توصلت «الأخبار» بمشروع قرار لوزير التربية الوطنية يهم ترسيم أطر الأكاديميات والتي تم توظيفها بعد 2016، هذا المشروع أثار الجدل مرة أخرى، لكونه يضع مستقبل عشرات الآلاف من الموظفين تحت رحمة المفتشين، وهو الأمر الذي يفسر مرة أخرى الحظوة التي تم منحها لهذه الفئة في النظام الأساسي الجديد، وخصوصا الزيادات المالية الكبيرة، وأيضا لكون هذا المشروع يمنح فقط دورتين موزعتين على سنتين للموظفين الجدد، والموجودين في مرحلة تدريب، سيتم بعدها طردهم من الوظيفة في حال الفشل في اجتياز امتحان الكفاءة التربوية.
النجاح أو الطرد
الجديد الذي أتى به هذا القرار، هو حذف الاختبارات الكتابية، ولكن تقليص دورات اجتياز امتحان الترسيم من أربع دورات إلى دورتين فقط، وهو الأمر الذي اعتبره البعض «تجسيدا لروح الانتقام»، الذي لطالما أبدته الوزارة وأغلب المسؤولين تجاه فئة أطر الأكاديميات، خاصة بعد الإضرابات الأخيرة.
بعد صدور النظام الأساسي الجديد، شرعت الوزارة في إصدار حزمة من النصوص القانونية ذات الصلة بتنزيل هذا النظام، وعلى رأسها إعادة تنظيم شروط الترسيم، أو ما يعرف بـ«امتحان الكفاءة التربوية»، والذي ينظر إليه إداريا على أنه البداية الحقيقية للمسار المهني للموظف الجديد.
فبعد سنوات من مقاطعة أغلب المدرسين الذين تم توظيفهم بعد 2016 لامتحانات الكفاءة التربوية، ولجوء بعض المديريات الإقليمية إلى الترسيم الإداري المباشر دون امتحان، سيجد عشرات الآلاف من أطر الأكاديميات مجبرين على استقبال لجان الترسيم مباشرة بعد العطلة البينية الحالية، هذه اللجان التي تتكون من أربعة أعضاء، يترأسها مفتشون.
الجديد الذي حمله القرار المرتقب، يتمثل أولا في حذف الاختبارات الكتابية خلافا لما كان معمولا به منذ 2012، عندما كانت الوزارة تعتمد أحيانا على التوظيف المباشر دون تكوين. حيث حصر القرار الجديد صيغة الامتحان في تقديم درسين تتلوهما مناقشة، فضلا عن دراسة الملف الإداري للموظف المعني.
القرار الجديد سيعتمد فترة انتقالية ستمنح امتيازات للموظفين الذين لم ينجحوا قبل شتنبر 2023، على أن يتم طرد المتدربين الذين فشلوا في اجتياز الكفاءة التربوية بنجاح، في دورتين، وذلك خلافا لما كان معمولا به في قرار مماثل يعود إلى سنة 2012، والذي كان يمنح أربع دورات.
قرار الترسيم عمل كما كان متوقعا على تهميش الأساتذة المكونين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، والذين أشرفوا على تكوين المتدربين طيلة سنة تكوينية، وهو الأمر الذي استغرب له كثيرون، حيث تراهن الوزارة على المفتشين بشكل حصري لفرض الترسيم وفق مواصفات خاصة، خصوصا مع تنصيص القرار الجديد على ضرورة دراسة الملف الإداري للموظف المتدرب، وسط تخوفات بأن تصبح سلطة المفتشين في عملية الترسيم مدخلا آخر لممارسة الابتزاز والمتاجرة واستغلال النفوذ، من طرف بعض مديري المؤسسات التعليمية، خصوصا وأن القرار ذاته ينص على أن هؤلاء يحضرون بصفتهم أعضاء في اللجان، أو من طرف بعض المفتشين المعروفين باستغلالهم لمناصبهم في ممارسة الابتزاز والمتاجرة بالنقط المهنية، والآن في الترسيم.
لا مجال لمقاطعة الترسيم
ما يفهم من حرص الوزارة على إصدار قرار جديد يهم الكفاءة التربوية هو أنه لا مجال للتذرع بالاحتجاج لرفض اجتياز امتحانات الترسيم، حيث سيخضع لها الجميع بدون استثناء، غير أن القرار نفسه استثنى المتصرفين التربويين والمفتشين أنفسهم، ولم يبين المسطرة التي سيتم اتباعها في ترسيم هاتين الفئتين، ومكونات اللجان التي ستشرف على ترسيمهم، وذلك بعد تخرجهم من مراكز التكوين. وهو الأمر الذي يخالف بشكل صريح المادة 35 من النظام الأساسي، والتي تعطي للأساتذة الباحثين في مراكز التكوين إمكانيات تأطير المتدربين وتقويمهم.
رغم أن مشروع القرار ما زال قيد التداول بين الوزارة والنقابات، إلا أن تعليقات كثيرة ظهرت تحذر من تكرار التعسفات التي تمت ممارستها من طرف بعض المفتشين، والتي كان ضحيتها أساتذة متعاقدون، خصوصا في السنوات الأولى لاعتماد هذا النوع من التوظيف، حيث أصدر مفتشون قرارات متسرعة لطرد مدرسين دون اعتماد المسطرة التي ينص عليها القانون، وهي القرارات التي أشعلت الاحتجاجات طيلة سنوات في صفوف أطر الأكاديميات، لأنها تدل على غياب الأمن الوظيفي. واشتراط دورتين بدل أربع دورات، ومنح المفتشين سلطة الترسيم بناء على درسين ومناقشة مدتها ربع ساعة، سيعني أن العملية لن تخلو من ذاتية، وبالتالي احتمال تحول عملية الترسيم إلى مناسبة للابتزاز والمتاجرة والمحاباة أو الانتقام.
يذكر أن النظام الأساسي الجديد أعطى لهيئة التدريس ست مهام هي التربية والتدريس والتقييم والدعم المدرسي والتعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي، والمشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني والمشاركة في تنظيم الامتحانات والمباريات والمشاركة في الأنشطة المدرسية والموازية، مع إمكانية إضافة مهام أخرى تضيفها السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية متى رأت الحاجة إلى ذلك كما ورد في المادة 67، في المقابل حدد النظام السابق لأطر التدريس مهمتين اثنتين متحققتين بمجرد الانتساب إلى الهيئة، وهما التربية والتدريس وتصحيح الامتحانات، والثالثة محتملة تتعلق بتولي مهام الإدارة التربوية.
الأمر الذي يعني أن الحسم في مستقبل مدرس بناء على حصتين دراستين فقط ومناقشة لربع ساعة لن يكون موضوعيا في الحكم على عدم أهلية المدرسين، في ظل تعدد المهام المسندة إليهم.
نافذة:
تحديد النظام الأساسي الجديد ست مهام للمدرسين واقتصار الترسيم على تقديم درسين فقط سيعني فتح الباب لذاتية المفتشين ولم لا لممارسات أخرى معهودة
///////////////////////////////////////////////////////////////
عن كثب:
موضة المفاهيم في قطاع التعليم
نافذة:
هناك مفاهيم لم تنل حتى حقها في الفهم لدى المروجين لها لتجد نفسها تنتمي إلى الأرشيف فقط لأن الوزير تغير
اكتسبت وزارة التعليم عندنا قدرة رهيبة على صناعة المفاهيم، لكنها صناعة استهلاكية ودعائية أكثر منها صناعة نظرية وبحثية، فمثلما لها هذه القدرة على تبني المفاهيم التربوية والإدارية الجديدة فإن لها أيضا قدرة على التخلي عنها مثلما يخلع المرء معطفه، حتى أصبح الأمر ظاهرة مرافقة للوزراء ودواوينهم.
بدأت ظاهرة «موضة المفاهيم» مع عشرية الإصلاح، لتصبح أكثر تفشيا مع توالي البرامج الإصلاحية، وهي فعلا موضة بكل المقاييس، لأنها تبين أن عمر المفهوم عندنا هو رهين لمزاجية غير منطقية، تدفعنا إلى تبني مفهوم «طنان»، وإقامة الدنيا دون إقعادها في الترويج له والتهليل بالفتح الذي يشكله، بل لا نتردد في وصف المفاهيم الأخرى التي قبله بالتقليدية، ونعطيه هو بالمقابل صفة الحداثة والمعاصرة، بل ويصل بنا الأمر حد وصف المفاهيم السابقة بـ«الجاهلية».
