يونس جنوحي
عُمرة رمضان تحولت إلى كابوس بالنسبة لعشرات العالقين قرب مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، والذين سقطوا ضحايا وكالات أسفار مشبوهة، اتضح أنها نصبت على الراغبين في استعمال خدماتها للتسجيل في عمرة رمضان هذه السنة.
وكالات من الدار البيضاء وأكادير، وأخرى من سلا وآسفي، والله أعلم من أين أيضا، نصبت على مُعتمرين وجدوا أنفسهم مُرابطين أمام مطار محمد الخامس، مطالبين السلطات بإنصافهم واتخاذ الإجراءات ضد تلك الوكالات موضوع النصب.
الضحايا تجاوز عددهم المائتي ضحية، واكتشف بعض الذين تسجلوا في وكالة أسفار في الأقاليم الصحراوية، أن صاحب الوكالة سحب الأموال التي دفعوها للتسجيل في عمرة رمضان لهذا العام، وغادر التراب الوطني صوب بلجيكا.
في انتظار ما قد يسفر عنه التحقيق في الموضوع والاستماع إلى إفادات الضحايا، يصعب جدا وصف نفسية الضحايا الذين كانوا يعيشون طقوسا روحية في الطريق إلى المطار. ومنهم من حالت الاحترازات الصحية، بسبب وباء كورونا لسنتين متواصلتين، بينهم وبين تحقيق حلم العمرة خلال شهر رمضان، ليجدوا أنفسهم في الأخير ضحايا نصابين باسم وكالات أسفار.
رغم ترسانة الإجراءات التي تباشرها الوزارة، بالتنسيق مع السلطات المكلفة بموسم الحج، إلا أن بعض الذين يستثمرون في قطاع وكالات الأسفار لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم. وربما سيكون الحل للقطع مع عمليات نصب مشابهة، أن يتم تفعيل إجراءات تضع شروطا لتصرف وكالات الأسفار في المبالغ المالية التي يدفعها المسجلون لعمرة رمضان، حتى لا تزداد أعداد الذين يجدون أنفسهم عالقين في مطار محمد الخامس.
ليست هذه المرة الأولى التي تقع فيها حوادث من هذا النوع، لكن ما جعل تجربة هذه السنة تكون قاسية على نفوس المعتمرين ضحايا هذه الوكالات، أنها أول فرصة لعودة خط الحجاج، بعد توقف عامين بسبب الجائحة.
في الزمن الغابر، عندما كان الحجاج يسارعون للوصول إلى البقاع المقدسة مع رمضان، لقضاء العمرة والمكوث هناك في انتظار الحج، كانت الرحلة تكلف الكثيرين حياتهم، خصوصا الذين كانوا يسافرون منفردين ويقضون أشهرا طويلة في الطريق عبر الجزائر وتونس، وصولا إلى مصر ومنها يواصلون على الأقدام أو على ظهور الدواب، يلحقون بالحجاج المحليين الذين كانوا يعرفون الطرقات، ومنهم من أصبحوا ضحايا لقطاع الطرق، ومنهم من اختطفوا وهم يركبون البواخر على يد القراصنة. رحلة الحج وقتها كانت محفوفة جدا بالمخاطر، وعندما يقرر أحد الذهاب في تلك الرحلة، فإنه يودع أسرته وكأن هناك احتمالا كبيرا لعدم العودة.
اليوم رغم أن الطائرات تطوي شهور الرحلة، وتختصرها في بضع ساعات طيران مريح فوق الصحاري، إلا أن العلم لم يستطع بعد حماية الحجاج والمعتمرين من القراصنة وقطاع الطرق.
هناك مخطوطات في المكتبات المغربية توثق لأحداث رحلات الحج المغربية، قبل مئات السنين، وتحدثت عن طقوس منقرضة كان يتزعمها موكب الحجاج والمعتمرين المغاربة. إذ كان من بين تلك الطقوس، أن موكبا من العلماء كان ينطلق من المغرب عبر وجدة ويلتحق به حجاج من كل مناطق المغرب، وأحيانا يتزعم الوفد وزير مغربي يفرق الهدايا ويذبح المواشي عند كل نقطة استراحة، إلى درجة أن سكان المدن التي كانت تقع في طريق الحجاج، كانوا ينتظرون وصول المغاربة بفارغ الصبر كل عام، لكي يغدقوا عليهم بسخاء.
في الزمن الغابر كان القراصنة يسرقون الحجاج ويطلقون سراحهم، لكي يواصلوا رحلة الحج بدون مؤونة ولا مال. واليوم، لا يزال هؤلاء القراصنة على عادتهم، وأصبح أحفادهم من القراصنة المحليين، يسرقون مصاريف العمرة التي يحصلون عليها من المعتمرين بطيب خاطر، ويتجهون إلى بلجيكا لكي يفرقونها بين حانات بروكسيل.