شوف تشوف

الرأي

قصة أقدم لوحة في المعرض

يونس جنوحي
الوباء ينهزم أمام الثقافة. إذ أن القلق الذي عرفه انتظار افتتاح فيلا هاريس طيلة الأسابيع الماضية بمدينة طنجة، وبداية أنشطتها وعرض لوحاتها مع الدخول الثقافي، أوشك ربما على الانتهاء، بافتتاح معرض الرباط في وجه الزوار يوم الاثنين الماضي، تكريما للفنان المغربي الجيلالي الغرباوي.
فتح فيلا هاريس بطنجة، كما تابع أخبارها المهتمون و«مجانين اللوحات النادرة»، بعدما أوشكوا على فقد الأمل في دخولها بسبب أخبار الوباء، بات مسألة وقت فقط.
فيلا هاريس، التي أصبحت الآن أحد أكبر المتاحف في المغرب، كانت تستعد لاستقبال الزوار منذ يوليوز وغشت الماضيين، حيث أعلمت إدارة المتحف مجموعة من مُقتني اللوحات النادرة لكي يستعدوا لعرض لوحاتهم حتى يتسنى للمهتمين رؤية ما لديهم. والحقيقة أن بعض جامعي التحف واللوحات المغاربة لديهم أعمال فنية أصلية لا تقدر بثمن وقيمتها الفنية والتاريخية لا يُمكن أن تُكيل بالمال.
أحد هؤلاء الشغوفين الطنجويين هو الشاب عمر الصالحي، الذي يتوفر على محل لبيع اللوحات الأصلية، وهو من بين الذين قدموا لوحاتهم على سبيل الإعارة للمتحف لمدة لن تقل عن سنتين، حتى يتسنى لسكان طنجة وبقية المهتمين رؤية لوحات فنية تؤرخ للحياة في المدينة.
يتوفر هذا الرجل على لوحة نادرة جدا، تعتبر اليوم من أكثر اللوحات الفنية قدما في المغرب، إذ تعود إلى ما بين سنوات 1860 و1880. رسمها الفنان الإسباني «نوفورتشو ماريا» لسيدة يهودية. وهي عبارة عن بورتريه احترافي يبدو وكأنه رُسم البارحة.
ربما أكون محظوظا لأني حظيت بفرصة رؤية اللوحة عن قرب في محل عمر الصالحي، قبل أن تُشحن إلى المعرض منتصف غشت الماضي ويبرمج عرضها للعموم قريبا. أما كيف وصلت إليه هو فتلك قصة أخرى.
يحكي الصالحي أن أحد سماسرة الأثاث المستعمل جاء إليه ليخبره أن أسرة يهودية مغربية من أقدم سكان المدينة القديمة في طنجة ترغب في بيع منزلها وأثاثه، وعندما رأى لوحات فنية بين المقتنيات سارع لإخبار عمر الصالحي الذي يقضي سنوات أحيانا في مطاردة لوحة ما واقتنائها من عند مُلاكها الأصليين وضمها إلى مجموعته النادرة جدا.
تم الاتفاق مع الأسرة وحصل أخيرا على اللوحة. حدث هذا قبل حوالي عشر سنوات، وبقيت اللوحة في أرشيفه الخاص إلى أن حقق فيها رسام إسباني معروف وتأكد فعلا أن اللوحة أصلية خصوصا وأن بورتريه السيدة اليهودية يحمل توقيعا أصليا للفنان الإسباني الشهير، الذي كان بدوره من ضيوف طنجة المخلصين حيث قضى بها فترات متقطعة، لكن طويلة، من حياته الفنية.
هناك باعة للتحف في مدينة طنجة يعرضون محتويات فنية جاؤوا بها من منازل آيلة للسقوط. جولة واحدة في طنجة المحاذية للقصبة، تجعلك تتأكد فعلا أن المدينة تُجدد جلدها، وتتخلى عن أظافرها المكسورة في انتظار أن تلد أخرى. وبينما يظهر ركام المنازل التي شيدها أصحابها قبل قرنين لرؤية البحر المتوسط من غرفة النوم، تكون الأسقف قد سقطت لتسمح للفضوليين برؤية محتويات تلك الغرف. ولحسن الحظ يتمكن المهتمون بالعقار من إخلاء تلك البيوت قبل أن تسقط بإشراف أصحابها الأصليين الذين يتولون بيع محتوياتها، ومنهم من يتجه صوب المحكمة لبدء رحلة اقتسام مطبخ وغرفة تطل على السطح مع خمسة إخوة، قد تستمر لسنوات.
في انتظار أن يتاح للعموم رؤية تلك اللوحات، لا بد وأن الخبر في حد ذاته احتفال، وأكبر ربح من القصة كلها أن فيلا هاريس التاريخية أنقذت من الضياع.
الفيلا كانت هدية من المولى عبد العزيز سنة 1900 إلى الصحافي البريطاني هاريس عربونا على الصداقة التي جمعته بالقصر، وبدل أن ترمى فيها اليوم علب السردين الفارغة، أصبحت متحفا لعرض تاريخ طنجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى