قصة الجنرال «الطاغية» بن بوعلية الذي انتهى مسجونا وصودرت أملاكه
يونس جنوحي
هل يمكن لمسؤول كبير أن يصمد في وجه جنرال في الجزائر؟ لا يمكن.
هذا ما وقع بالضبط لمدير ميناء سكيكدة.
لا يتعلق الأمر بابتزاز أو تمرد، وإنما بإصرار مدير الميناء على أن يؤدي الجنرال بن بوعلية الرسوم السنوية.
في نظر الجنرالات، دعوة من هذا النوع تعتبر إهانة لهم. وقد يصل الانتقام حد التصفية الجسدية. لكن يبدو أن مدير الميناء كان محظوظا لأنهم اكتفوا بإقالته وحسب.
إلى هذا الحد كان صدر الجنرال ضيقا، ولم يقبل أن تُفرض عليه رسوم مثل بقية المستثمرين الذين يستعملون خدمات الميناء.
يقول هشام عبود: «مدير شركة طباعة الشرق، الأزهر مراد، وجد نفسه بين يوم وليلة يعاني من البطالة فقط لأنه بلّغ الجنرال بن بوعلية بضرورة أداء ما في ذمته للمطبعة التي تُصدر صحيفته.
والي مدينة قسنطينة، إبراهيم جفال، تم إرساله إلى منزله، فقط لأنه استقبل مقاولا منافسا للجنرال بن بوعلية».
هذا الجنرال الذي بلغ كل هذا «البأس» وليس القوة فقط، كان يستمد قوته من صداقته المتينة مع الجنرالات رؤوس الحربة. لكن، بالمقابل، دفع ثمن جبروته، لأن مصيره كان مفاجئا.
صدمة الجنرال
حتى الجنرالات يتعرضون لمفاجآت. وبن بوعلية أحد هؤلاء الذين مروا بفترة مجد غير مسبوق، فقد بلغت قوته أنه استطاع إقالة أرفع المسؤولين على رأس مؤسسات عمومية تتعامل بملايين الدينارات الجزائرية سنويا، بمكالمة هاتفية واحدة. بل إنه لم يكن يحتاج حتى إلى قرار إداري لكي تنفذ طلباته التي قضت بعقاب مسؤولين فقط لأنهم طالبوه بأداء ما في ذمته للمؤسسات العمومية التي يُسيرونها.
رجل بكل هذه القوة كان يتعين عليه أن يكون مُحتاطا، وهو ما لم يقم به الجنرال بن بوعلية.
يقول هشام عبود إن هذا الجنرال حُكم عليه بثلاث سنوات سجنا. ليس هذا فحسب، بل إنه وجد أن كل ممتلكاته صودرت خلال الفترة التي كان فيها مسجونا.
لم يكن قرار إحالة هذا الجنرال على السجن يحتاج إلى إجراءات معقدة. بل تم بالطريقة نفسها التي كان يقيل بها هذا الجنرال المسؤولين الذين طالبوه بتسديد رسوم الميناء وواجبات طباعة جريدته. قرار سجنه كُتب على ورقة عادية في مكتب محمد قدور. هذا الأخير كان ينفذ تعليمات الجنرال بتشين بكل بساطة.
كان بن بوعلية يمتلك جريدة تشاركه فيها زوجة الجنرال، وعندما أرسل إلى السجن لم تعد تلك الجريدة إلى الصدور ولم يظهر لها أي أثر في السوق لاحقا. بل إن الأموال التي بقيت لديه، صودرت هي الأخرى شأنها شأن ممتلكاته الأخرى، حيث بررت المحكمة التي أصدرت العقوبة في حقه، بأن الأموال المصادرة سوف تُوجه إلى تعويض شريكته في الأعمال، عائشة بتشين، زوجة الجنرال بتشين طبعا، بحكم أنها مساهمة معه في عدد من المشاريع، وحُكم مصادرة أملاكه سوف يضر بمصالحها الاقتصادية والتجارية.
كانت مسرحية مُتقنة، الغرض منها ليس تأديب الجنرال بن بوعلية وحسب، وإنما أيضا تأديب الجنرالات الآخرين الذين كانوا يسيرون على نهجه ويتخذونه قدوة لهم. في جزائر التسعينيات، لم تكن هناك مرتبة أرقى من أن تُشارك الجنرال بتشين في الأعمال التجارية. لكن الذين كانوا يطمحون إلى تلك المنزلة، لم يلمحوا الحافة الحادة التي كانت تنتظرهم في آخر المرتفع.
هوى الجنرال بن بوعلية لأنه لم يضع سقفا لأحلامه التجارية، والذين أدانوه بالفساد، كانوا في الحقيقة يمارسون الفساد أكثر منه. فأحد الذين ساهموا في إدانته، كان معروفا بأنه زور مشروعا كاملا لإنشاء الطرق في نواحي مدينة قسنطينة، ورغم أن الأمر كان في علم الجزائريين جميعا ولم يكن سرا، إلا أن ذلك المسؤول المقرب من الجنرال بتشين ظل طليقا، ولم يُحاسب أحد من المسؤولين عن تلك السرقات.