شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

قصة أقدم خط بحري بين المغرب وأمريكا

أسس سنة 1786 وخاض أجدادنا لأجله مغامرات دبلوماسية

«ما وقع أن المغرب احتجز يوم 16 أكتوبر 1784، سفينة أمريكية اسمها «بيتسي»، في شواطئ طنجة، أثناء توقفها في مضيق الأطلسي قبل مواصلة رحلتها إلى أمريكا. لكنها لبثت في مكانها بعد أن احتجزها المغاربة، ومنعوا طاقمها من المغادرة إلى أن تكون هناك اتفاقية رسمية بين البلدين.

وهكذا بعد عامين، وقع البلدان اتفاقية لإحداث خط بحري مباشر يربط المغرب بواشنطن.

وقبل الواقعتين عاش الدبلوماسيون المغاربة مغامرات كثيرة لا تقل عنها غرابة مغامرات المستكشفين، أثناء قطع المحيط الأطلسي وصولا إلى أمريكا».

يونس جنوحي

 

أطول معاهدة في تاريخ العالم تربط بين المغرب وأمريكا

المعلومات التقليدية تقول إن العلاقات المغربية الأمريكية بدأت في العشرين من دجنبر 1777، لكي تتحسن رسميا بعد عشر سنوات بإبرام اتفاقية سياسية سنة 1787، اعترف المغرب بموجبها بسيادة الولايات المتحدة على أراضيها.

لكن معلومات قد تفاجئ الكثيرين، تفيد بأن أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ما زالت سارية المفعول إلى اليوم وقعت مع المغرب سنة 1836، وهي الآن تقترب من ثلاثة قرون على توقيعها. والحقيقة أن هذه المعاهدة كانت في مضامينها تعديلا للمعاهدة الودية الأولى، التي أبرمت في سياق الإعلان عن استقلال البلاد. وهو ما يعني أن أقدم وأطول معاهدة في تاريخ أمريكا تربطها مع المغرب، وليس مع أي بلد آخر.

وطبعا، لا حاجة للإشارة إلى أن أول بناية دبلوماسية امتلكتها الولايات المتحدة خارج ترابها لكي تصبح مفوضية لها تقع في المغرب، وتوجد في طنجة وما زالت تفتح أبوابها إلى اليوم وتعتبر أقدم بناية دبلوماسية أمريكية.

هذا كله لم يكن ليتحقق، لولا «المغامرات» السياسية والدبلوماسية التي عرفها المغرب منذ عهد الدولة السعدية.

سوف نرى في هذا الملف كيف أن المغاربة السعديين تحالفوا مع الملكة إليزابيث الأولى في بريطانيا لاكتشاف القارة الأمريكية، وقطعوا الطريق على كل من إسبانيا والبرتغال، وهما الدولتان اللتان كانتا وراء أغلب الحملات الاستكشافية لما عرف وقتها بـ«العالم الجديد»، وسخرتا معا كل إمكانياتهما العسكرية والبحرية للوصول إلى أبعد نقطة في القارة الأمريكية.

لكن، وكما سوف نرى، نسي الجميع أن المغاربة أول من وصلوا إلى سواحل أمريكا الشمالية، وأول من رسم خريطة تقريبية لشواطئ الاستكشافات، واتضح أنها أول خريطة في العالم للقارة الأمريكية.

هذا الدور الذي لعبه المغرب في تاريخ العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن ليتم لولا تضحيات دبلوماسيين مغاربة.

باحثون أمثال عبد الهادي بوطالب، وعبد الهادي التازي، ودكاترة مغاربة آخرون في التاريخ، كانوا وراء التدقيق والتحقيق لعدد مهم من رسائل المخزنيين المغاربة منذ أيام الدولة السعدية، ثم المولى إسماعيل.

هؤلاء الباحثون خلصوا إلى أدلة تاريخية قطعية لا يصل إليها الشك، تفيد بأن المبعوثين المغاربة إلى فرنسا وبريطانيا وإسبانيا كانوا مهتمين بنقل أخبار المجهودات السرية التي كانت تبذلها هذه الدول للوصول إلى القارة الأمريكية واحتلال أراضي أمريكا الجنوبية. في حين أن بريطانيا كانت تسيطر عليها هواجس اكتشاف أطراف أمريكا وبعث مواطنيها للاستقرار هناك، وتكوين النواة الأولى لسكان الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا.

المثير أن المغرب، رغم وصول بعثات كثيرة إلى القارة الأمريكية منذ اكتشافها، ظل يحتفظ بموقف ثابت، ولا يخفي كما يظهر لنا من خلال المراسلات، رغبة الأسطول المغربي في الوصول إلى هناك.

 

 

الاتفاق المنسي الذي حجز المغرب بسببه سفينة أمريكية لعامين

في عهد السلطان محمد الثالث عرف المغرب باهتمامه الكبير بتطوير الأسطول البحري المغربي، حتى أن الإسبان والبرتغاليين انزعجوا من الترتيبات والأشغال التي عرفتها الموانئ المغربية في إنشاء وبناء السفن، واقتناء أخرى من دول مثل بريطانيا.

بناء الأسطول المغربي تشكل برعاية هذا السلطان المغربي، الذي استقدم من كانوا يُعرفون في التاريخ بـ«القراصنة» وجعلهم بحارة نظاميين، لكي يحل مشكلة الجهاد البحري الذي رأت فيه الولايات المتحدة ودول أوروبا تهديدا لسفنها التجارية وقرصنة تعرض اقتصادها للخطر. هؤلاء البحارة المغاربة صاروا نظاميين في الأسطول المغربي، وكانت خبرتهم في الملاحة البحرية تنافس مهارة الربابنة الأوروبيين.

في يوم 31 يوليوز 1786، قرر السلطان المغربي إنشاء خط بحري لربط المغرب بحرا بأمريكا.

هذا الخط أنشئ أربعين يوما فقط بعد توقيع معاهدة مغربية أمريكية، وهو ما يكشف أن المغرب كان في الحقيقة يمتلك سلطة المبادرة، بعكس ما تروج له بعض الدراسات الأجنبية من أن المغرب فُرض عليه توقيع المعاهدة مع الأمريكيين.

ما يؤكد هذا الأمر أن سلطان المغرب أصدر أوامره يوم 16 أكتوبر 1784، باحتجاز سفينة أمريكية كانت تحمل اسمه «بيتسي»، إلى أن توقع الولايات المتحدة اتفاقية مع المغرب.

وما زالت وثائق هذه الأزمة البحرية متوفرة في المتحف الرسمي الأمريكي للمراسلات الأجنبية، وفيها نص لرسالة وقعها قنصل فرنسي، اسمه إيتيان دو ديبير كاي، تعود إلى سنة 1779، يشرح فيها كيف أن سلطان المغرب ضغط عليه، وأن لدى المغرب طموح كبير للسيطرة على المعابر البحرية التي تقع قرب السواحل المغربية.

يقول المؤرخ عبد الهادي التازي بهذا الخصوص: «وقفتُ في الأرشيف الوطني بواشنطن على ملف ضخم من الوثائق التي تتعلق بنشاط هذا الوكيل مع مختلف الدول، وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما وقفتُ في تأريخ هوست لسيدي محمد بن عبد الله على أن الراية التي كان يرفعها هذا الدبلوماسي على مكتبه كانت بيضاء وفي وسطها نسر، فهل معنى هذا أن شعار الخارجية المغربية كان على ذلك المنوال؟».

ما بين احتجاز السفينة الأمريكية إلى أن توقع أمريكا اتفاقا مع المغرب، وإطلاق الخط البحري الرابط بين البلدين، وهي مدة عامين تقريبا، مسار طويل من الشد والجذب، ولحظات التقارب بين البلدين لإذابة الجليد، والتغلب على شساعة المحيط الأطلسي، في زمن كان فيه الإبحار غربا محفوفا بالمخاطر.

 

 

المنصور اتفق مع بريطانيا للنزول في أمريكا سنة 1601

«أمامنا طائفة من المراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين المغرب وإنجلترا عام 1601 ميلادي (الموافق لـ1008 بالتقويم الهجري) تتحدث عن إبرام حلف ثنائي بين السلطان أحمد المنصور وبين الملكة إليزابيث الأولى للنزول في أمريكا..

