حسن البصري
أقال وليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني المغربي، مدربين في مونديال قطر وثالثهما في طور الإقالة، وأنهى في ظرف وجيز مهام روبيرتو مارتينيز من تدريب المنتخب البلجيكي، وتلاه رحيل لويس إنريكي من تدريب المنتخب الإسباني، بينما لازال الاتحاد البرتغالي يبحث عن صيغة للانفصال عن المدرب فرناندو سانتوس. أضحى وليد متهما بقطع أرزاق ثلاثة مدربين دون نية إحداثه، رغم أن له سوابق في إقالة أكثر من مدرب أبرزهم موسيماني مدرب الأهلي المصري. ويمكن القول إن الركراكي ساهم من حيث لا يدري في إقالة مدرب الوداد الحسين عموتة، حلل وناقش. ويذهب بعض العارفين بخبايا الكرة أن شخصية وليد كانت وراء التعجيل بإقالة وحيد، لأن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم تبذل مجهودا كبيرا في نقل السلطات التقنية من مدرب لآخر، لأنها اكتفت بتغيير حرف واحد حين استبدلت «حاء» وحيد بـ«لام» وليد.
في كرة القدم يعرف المدرب أنه معرض للإقالة عاجلا أم آجلا، لهذا نادرا ما ترتب زوجته الأثاث أو تفتح الحقائب القديمة. في عالم الكرة هناك بند مكتوب بالحبر السري يقول: «الهزيمة الثالثة تكفي للاستقالة»، وهناك صيغ «مهذبة» لإقالة المدرب ملفوفة في ثوب التراضي المفترى عليه.
يدخل المفوضون القضائيون على الخط وتفتح غرف المنازعات مكاتبها لتلقي الشكاوي والشكاوي المضادة، ويتدخل أصحاب النوايا الحسنة بخيوطهم البيضاء، لكن تظل الهزيمة عدو المدرب حتى لو في مباراة ودية.
القضية تجاوزت حدود قطاع المدربين، فقد كانت انتصارات منتخب وليد وراء إقالة شعبان لوناكل من مهامه مديرا عاما للتلفزيون الجزائري، حيث أصدرت وزارة الاتصال الجزائرية بلاغا تنهي فيه مهام المدير شعبان لتعين بدلا منه ندير بوقابس، دون أن يقدم البلاغ تفاصيل حول أسباب إقالة مدير قضى في منصبه عاما ونصف عام فقط.
كان التغيير أشبه باستبدال لاعب في عز طراوته بلاعب رفض تنفيذ تعليمات مدربه، إذ بات واضحا أن سبب الإقالة يرجع لإشارة وردت في النشرة المسائية ليوم السبت عن انتصار المغرب على البرتغال في مونديال قطر. بينما يرى مهنيون أن القناة الدولية الجزائرية دقت آخر مسمار في نعش المدير حين أشارت إلى تأهل «أسود الأطلس» إلى الدور نصف النهائي.
الغريب في هذه النازلة أن وزير الاتصال عين بدلا عن المدير العام المقال، مدير الأخبار في المؤسسة العمومية نفسها، الذي يتحمل المسؤولية المباشرة في بث خبر فوز المنتخب المغربي في تلفزيون تخضع فيه المهنية لتأشيرة من رئاسة الجمهورية.
يرفض التلفزيون الرسمي الجزائري بث كل خبر يربط المغرب بانتصار، وعند الهزيمة يتسيد الخبر الكروي كل الأخبار، ليس المنتخب المغربي هو الممنوع من النشر بل إن القرار يشمل فريق الجيش الملكي.. تحيا المهنية.
حين فاز المنتخب المحلي الجزائري بكأس العرب، طلب من شعبان تحرير رسالة شكر لطاقم التلفزيون الحكومي الذي ساهم في هذا الإنجاز، وقال لوزير الاتصال إن ما قام به الصحافيون والتقنيون يندرج ضمن الواجب المهني، لكن باسم التعليمات رضخ المدير وشكر الصحافي و«الكاميرامان» وتقني الصوت والمزينة ومسؤول البث والمخرج، واضطر لكتابة رسالة أشبه بـ«جنيريك» ذيله بعبارة «الشكر لكل من ساهم في هذا الإنجاز».
في الإعلام الرسمي الجزائري، فقط، يتحول انتصار المنتخب المغربي إلى هزيمة للمنتخب الخصم، ويصبح جدول الترتيب معكوسا ومبعثرا. ما أعاد إلى أذهاننا قصة الإعلام الليبي في زمن الخلاف بين القذافي والسادات، حين تحولت القاهرة إلى المقهورة.
لكن أم المفارقات أن تتجند شخصيات سياسية وإعلامية جزائرية لتهنئة المنتخب المغربي عقب تأهله التاريخي لمربع أسياد الكرة العالمية، رغم الخلافات السياسية الكبيرة بين البلدين، وأن يوحد فوز «أسود الأطلس» الشعوب العربية، وينهي صلاحية لازمة: «اتفق العرب على ألا يتفقوا».