ولأنها فقط مسألة مزاج، أو هوى إن شئنا التدقيق في المصطلحات، فإن المهتمين البسطاء والمشتغلين في ميدان التربية والتكوين يسقطون في حالات ارتباك دائمة، تجعلهم لا يعرفون تحديدا بم سيشتغلون، وأية مقاربة مفاهيمية سيتبنون، بل إن هناك مفاهيم لم تنل حتى حقها في الفهم لدى المروجين لها، لتجد نفسها تنتمي إلى الأرشيف فقط، لأن الوزير تغير والوزير الجديد سيجد حتما «دلّالة» يكتبون الأشعار في مفاهيمه الجديدة، تماما كما يحدث اليوم مع ما يسمى «مدرسة الريادة».
يحصل هذا في مجال البيداغوجيا والديداكتيك والتدبير الإداري، حيث تُستورد مفاهيم تنتمي إلى علوم التربية والتدريس والإدارة والتواصل من سياقات تاريخية متغيرة، ويتم إسقاطها بشكل متعسف على سياق مغربي راكد يجتر مآسيه. فبعد أن أضحت مفاهيم مثل الكفاية والذكاء المتعدد والمهارة والحكامة والشراكة واللاتمركز وغيرها، أصبحت اليوم موضة كل ذي فتوى في التربية والتكوين، فإنه لنا أن نتصور مصيرها بعد سنوات، إذ سيسارع هواة «المفرقعات» المفاهيمية إلى التبشير بمفاهيم جديدة، سيعملون على نقلها حذو النعل بالنعل، والحافر بالحافر، لنظير ما يجري في عالم غربي ربما لم يروه إلا في مواقع التواصل الاجتماعي.
فكون المدرسة الفرنسية أو الكندية تغير مفاهيمها ونظرياتها، فذلك لأن فرنسا هي التربة الطبيعية لنشأة كل حركات التغيير على جميع المجالات، ولأن كندا هي «أرض الجدة» الحبلى بتاريخ تعتمل فيه تجارب العالمين القديم والجديد، ففي العالم الذي تمثله هاتان الحضارتان؛ المفاهيم تتغير بتغير السياق التاريخي، أما في المغرب فإن تغير المفاهيم لا يعكس تغيرا في المجتمع، بقدر ما هو تجديد للوصل مع الاتباع والتقليد، بدليل أن من يقرأ كل التقارير التقييمية لمنظومتنا، سيستنتج أن منظومة التربية والتكوين لم تعرف أية حلحلة كالتي عرفتها موضة المفاهيم، بل وإن من يقرأ المخطط التنموي من الأجانب، سيتبادر إلى ذهنه أن هذا البلد خرج للتو من استعمار برتغالي مدمر، أو تعرض مواطنوه لمحو جماعي لذاكرتهم، بحيث وجدوا أنفسهم مضطرين إلى البدء من الصفر، وليس برنامجا يهم التعليم في مغرب العقد الثالث من القرن 21. والحقيقة أنها نقطة صفر عائدة أبدا على عقود.
لمن لم يفهم بعد معنى مدرسة الريادة، نزفُّ له خبرا مؤكدا هو أن الأمر يتعلق فقط بموضة مفاهيمية.. فلا يستعجل الفهم، فغدا سيظهر مفهوم جديد ينسخه.. وهكذا إلى أن يقدر الله أمرا كان مفعولا.
//////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:
2191
انكباب وزارة التربية الوطنية على تكوين المكونين في مجال تحسين البيئة المدرسية يهدف الى حماية التلاميذ من التحرش والتنمر، سيما في الميدان السيبراني، فضلا عن خلق فضاء آمن داخل المؤسسات التعليمية بالنسبة إلى التلاميذ. فخلال هذه المرحلة من العملية تم التركيز على حوالي 700 مؤسسة إعدادية معنية وذلك بالشراكة، من بينهم مركز الموارد والدراسات المنهجية لمكافحة التنمر، وكذا مصالح الشرطة ومصالح الدرك الملكي في ما يخص الجانب الأمني.
هذا المشروع يستهدف 2191 مؤسسة للتعليم الثانوي الإعدادي بجميع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على مدى ثلاث سنوات إلى غاية سنة 2026، وكذا تكوين 6579 مؤطرا بمعدل ثلاثة أطر من كل مؤسسة تعليمية (أستاذ (ة) ومختص الدعم التربوي وموجه).
//////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
حرب مواقع بوزارة التربية الوطنية استعدادا لظهور هيكلة وزارية جديدة
هل تشعل مديرية الشؤون القانونية أزمة جديدة بوزارة بنموسى؟
لم تكد تمضي أسابيع قليلة على خروج أزمة النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية من عنق الزجاجة، حتى برزت أزمة جديدة داخل وزارة بنموسى، بسبب دفع مدير الشؤون القانونية بمراسيم جديدة، سجلت بخصوصها نقابات التعليم العالي والمدرسي عدة تراجعات، وتنذر بشل مراكز التكوين العالي التابعة لقطاع التربية الوطنية. يأتي هذا قبيل ظهور هيكلة مركزية جديدة، ستؤدي حتما إلى اختفاء مديريات جديدة وظهور أخرى، الأمر الذي يفسر حرب المواقع الموجودة حاليا.
مديرية الشؤون القانونية في موقع الاتهام
كانت النقابة الوطنية للتعليم العالي قد سجلت تحفظها على طريقة تدبير مديرية الشؤون القانونية للنصوص التشريعية، والتي تغيب فيها الطريقة التشاركية، وإقصاء حتى أطر الإدارة المركزية في صياغة بعض مضامين المراسيم التي يفترض أن تصدر قريبا؛ إضافة إلى ما أفرزته من تراجعات حتى عن النصوص الموجودة، في وقت كانت المطالب تسعى إلى الرقي بدور مراكز تكوين الأطر العليا إلى مؤسسات للبحث العلمي، وتكريس استقلاليتها، بدل محاولة الهيمنة التي تجعل مراكز التكوين تحت وصاية الأكاديميات.
ويبدو أن محاولات تأطير عمل مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، لم تجد طريقها بعد إلى ضمير المسؤول الأول عن المديرية، ذلك أن حجم الشطط في استعمال السلطة، والتمترس خلف وسائل الإدارة، استدعيا من الوزير بنموسى استصدار مذكرة قصد التسوية الودية للمنازعات، وتنفيذ الأحكام القضائية النهائية. كما تطلبا من الكاتب العام توقيع مراسلة وزارية تحدد مدد الرد على التظلمات والمراسلات الإدارية، بعد تسجيل انتهاكات صارخة في هذا الصدد.
ملفات كثيرة أخرى
ولعل ملف الدكاترة المتضررين من عدم إعلان ما تبقى من نتائج مباراة التعليم العالي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، دورة شتنبر 2021، يشكل نموذجا صارخا للفوضى التي يتم بها تدبير المديرية على عهد المدير الحالي، حيث تمت قرصنة نتائج ما يزيد على 23 مباراة دون أي سبب قانوني، ولم تكلف المديرية نفسها الرد على تظلمات المعنيين، بل تم توريط الوزارة كلها في عدم التفاعل مع البرلمان بغرفتيه، واللذين طرحا أزيد من 20 سؤالا حول الأسباب والشبهات التي تحوم حول الموضوع. لكن الأخطر، هو وصول التجذر وتبني سياسة الهروب إلى الأمام، إلى مستوى احتقار مقررات قضائية، وعدم تنفيذ أحكام نهائية صادرة عن السلطة القضائية؛ وعدم التجاوب مع توصيات مؤسسة الوسيط، في تجاوز لكل المقومات الدستورية والقانونية.
وأمام بروز مؤشرات أولية على قيادة شكيب بنموسى لتغييرات جذرية داخل الوزارة، قصد تنزيل المشاريع الهامة المبرمجة، يبدو أن بعض وجوه الحرس القديم تقف حجر عثرة أمام حكامة القطاع، وتورط الوزارة في إشكالات إضافية، تشوش على جودة البرامج والأهداف المتوخاة منها. فإلى متى سيستمر العبث داخل الوزارة، بينما يستمر ربط المسؤولية بالمحاسبة كمجرد شعار آخر؟