وفي مذكراته عن زيارته إلى البلاد المنخفضة سنتي 1612 و1613، لم يفت الجَجَري المعروف بأفوقاي، أن يسمي القارة الأمريكية بالدنيا الجديدة ويذكر سكانها الهنود وديانتهم، قبل أن يصلها الأوروبيون».

الكلام هنا للمؤرخ المغربي الشهير، د. عبد الهادي التازي، في الجزء التاسع من مؤلفه: «التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم»،

هذا المرجع يؤكد أن المغرب اهتم بالقارة الأمريكية، قبل تأسيس دولة الولايات المتحدة، ويعود هذا الاهتمام إلى فترة حكم السعديين للمغرب.

التازي كان محظوظا، لأنه وصل إلى أرشيف وثائق المراسلات البريطانية والمغربية القديمة عندما كان يمزج بين قبعته الدبلوماسية باعتباره سفيرا للمغرب، وقبعته العلمية باعتباره مؤرخا للمملكة وعضوا في أكاديمية الملك ودكتورا محاضرا في الجامعات، داخل المغرب وخارجه. وهكذا أتيح للدكتور التازي أن يحظى بشرف «معانقة» وثائق دبلوماسية كثيرة من الأرشيف البريطاني، ويكتشف غنى العلاقات المغربية البريطانية، قبل أزيد من أربعة قرون.

بينما تبقى المعلومات التي نسبها إلى «الجَجَري»، أو «أفوقاي»، الذي أشار إليه في الكلام المقتطف أعلاه، مقتبسة من اكتشافه لمخطوط نادر بعنوان: «ناصر الدين على الكافرين» لأحمد بن قاسم الججري الأندلسي، وهو المخطوط المغربي الذي حققه أستاذ آخر اسمه محمد رزوق، واشتغل عليه في بحث أكاديمي لكلية الآداب بالدار البيضاء.

وهذا السفير المغربي، الججري، كان في بعثة دبلوماسية مغربية في الفترة التي تحدث عنها عبد الهادي التازي، وانتبه إلى اهتمام حكومة هولندا بأخبار أمريكا، وأشار في رسائله إلى هذا الأمر، باعتبار أن المغرب وقتها كان بدوره مهتما باكتشاف ما يوجد خلف المحيط الأطلسي.

لا بد إذن أن علاقة المغرب ببريطانيا في زمن السعديين كانت وطيدة جدا، إلى الحد الذي ترقى معه العلاقات إلى الاتفاق على بدء رحلات استكشافية للقارة الأمريكية بمشاركة بين البلدين.

إذ إن أحمد المنصور السعدي، في السنوات الأخيرة من حياته، وهو الذي توفي أشهرا قليلة فقط بعد وفاة الملكة إليزابيث الأولى، كان قد اتفق مع ملكة بريطانيا على غزو آسيا الشرقية، وصولا إلى بلاد الهند، بجيش مكون من فيالق بريطانية ومغربية. وعندما وصلت فكرة المنصور السعدي إلى الملكة إليزابيث الأولى، تحمست لها كثيرا وطلبت من المنصور الانتظار لبعض الوقت إلى أن تجهز جيشا قويا ينوء بالمهمة.

كما أن مستشاريها نصحوها بالتحالف مع الجيش المغربي، بعد أن وصلتهم أخبار عن انتصارات المغاربة في أدغال إفريقيا الوسطى، وتغلبهم على قساوة الطقس والأوبئة والذباب الذي قتل آلاف الإنجليز، وأخبروا الملكة إليزابيث الأولى أن الجيش المغربي الذي استطاع المرور من إفريقيا الوسطى، لا بد وأنه سوف يغزو آسيا الشرقية بسهولة. وهكذا تحالفت الملكة إليزابيث مع الدولة المغربية، لولا أنها توفيت هي والمنصور السعدي في السنة نفسها، دون أن تتحقق هذه المشاريع التي بقيت حبيسة الوثائق والمراسلات القديمة.

 

 

المغاربة وصلوا إلى كندا «بالخطأ» أيام الدولة السعدية

الكلام هنا مقتبس مرة أخرى من «التاريخ الدبلوماسي المغربي منذ أقدم العصور إلى اليوم»: «وعند حديث المؤرخين عن الأسطول المغربي الذي ظل أسطورة البحار، لم يفتهم أن يذكروا أواخر عهد دولة السعديين اقتحام قطع الأسطول لجج المحيط الأطلسي حتى «لاطيرنوف» (La Terre Neuve)، الإقليم العاشر في كندا!».

هذه الحقيقة التاريخية تسلط الضوء على واقعة وصول أسطول مغربي إلى كندا، بعد أن أوغلت سفنه في المحيط الأطلسي. ورغم أنه لا توجد معطيات تاريخية كافية عن طبيعة الرحلة المغربية في عمق المحيط الأطلسي وأهدافها، إلا أنها انتهت بوصول هؤلاء البحارة المغاربة إلى كندا، وعادوا منها إلى المغرب بعد رحلة شاقة لكي يحكوا ما عاشوه في تلك التجربة، قبل أن ينتبه المؤرخون إلى أن أولئك البحارة وصلوا فعلا إلى القارة الأمريكية.

أول من انتبه إلى هذا الإنجاز المغربي هم البرتغاليون، وهو ما يفسر إصرار «كولومبوس» أمام ملك البرتغال عندما أراد شد الرحال لاكتشاف العالم الجديد خلف المحيط الأطلسي، على أن يرافقه بحارة مغاربة كانوا قد احتُجزوا أسرى في وقت سابق خلال الحرب المغربية البرتغالية، على شواطئ مازاگان وآسفي.

وهذه الواقعة هي التي تفسر سر وجود مغربي هو «سعيد بن حدو» أو «ستيفانكو» المعروف أيضا بـ«الأزموري» ضمن طاقم اكتشاف أمريكا، وهو المغربي الذي استقر في أمريكا ونشر الدين الإسلامي في جنوب الولايات المتحدة وصولا إلى دول أمريكا اللاتينية، حيث لا يزال مزاره موجودا اليوم هناك.

هذه كلها أدلة على «النبوغ» المغربي في عالم الملاحة البحرية، رغم أن قصص ملاحم البحارة المغاربة قد سقطت الآن سهوا من تاريخ الاستكشافات. استأثر البرتغاليون والإسبان ومعهم البريطانيون والفرنسيون بالتاريخ الذهبي لفترات الاستكشافات البحرية للعالم الجديد، ولم يُسلط الضوء الكافي على الدور الكبير الذي لعبه البحارة المغاربة في هذه الاستكشافات.

إذ إن بعض المؤرخين الأجانب، سيما في الولايات المتحدة، ما زالوا ينقبون في وثائق الأرشيف التي تعود إلى فترة اكتشاف القارة الأمريكية، بحثا عن حقائق تتعلق بوصول سفن أخرى قبل «كولومبوس» إلى القارة الأمريكية، ووجدوا فعلا أن الأسطول المغربي الذي تحدث عنه البرتغاليون، قد وصل قبل الجميع إلى القارة الأمريكية، وبالضبط إلى موقع وجود كندا، في وقت لم يكن الأوروبيون يعرفون أي شيء نهائيا عما يوجد خلف «ظلام» المحيط الأطلسي.

ورغم أن المراسلات الأجنبية لم يرد فيها بالواضح أن الأسطول المغربي قد وصل بالخطأ إلى كندا، إلا أن المعطيات التاريخية تؤكد هذا الأمر، خصوصا وأن رسائل الدولة السعدية إلى الملكة إليزابيث الأولى لم تشر أبدا إلى أي مخطط مغربي خالص للوصول إلى القارة الأمريكية، لكن عشرات المراسلات أشارت إلى سعي المغرب وطموحه إلى التحكم في الطرق التجارية البحرية، وتأسيس الموانئ في السواحل المغربية، وإطلاق دوريات من السفن لحراسة المياه الإقليمية. بالإضافة إلى «الجهاد» البحري الذي كان من صلب أنشطة الدولة السعدية. وكلها معطيات تؤكد أن المغاربة كانوا متقدمين جدا في عالم الملاحة البحرية، وأن وصول أسطول بحري مغربي إلى كندا، أيام السعديين، لا بد وأنه كان نتيجة توغل البحارة المغاربة في المحيط الأطلسي، إلى أن وصلوا إلى شواطئ كندا.

وما يؤكد هذا الأمر أن حوادث بحرية كثيرة سجلت في ذلك التاريخ، وكلفت المغرب بعض الخسائر، خصوصا السفن التي كانت تقل المغاربة إلى الحج،

حيث كان يجرفها التيار في البحر المتوسط وتصادرها السلطات الفرنسية في مارسيليا، وهي الحوادث التي تواصلت حتى عهد المولى إسماعيل، وأبرم من أجلها اتفاقيات مع ملوك فرنسا لتبادل الرهائن ضحايا تلك الحوادث البحرية.

 

 

قصة أول خريطة مغربية لأمريكا رسما «شهبون» وسُميت «أرض الميريكان»

عندما انتبه المغاربة إلى أن الإسبان والبرتغاليين مهتمون باكتشاف أمريكا، أرسل السفير المغربي  محمد بن عبد الوهاب الغساني، وهو سفير المولى إسماعيل إلى إسبانيا سنة 1691، تقريرا مفصلا عما جمعه من معلومات تتعلق بطموح الإسبان واهتمامهم بالتوسع في القارة الأمريكية واحتلالها.

وبعد سنوات قليلة، جاء سفير مغربي آخر اسمه محمد بن عثمان، كان في مهمة دبلوماسية إلى الملك كارلوس الثالث سنة 1779، حيث حكى للسلطان ما سمعه بأذنه هناك عن قصة «حفلة شاي بوسطن»، المعروفة في التاريخ كواحدة من الملاحم. وهو ما يكشف أن المغاربة عرفوا منذ البداية وجود أطماع لدى إسبانيا لكي تحتل دول أمريكا اللاتينية، وتسبق غيرها من الدول الأوروبية إلى هناك. ورغم أن المغاربة وصلوا قبل هؤلاء الإسبان إلى القارة الأمريكية، إلا أن السباق الأوروبي المحموم بقي ضمن نطاق اهتمام المولى إسماعيل، دون أن يشارك في عمليات الغزو.

جاء في التاريخ الدبلوماسي للمغرب: «ويمضي ردح من الزمان (1927- 1928) ليطلع علينا كتاب تاريخ وأدب معا هو «فواصل الجمان في أبناء الزمان»، للكاتب محمد محمد غريط الذي يقدم لنا الرئيس الأمريكي جوهن أدامس على أنه رجل عصامي.. وقد اهتم التأليف المغربي أيضا بالجانب الجغرافي من القارة الأمريكية والولايات المتحدة على الخصوص، ويتعلق الأمر بالأطلس الملون الذي ألفه أبو العباس أحمد شهبون، الذي قدم معلومات مفيدة عن الولايات المتحدة في القسم الذي عنونه بصورة أرض الميريكان».

هذه المعلومات أشار إليها أيضا المؤرخ المغربي عبد الرحمن بن زيدان. يتساءل عبد الهادي التازي: «فكيف تمت الخطوة من أجل هذا اللقاء؟

إني على مثل اليقين من أن القائد الطاهر فنيش، سفير السلطان سيدي محمد بن عبد الله لدى لويس الرابع عشر في يناير 1778، حول المشروع المغربي المتعلق بالقضاء على الأسْر، اجتمع في فرساي، بالبعثة الأمريكية التي كانت تشرف على المفاوضات الفرنسية الأمريكية، لأن رسالة الاعتماد التي كان يحملها فنيش كانت تنص على ما يلي، والخطاب فيها لملك فرنسا: «وجهنا لكم خديمنا القائد الطاهر فنيش، ليتكلم في أمر اقتضاه نظرنا السديد معكم ومع جميع قونصوات أجناس النصارى الذين في إيالتكم من المصالحين معنا وغيرهم على يدكم، وهو أن كل أسير أيا كان فداؤه، مسلم، رأسا برأس».

المثير في هذه الرسالة أنها تكشف تنازل المغرب عن الدخول في حرب مع عدد من الدول، والسبب أن السلطان المغربي كان مهتما بمعرفة ما يقع في أصقاع الأرض. وما يؤكد هذا الاستنتاج أن المغرب وقع في السنة نفسها اتفاقيات تجارة مع معظم دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة، وهو ما اعتبره المؤرخون اعترافا بسيادة أمريكا واستقلالها.

وهكذا تكون الخريطة المغربية الأولى لأمريكا، خطوة فقط من خطوات المغرب القديمة لوضع تصور واضح أمام السلطان بشأن الطرق البحرية ومسارات السفن، لتحقيق أرباح من التجارة.

 

 

هكذا انبعثت الدبلوماسية المغربية من رمادها سنة 1856

إلى جانب الفترة الذهبية التي قضاها المغرب في السلك الدبلوماسي مؤثرا، بل وسابقا لدول أوروبية في اكتشاف العالم وإبرام اتفاقيات التجارة وتبادل الأسرى، حلت بعض الانتكاسات بسبب التدخل الأجنبي في المغرب. لكن محاولات استعادة المغرب لمكانته عادت من جديد سنة 1856.

إذ سبق وأن أشرنا إلى أن المغرب عاش على إيقاع هزيمة مريرة، عندما اجتاح الإسبان مدينة الصويرة في تلك السنة.

هذا الاجتياح لم يكن عسكريا وإنما تجاريا. كانت هناك تبعات عسكرية للموضوع، بالتأكيد، لكن الهزيمة المريرة التي نتحدث عنها هنا تمثلت في الضعف الاقتصادي للمغرب، إذ تَمَكُّنِ التجار الإسبانيون من فرض قوانين جديدة في مدينة الصويرة، وفتحوا مكتبا خاصا بهم وعينوا فيه بعض التجار، لكي يشرفوا على فرض قوة الرأسمال الأوروبي على التجار المغاربة.

النتيجة كانت أن المملكة اتفقت مع هؤلاء التجار على إبرام اتفاقية تجارية، كانت في الحقيقة تحتوي على امتيازات إضافية لهؤلاء التجار وتضعف موقع المغاربة.

المعاهدة وُقعت سنة 1956، والتجار لم يمهلوا المغرب سوى أشهر قليلة لكي يعيشوا على نتائج تلك المعاهدة، ويفرضوا الاتفاقية التجارية.

ولم يتوقفوا عند هذا الحد، فقد كانوا يعلمون أن مدينة الصويرة كانت في ذلك التاريخ تعج بالقنصليات الأجنبية، أشهرها مكاتب تابعة للمفوضية العامة لكل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وألمانيا، وأنباء أخرى تحدثت عن طموح روسي أيضا..

فكّر هؤلاء التجار الإسبان، بإيعاز حكومي طبعا، في الضغط على المغرب لتأسيس قنصلية إسبانية في مراكش.

وفي ذلك التاريخ كانت مراكش بعيدة تماما عن أي وجود دبلوماسي أجنبي فوق ترابها. حتى أن المراكشيين كانوا يروون حكايات عن وجود الأجانب في الصويرة، ويعتبرون الأمر من «علامات الساعة».

الفضل في قدرة الإسبان على المفاوضة من موقع قوة، بشأن تأسيس قنصلية إسبانية في قلب مراكش، يعود إلى مضامين الاتفاقية. إذ إنها نصت على ضمان حق السفر والإقامة في المناطق الداخلية، يقول دانييل شروتر، صاحب تجار الصويرة، والذي ترجمه إلى العربية الباحث المغربي خالد بن الصغير: «وكان وجود مادة صريحة في هذا الشأن ينذر بطرح مشاكل مستعصية على المخزن، لما مثله ذلك من تعد حقيقي لقدراته على مراقبة تحركات الأجانب في مناطق المغرب الداخلية. وفي أعقاب الاجتياح الإسباني لشمال المغرب سنة 1860، أصبح الأوروبيون لا يترددون في المطالبة بالحصول على أمور غير معهودة من قبل. فبعد وصول الوكلاء الماليين الإسبان إلى الصويرة، طلب الإسبان أن يُسمح لهم بتعيين نائب قنصلي لهم يقيم في مدينة مراكش. وإذا كان السلطان عاجزا من الناحية التقنية عن معارضة الطلب الإسباني، فقد أوضح بصريح العبارة أنه لا يتحمل مسؤولية ما قد يترتب على إصابة النائب القنصلي بأذى.

وقد كان عدد الأجانب الذين يسافرون في المناطق الداخلية أو يقيمون فيها فعلا محدودي العدد. وأهم من ذلك أنهم كانوا يتخذون سماسرتهم المغاربة وسائل تمكنهم من التغلغل في تلك المناطق أكثر فأكثر. وكان هؤلاء المحميون المغاربة يتمتعون بحقوق تجعلهم لا يخضعون لقوانين بلادهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى