قدر ملطخ بالأبيض
وفاء الناجي
بالأمس كان الهاجس الأكبر التخلص من قبضة يد البطالة التي تلوي خناقها على جل شباب العصر، البطالة شبح يطاردنا، تقتل أحلامنا وتقتل الحياة بنا، كنت أعتقد أنه يكفي أن نتخلص من البطالة لنتخلص من كل أمر يهدد سلامنا واستقرارنا الداخليين ونحن الشباب الذين تجري بنا دماء أخر ودائما ما نتوق للحافز والمحفزات ودائما ما نتأمل الخير في القادم الآتي..
كنت أتوهم، دخلت خضم الأمور فوجدت أنيناً هناك بالزاوية، بكاء خافتا لا يتوقف ولا يضمر كالمطر يهطل لشبان ذنبهم الوحيد أنهم اختاروا مجالا لم يكن أهلا لطموحهم، لم يحضنهم في كنفه كما تحضن الأم أطفالها! مجال كان مقبرة للعديد ممن أحببناهم وعاشرناهم فترة التكوين والتداريب الميدانية واقتسمنا معهم لحظات ممزوجة بالفرح والدموع، الخوف والترقب، لازالت ضحكاتهم في آذاننا لا تغيب تعذبنا وابتساماتهم الفاتنة نراها على كل المحيا.. أصدقاءنا، أحبابنا بعمر الزهور فقدناهم بسبب سياسة التيتيم الممنهج التي تمارسها الوزارة الوصية، وزارة الصحة، بظروف اشتغال مزرية بلغت الحضيض وفي مناطق معزولة، بأساطيل زعموا أنها سيارات الإسعاف والنقل الصحي لا بل هي الجحيم بعينه أخذت منا الغالي والنفيس بتذكرة ذهاب دون إياب، نقل لا يليق لا بالشغيلة الصحية التي تفني شبابها خدمة لهذا الوطن ولا بالمواطن وكرامته، موت بالجملة حصد العديد من الأرواح البريئة داخل منظومة الصحة لطاقم تمريضي محض في جل الوقائع الأخيرة، الممرض هو الحلقة الأضعف، الشماعة التي تعلق عليها الوزارة فشلها المستمر وهفواتها المتكررة، ممرضون سخروا أنفسهم وجندوا كل طاقتهم لهذا الوطن، فماذا أهداهم هو بالمقابل ! موتة أليمة أحرقت الجميع من ورائهم وتركت جراحا عميقة لذويهم وزملائهم، داخل المرافق الصحية والمستوصفات النائية حتى بات الجميع ينتظر دوره، تحترق من أجل هذا الوطن وتنتظر أن يحين دورك في أسطول الموت الجماعي، تزاول أشرف المهن وأنت خائف وكأنك داخل حقل ألغام ملفوف بالفجوات القانونية، بعدم وضوح الرؤية وأحيانا غيابها كليا، بسيارات إسعاف تنتظر منك أن تضع قدمك بها لترمي بك بعيدا في أبشع صورة… الضغط من كل مكان وصوب حتى أضحى التحاق الأبناء بالمعاهد التمريضية ووزارة الصحة يمثل كابوسا للآباء، زميلتي البارحة فقدناها بهكذا طريقة، الممرضة الشهيدة «رضوى لعلو» نعيناها إثر حادث سير مرير أثناء نقلها لمريضة من مكان عملها صوب مستشفى أكادير وكم كان خبر موتها أليما لنا جميعنا، كسرت أضلاعنا وخرت قوانا، رضوى الإنسانة الخدومة، الصبية الفتية، شهيدة الواجب المهني اقتلعت منا قسرا، رحمة الله عليها ولا يسعنا إلا أن نتمنى لها دارا خيرا لها وأبقى من دار الدنيا ومقاما يليق بها هناك في جنة الفردوس الأعلى..