شوف تشوف

الرأي

قانون التغير والتغيير

خالص جلبي
الإنسان يتغير، والأرض تتغير، والكون يتغير، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
هذا هو قانون الوجود، كل يوم هو في شأن. وهو قانون الصيرورة، والصيرورة كلمة أشكلت علي، ولكن فكها سهل؛ فهي من التصير، وصار الشيء، أي أصبح وتغير من حال إلى حال، فالوجود هو هكذا، والله عبر عن الصيرورة بكلام في غاية الجلال والجمال، في كيفية تبدل خلق أحدنا مرتين وبدورتين.
الأولى الصيرورة في التشكل الجنيني. والثانية في تشكل الحياة طبقا عن طبق.
فمن نطفة إلى علقة فمضغة.. ثم الخلق الآخر. ثم في الحياة من ضعف إلى قوة ثم ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. وقد ينقلب أحدنا إلى الزهايمر في نهاية الدورة فلا يعلم من بعد علم شيء، ثم تكمل الحلقة دورتها، لتبدأ رحلة خلق جديدة. كذلك النشور.
وقانون الصيرورة هذا هو القانون الثالث من قوانين الوجود عند الفيلسوف اليوناني هيرقليطس، فيلسوف الصيرورة؛ وهو جدير بالحديث عنه في بحث مستقل؛ فهو يقول حين تضع ساقك في برد ماء النهر، ثم ترفعها، وتضعها مرة ثانية؛ لا يبقى ذلك النهر الذي وضعت فيه ساقك نفس النهر السابق، ولا تبقى أنت أنت!
وهو صادق وكاذب.
هو صادق لأن النهر يتغير فلا يبقى كما كان. بزخمه وكمية مائه، وتياراته، وجرفه للتربة، وعمقه كم بلغ؟
وهو كاذب كون النهر بعمومه يبقى كما هو مع تغيرات طفيفة لا تعد بالحسبان، فلو جلست ذبابة على ظهر ناقلة وبارجة اختل الميزان، ولكن برقم تافه لا نحسبه ولا نعلمه، الله يعلمه.
والنموذج على ذلك الدم في جسمنا وما فيه من أخلاط من بروتين وسكر وغازات، فلو حسبنا كمية السكر في ثانيتين في دم أي كائن لما كان نفس الرقم، ولكن حسبانه في 24 ساعة يقودنا إلى مخطط (جاوس) الاحتمالي، أي إن السكر الطبيعي في الدم، أو اليود في الدرق، ومقدار الكلور والصوديوم والبوتاسيوم في البلازما، تتراوح بين حدود ومخططات، لا تزيد ولا تنقص، وبموجب ذلك نعلم المرض من الصحة، فيقول الأطباء مثلا إن السكر عند الريق يجب أن لا يتجاوز 124 ميليغراما، وبعد الطعام بساعتين أن لا يقفز عن 140 ميليغراما ، أما رقم 200 ملغ، فهو مرض يجب تتبعه وحربه.
وكذلك الحال مع البوتاسيوم في المصابين بقصور الكلى؛ فالقفز فوق رقم 6 إنذار، أما رقم 8 فهو علامة حمراء، وقد يكون مرحلة ما قبل الوهط والموت، فوجب غسيل الدم فورا، وإلا مات الإنسان مختنقا بأدرانه، فسبحان من وضع الكلى في أجسادنا تغسل 1800 لتر من الدم على مدار 24 ساعة، بما تعجز عنه عشرات من مصالح التنظيف والزبالة في البلديات.
وقانون التغيير كما هو في الكون يتم بالنفس، والسلوك يتبع تغيير النفوس، وتغيير ما بالنفس هو من عالم الفكر، وعالم الفكر يتغير بالكلمة، لذا بدأ القرآن حملة التغيير بكلمة اقرأ، وثنى بالقلم وما يسطرون، وثلّث بالرفع بالعلم، وربّع بدمج المعرفة بالإيمان، فبؤس المعرفة بدون إيمان يشرح الصدر، ولا بورك لنا في طلوع شمس ذلك اليوم، الذي لا نزداد فيه علما يقربنا إلى الله تعالى.
وبالمقابل ما أفقر الإيمان بدون معرفة، ولا يمكن لمؤمن أن يدخل محفلا دوليا، وهو غير مدرك طبيعة إضافات المعرفة الإنسانية، وإلا كان مصيره السخرية من المحفل العالمي.
وهي إحدى مشاكل الشلل العقلي في العالم الإسلامي: الانقطاع عن المعرفة، وإعادة الالتحام بعربة التغير العالمي، وهو عمل عقلي أكثر منه اقتناء منتجات الحضارة. فالتكنولوجيا هي نتاج من نتاج، طبقا عن طبق، الفكر العلم ـ الأشياء.
قانون الصيرورة
في أيام باردة من شهر فبراير من عام 1600م، تم إحراق شخص على قيد الحياة في ساحة عامة في روما، وتدفأ الناس على لهيب الحطب. أحرق الرجل من أجل كلمتين قالها: الأولى باتساع الكون اللانهائي وتعدد المجرات، ونحن نعلم اليوم أن كوننا يحوي ما لا يقل عن مائة مليار مجرة في حجم مجرتنا درب التبانة «MILK WAY» وأكبر. والكلمة الثانية: أن الكون يقوم على جدلية الوحدة والتعدد والثبات والصيرورة. رأى الكهنوت والحرفيون الكنسيون يومها في إيطاليا أن ما هو أخطر من أفكار الرجل ومنظومته الفكرية هو خطورة حرية الفكر. ولذلك يعتبر المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت أن (جيوردانو برونو GIORDANO BRONO) مات بالأحرى شهيد حرية الفكر أكثر من فكر بعينه. بُني الوجود على جدلية رائعة كما هي محيرة بين التغير والثبات والوحدة والتعدد، فلا تشبه لحظة لحظة ولا يشبه مخلوق آخر. ضمن قانون يمسك بالحركة ويكرر المخلوقات في نسق صيرورة عامة؛ فاليوم يضم الليل والنهار ويكرر نفسه، ولا يشبه يوم آخر في حركة ضمن الفصول، وتكرر الفصول نفسها في حركة رتيبة للأرض حول الشمس، ولا تكرر نفسها في سباحة عبر الملكوت إلى أجل مسمى. قانون الصيرورة يهيمن على قوانين الفيزياء وتطور البيولوجيا ونمو العقل ومعارج النفس وحركة التاريخ ومصير الحضارات، تفهمه الفلسفة كقانون وجودي أسمى، ويرى فيه الدين الدليل على البعث والنشور من دلائل تطور وانقلاب البيولوجيا والنبات. النسبية ترى الوجود في صورة كتلة وشكل وأبعاد وزمن وكلها متغير بفعل تغير السرعة وانقلاب الزمن؛ وهي بدورها مختلفة من نظام شمسي لآخر، فالزمن يتدفق في الكون مفكك الأوصال، وليس كما رآه نيوتن قيمة مطلقة، وإن كانت النسبية اليوم تتعرض لهجمة علمية تدخل الشروخ إلى محتواها وتعرضها إلى موجة ترنح، فالفيزيائي (نيمتس NIMITZ) يتقدم بإثباتات مثيرة عن شيء أسرع من الضوء، وهو بهذا يوجه ضربة خطيرة إلى العمود الفقري للنظرية النسبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى