قبل فوات الأوان
سيدفع أربعة مراهقين في مقتبل العمر ثمنا غاليا بسبب سلوكاتهم الإجرامية واعتدائهم على المارة لسرقة ممتلكاتهم. وهناك الآلاف مثل هؤلاء الذين ظهروا بشكل هيستيري على مواقع التواصل الاجتماعي يطوفون يوميا بشوارع المدن ويعرضون السلامة الجسدية للأشخاص للخطر، ومنهم من تطوله يد العدالة ويلقى مقابل سلوكه الخارج عن القانون ومنهم من يستطع أن ينجو بفعله الجرمي.
ولئن كان السلوك الإجرامي أسلوبا غير متحضر يرفضه المجتمع بمؤسساته ككل، لأنه ينخر كيانه وينال من تماسكه واستقراره، خصوصا في فئة الشباب الذي يعول عليه مغرب الغد، إلا أن هذا الجيل الضائع هو نتيجة لعوامل ومسببات عديدة ومختلفة، فهو في الوقت ذاته نتيجة تفاعل فضاءات التنشئة الاجتماعية، سواء في الأسرة أو الشارع أو المدرسة أو الإعلام وبدرجة خاصة ضحية سياسات عمومية غير متكافئة نتجت عنها معاناة فئة عريضة من المجتمع من ظروف اقتصادية خانقة وفرص عمل قليلة وانعدام السكن اللائق، ما أدى بطيف من الشباب للجوء إلى السبل السهلة وغير القانونية لكسب الأموال وعلى رأسها الاندماج في عصابات الإجرام.
لا نبحث للمجرمين عن أعذار فالقانون كفيل بهم للدفاع عن حقوق المجتمع، لكن لا ينبغي أن نوهم أنفسنا بأن اعتقال رجال الأمن لبعض الجانحين سيقضي على ظاهرة أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي، فليس هناك من خطر جدي يهددنا جميعا غير أولئك الثلاثة ملايين شاب الذين لا أمل لهم ولا عمل ولا تكوين لهم. هؤلاء مثل القنابل الموقوتة التي تتفجر أعمالها الإجرامية هنا وهناك والتخوف أن نخرج من سلوكات معزولة ومتحكم فيها إلى ظاهرة جارفة تأتي على الأخضر واليابس.
صراحة لم نلمس لحد اليوم نوايا حقيقية لدى المؤسسات الحكومية المعنية للحد من تفشي هذه الظاهرة الخطيرة، لذلك فالوقت حان مع الحكومة الجديدة لإجراء تغيير جذري في معالجة ظاهرة الإجرام في شوارع البلد، وهذا التغيير لا يحصُل بالتباكي ضد العنف أو بالاستنكار والغضب في كل فاجعة تحصل في مجتمعنا، أو باعتقال هنا أو هناك، بل بسياسات اقتصادية وتعليمية وتنموية وزجرية قبل فوات الأوان وقبل أن نصل إلى مرحلة تحطيم أرقام قياسيّة جديدة في كل يوم بحالات الإجرام، وقبل أن تصبح أخبار الجرائم لا تصدمنا، وقبل أن يتحول القتل والسرقة بالعنف إلى سلوك عادي بيننا.