوف من وقوع فتنة داخلية في البلاد. (لقد أيد السلطان أيضا فكرة أن رجال القبائل تم تضليلهم، واعتبر أنهم لم يكونوا يعرفون السبب الحقيقي وراء جمعهم للاحتجاج). ونظرا لهذه الاعتبارات أحس بأنه «مُجبر على التوقيع».

مباشرة بعد الحوار عاد السلطان إلى مكانه، باعتباره الراعي الرسمي لحزب الاستقلال، إذ إن التوقيع، الذي فُرض عليه بالقوة، لم تكن له أي قيمة أخلاقية. كما أمكنه استغلال الضغط ضده لأغراض دعائية لصالحه. لقد بدا واضحا أن الأزمة بين فرنسا والمغرب لم تُحل، بل أجلت فقط.

مضت الشهور وبدا أن حزب الاستقلال يميل إلى ممارسة سياسة الحزب الرافض للتعاون، رغم أن هذه السياسة حققت نتائج محدودة فقط.

على سبيل المثال، خلال الانتخابات الجديدة لانتخاب المجلس الاستشاري في دجنبر 1951، أمر حزب الاستقلال أتباعه بمقاطعة كاملة. ورغم الجهود المكثفة التي بُذلت في مدينة فاس، أكثر مراكز حزب الاستقلال قوة، فإن 41 بالمئة من المُصوتين شاركوا في عملية الانتخاب.

وفي الدار البيضاء أدت محاولات التدخل العنيفة إلى حدوث أعمال شغب، قُتل خلالها خمسة أشخاص.

لكن في يوم 30 مارس 1952، حلت الذكرى الأربعون لمعاهدة فاس التي أسست للحماية. كان قادة حزب الاستقلال أذكياء كفاية ليُدركوا أن الوقت حان لإظهار قوتهم. الفرنسيون كانوا دائما يُصورون تحركاتهم على أنها سياسة مجموعة صغيرة من المسؤولين المثاليين، المتمتعين ببُعد النظر. وهكذا أعلن الوطنيون الثلاثين من شهر مارس يوم حداد وطني. كان على جميع المحلات التجارية أن تُغلق.

مرة أخرى سمعتُ الكثير من الروايات المتضاربة حول نجاح هذه العملية من عدمه. علمتُ، من مصدر داخل حزب الاستقلال، أن الحزب عمل على قرار «إضراب عام» خلال ذلك اليوم، بينما نفى قادة آخرون من حزب الاستقلال ذلك، لأنهم لم يستدعوا العمال في المصانع، بحكم أن الحزب لم يكن قادرا على تحمل تعويض عن أجرتهم اليومية. لكن، بحسب الفرنسيين، فإن حزب الاستقلال لم يستدع عمال المصانع لأنهم لم يكونوا ليوافقوا على خوض الإضراب.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى