مانسيناكش
حسن البصري
قبل وفاتها بسبب السرطان أوصتني زوجتي: «مت واقفا يا أوسكار»
لكنك ستقبل بالتعاقد مع فرق في أقسام الهواة، ما السبب؟
بدأت المعاناة الحقيقية بالنسبة لي حين صادرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، في عهد الفاسي الفهري، حقي في التدريب، بدعوى كبر السن تارة وعدم توفر الشواهد تارة أخرى، ووجدت نفسي خارج منظومة ما سمي بالاحتراف. أدليت بشواهد في التدريب من الاتحادات الأرجنتينية والأوربية وشواهد في التحضير الذهني ولائحة الكؤوس والألقاب التي حصدتها لكنها لم تشفع لي، فتبين أنهم يحكمون علي بالوفاة لأنهم يعمدون إلى إخراجي من الماء وأنا كالسمكة أموت لمجرد انتشالي من حوض ماء. صدقني هذا الموقف المحبط حولني إلى زبون دائم للمصحات.
ألهذا قبلت عروضا من فرق أقل درجة؟
إذا كانت أقل درجة في تصنيف الكرة فهي أعلى درجة في الوفاء، فبعد هذا المشوار الكبير الذي يثقل سيرتي، وجدت نفسي فجأة مجبرا على قبول عروض من فرق من قسم الهواة، كنادي الرابطة البيضاوية وجوهرة كلميم ونجم الشباب. أراد مسؤولو هذه الفرق ضرب عصفورين بحجر، المساهمة في رد الاعتبار لي بتعييني مديرا تقنيا، والاستفادة من خبرتي الطويلة في مجال التكوين. ولأن المصيبة لا تأتي منفردة، فإن السيول التي اجتاحت مدينة كلميم أغرقت سيارتي التي كانت في ورشة ميكانيكي.
هل يجتاحك الندم على قرار اتخذته؟
أنا أندم على قرار لم أتخذه، أما القرارات التي اتخذتها فعلي فقط أن أصبر على مضاعفاتها كيفما كانت، مثلا قرار الذهاب إلى كلميم لتدريب فريق هناك، تحملت كل الإهانات وتعرضت لضرب على قفاي لأتعاقد مع فريق بعيدا عن صخب الرجاء. وافقت على تدريب فريق من الهواة اسمه جوهرة كلميم، تلبية لرغبة أحد الأصدقاء من الرجاء في مدينة كلميم، لكن تبين أن تصوري لم يكن في محله فقد رميت بنفسي في محنة وزاد غضب الطبيعة والفيضانات من تعاستي، لكن في طي كل نقمة نعمة، فالمستشفى العسكري بكلميم قام مشكورا بإيواء وعلاج زوجتي على نفقة المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية المغربية، قبل أن ترحل حزينة على وضعيتي.
هل ساهم بعض أصدقائك الرجاويين في حل الأزمات التي تراكمت بشكل مفاجئ؟
حين يتحالف ضدك المرض والخصاص فاعلم أن المحنة مركبة، عشت وضعا مريرا بدعم من المحسنين كنت أتردد على مصحات الدار البيضاء، تارة أخضع لعملية جراحية دقيقة على مستوى العين اليمنى نتيجة تعفن أصابها، وتارة أعالج نبضات قلب أصابه الجحود، وغالبا ما أستفيد من العلاج الطبيعي دون أن أمتلك بطاقة راميد. أقمت فترة قصيرة بشقة في ملكية أحد المحبين بشكل مؤقت، كما قام المنخرط الرجاوي عبد اللطيف بإيوائي في منزله بمنطقة طماريس بعيدا عن النظرات الشامتة. عشت وضعا حرجا بعد أن أصيبت زوجتي نورما بمرض السرطان وساهم الرئيس السابق لنادي الرجاء، عبد الحميد الصويري، في تحمل جزء من نفقات علاجها. هنا لا أنسى الدور الذي قام به اللاعب الدولي السابق، يوسف السفري، حين أدى واجب الإيجار الشهري للشقة التي كنت أقطنها والتي لطالما كنت مهددا بإخلائها بعد أن تفاقمت الأوضاع.
محبو الرجاء لا يعرفون تفاصيل محنتك..
أوسكار، الذي يستوقفه المغاربة في الشارع العام ويلتمسون منه منحهم فرصة أخذ صورة للذكرى، لا يعلمون أنني في وضعية صعبة، وأنني مهدد بالمرض والإفراغ، في ظل غياب التفاتة حقيقية من الرجاء والوداد، والنادي القنيطري والمغرب الفاسي وكل الفرق المغربية التي أشرفت على تدريبها.
لماذا لم تفكر في العودة إلى الأرجنتين؟
اخترت العيش في المغرب رفقة أفراد أسرتي، زوجتي نورما وابني جينيور، ومنذ 1999 وأسرتي حريصة على التمسك بتربة هذا البلد، حتى حين أتلقى عرضا لتدريب فريق في سوريا أو مصر أو بوركينا فاصو أو ليبيا، فإني أصر على أن أترك زوجتي وابني في مدينة الدار البيضاء. لكنني مهدد الآن بالترحيل إذا لم أرتبط بفريق، لأن بطاقة الإقامة انتهت صلاحيتها وحين أطالب بتجديدها أصطدم بشروط تسليم البطاقة، وأبرزها شرط وجود علاقة عمل تخول لي البقاء في المغرب. أحيانا تنتابني رغبة في مغادرة المغرب لكن زوجتي نورما كانت تتابع فحوصاتها لمكافحة مرض السرطان اللعين، ناهيك عن أن ابني جنيور يرفض مجرد التفكير في مغادرة المغرب، هنا قضت الأسرة أزيد من 18 سنة بين مشاعر الفرحة والانكسار.
كيف جاءت فكرة محلل رياضي بمحطة راديو مارس؟
في ظل الأزمة فتحت لي إذاعة «راديو مارس» الباب وقامت بتشغيلي محللا رياضيا، وهو ما يجعلني على صلة يومية بمستجدات المشهد الرياضي، رغم أني لا أخفيك سرا إذا قلت لك إنني أجد صعوبة في الاستيقاظ باكرا، لكن احتراما للمستمعين أضاعف جهدي لأكون في الموعد. قبل أن أتلقى دعوة الجامعة اقترح زكريا عبوب على مدير راديو مارس، هشام لخليفي، تمكيني من فرصة تحليل المباريات والاستفادة من خبرتي الميدانية على الأثير بعد أن صودر حقي في الجلوس على دكة البدلاء.
ما وصية زوجتك قبل الرحيل؟
كانت وصيتها، وهي في أيامها الأخيرة، «مت واقفا»، ومنذ ذلك الحين ونداؤها يتردد في أذني وسط النكبات، قبل أن تصلح الجامعة في عهد فوزي لقجع ما أفسدته جامعة علي الفاسي الفهري، وتمكنني من راتب شهري يجعلني قادرا على استكمال ما تبقى من حياة.