شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

قاد مباراة في الدوري المغربي ولم تتحقق أمنيته في قيادة «ديربي» الرجاء والوداد

حكايات قضاة الملاعب :سعيد النجيمي (حكم دولي فرنسي من أصل مغربي)

حسن البصري:

هجرة صفارة من درب السلطان إلى ملاعب بوردو

أطلق سعيد صرخته الأولى في حي درب السلطان بالدار البيضاء، وسط هذا التجمع السكني الشعبي كانت كرة القدم وجبة يومية للأطفال، حين لف الخصاص عنق الأم الثكلى قررت بيع كل ما تملك استعدادا للهجرة، أخذت أبناءها ورحلت إلى فرنسا.

في مدينة ليموج الفرنسية غير بعيد عن بوردو، تلمس سعيد طريقه نحو النجومية، كأي مهاجر يكتشف لأول مرة محيطه الجديد، سعى الولد إلى الاندماج عبر ممارسة كرة القدم، خفق قلبه لفريق بوردو بحكم عامل القرب ولأن قميص هذا النادي حمله العديد من نجوم الكرة المغربية بدءا بعبد السلام عاطف وانتهاء بالشماخ.

كان منذ صغره يمارس لعبة كرة القدم مع فريق الحي بليموج، والذي كان يلعب به شقيقه أيضا، «في كثير من الأحيان كان يطلب مني الزملاء أن أقوم بدور الحكم، ومع مرور الوقت أصبحت حكم الفريق لأن العصبة تلزم كل فريق أن يكون لديه حكما، وهكذا عندما بلغت سن 17 سنة طلب مني إن كنت أرغب في الحصول على الرسمية كحكم بالعصبة ووافقت على ذلك، دون أن أعلم بأنني سأصبح يوما حكما دوليا وهذا يشرفني ويشرف بلدي الأصلي المغرب»، يقول سعيد النجيمي.

حين كان الشاب سعيد يتلمس طريقه للنجومية كان الحكم الدولي الفرنسي فوترو مرجعا للحكام الشباب، لكن فجأة ظهر الحكم الذي سيتخذه النجيمي مثله الأعلى، فقد تم تعيين الحكم الدولي المغربي سعيد بلقولة رحمه الله لقيادة نهائي كأس العالم بين فرنسا والبرازيل، كانت المباراة حافزا لسعيد على الذهاب بعيدا في مجال التحكيم، واقتفاء أثر بلقولة الذي أعطى نفسا جديدا لمجال التحكيم المغاربي بفرنسا، وكان الشعور قويا بالنسبة له خاصة وأنه نجح في إدارة هذا اللقاء وترك سمعة طيبة للتحكيم المغربي.

لم يكن الطريق نحو النجومية سهلا، فقد قضى النجيمي 15 سنة من الممارسة، إذ انطلق الحكم المغربي من العصبة، تم أصبح حكما جهويا وبعدها نال صفة الحكم الوطني ثم حكما دوليا فمحاضرا، ذلك أن  الحكام العشرة الأوائل يصبحون حكاما دوليين من المستوى الأول، وذلك يتم من خلال التكوين المستمر، «كل شهر يحضر معنا مكون لثلاثة أيام ونقوم بتحليلات من خلال الفيديو للتركيز على الأخطاء كثلاثي، ثم هناك التداريب مع مدرب احترافي يراقب التوقيت واللياقة البدنية إضافة لطبيب يعرضنا باستمرار على المراقبة الطبية»، يقول سعيد.

 

حلم يتحقق في ملعب فاس  

يقول النجيمي بنوسطالجيا قوية: «عندما زرت المغرب في عطلة لمدة 15 يوما كان لي لقاء مع العديد من الأصدقاء والمسؤولين والصحافيين، من بينهم أحمد غيبي الذي قال لي بأنه شرف للمغرب أن يكون حكم مغربي بالبطولة الفرنسية، وعبرت له عن استعدادي لقيادة مباراة بالمغرب، قلت له إن لدي أفكارا يمكن أن أطبقها بالمغرب، فأنا لي تجاربي، وسأكون دائما سعيدا بالعودة إلى المغرب لإدارة المباريات خاصة بعد أن دخل المغرب عهد نظام الاحتراف. وحصل لي هذا الشرف، وقدت المباراة بشكل طبيعي جدا بفضل تفهم وتعاون اللاعبين، كل مغربي كيف ما كان نوعه أو تكوينه أو انتماؤه، حلمه القوي والكبير هو أن يتواجد بالمغرب سواء كان فنانا، مثقفا، رياضيا أو سياسيا».

قدر لهذا الحكم أن يعود للمغرب رفقة أمه وأخيه ليجلسا في المنصة في وطنهما وينظران إلى سعيد وهو يقود مقابلة في كرة القدم، ليس في بطولة فرنسا ولكن في بطولة هذا الوطن العزيز، لقد لبى الحكم الدولي سعيد النجيمي دعوة الجامعة للحضور إلى المغرب وإدارة أول مباراة له في وطنه الأصلي، كان أسعد الناس في إدارة مباراة الوداد الفاسي والجيش الملكي، غمرته السعادة ولفه الاعتزاز بالانتماء لهذا الوطن.

قاد النجيمي مباراة حاسمة بين الوداد الفاسي والجيش الملكي بالمركب الرياضي لفاس، وانتهت بفوز الفريق الفاسي بهدف لصفر، لكن أهم ما ميز اللقاء هو إدارته من طرف حكم مغربي الأصل وساعده الزيتوني جمال الفرنسي الجنسية والجزائري الأصل وأبيك أورلي، حيث أدار اللقاء بطريقة عادية ساعده على ذلك اللاعبون الذين تقبلوا كل القرارات بروح رياضية، رغم أن المباراة لم يكن مستواها التقني جيدا بسبب الحيطة والحذر من الطرفين، خاصة وأن فوز «الواف» ضمن لهم البقاء بالقسم الأول.

«كان شعورا غريبا وأن أدخل الملعب، في وطني الذي ولدت في تربته الطاهرة، حققت أغلى أمنية وأنا أحمل الصفارة وأعطي الانطلاقة وأمي وأخي وأسرتي في الملعب يتابعونني الحمد لله وأشكر كل الذين ساعدوني على ذلك».

ونظرا لقوة مباراة «الديربي» التي تجمع الوداد البيضاوي بالرجاء البيضاوي فإن أي حكم في العالم سيسعد بإدارتها، قال سعيد عقب مباراة فاس: «اليوم أدرت لقاء الواف والجيش، أتمنى أن أكون قد وفقت في كسب الثقة لأعود ذات يوم إلى بلدي، ولماذا لا حكما للديربي».

وأوضح سعيد بأن «الديربي» البيضاوي يعد أفضل من الفرنسي الذي يجمع أولمبيك مارسيليا وباريس سان جيرمان، من حيث الحضور الجماهيري والتنشيط في المدرجات، والذي يضفي على حد قوله رونقا وبهاء على الملعب، وأضاف أن تسويق الدوري المغربي عبر الفضائيات سيجعل الأجانب يتعرفون على أفضل بلاطو كروي، لاسيما وأن الوداد والرجاء تسبقهما سمعتهما إلى أوربا وفرنسا بالخصوص.

وأشاد الحكم الدولي المغربي بأجواء «الديربي» منذ طفولته وأنه كان يتمنى أن يقود إحدى مباريات الغريمين، مشيدا في نفس السياق بالحكام المغاربة الذين قادوا هذه المواجهة.

أبدى النجيمي إعجابه بالحكام المغاربة الذين يسجلون حضورهم في كل التظاهرات العربية والإفريقية، وحتى في كأس العالم، «هناك حكام يقودون لقاءات النهاية في كؤوس عربية وإفريقية وهذا دليل على أن التحكيم المغربي بخير مقارنة مع الماضي، لقد تطور بطريقة كبيرة وذلك ما استنتجته خلال مشاهدتي للمباريات عبر التلفزة، اليوم هناك مشروع الاحتراف للاعبين سيصاحبه احتراف في مجال التحكيم، وهذا شيء مهم جدا سيعطي مكانة أخرى للتحكيم المغربي بخروجه من الهواية للاحتراف»، كما صرح بذلك النجيمي مباشرة بعد مباراة فاس.

لكن أخبارا رافقت هذا التعيين وتحدثت عن إمكانية تعيين الحكم الدولي الفرنسي المغربي، سعيد النجيمي، لمهمة داخل مديرية التحكيم الوطنية. وحين تولى فوزي لقجع مسؤولية قيادة الشأن الكروي طفا اسم سعيد من جديد على السطح، وتناولت العديد من الصحف خبر إمكانية الاستعانة بالنجيمي، لقيادة غرفة التحكيم والإشراف على المديرية، لاسيما وأن حضور سعيد للأيام الوطنية لكرة القدم بالصخيرات، كان مؤشرا على قرب التحاق هذا الأخير بجهاز التحكيم الوطني، لكن تبين مع مرور الوقت زيف هذا الخبر، خاصة وأنه ما زال، أثناء تداول اسمه، حكما ممارسا في الدوري الفرنسي، إذ إنه سيظل يتنقل كل أسبوع بين المغرب وفرنسا.

 

المحاسب الذي يرفض اختراق «الفار» لمجال التحكيم

عاش الحكم المغربي لحظات التوهج في الدوري الفرنسي، وسجل نقط تميز عليا في كثير من المواجهات، لكنه يعتز بأدائه المبهر في المباراة الدولية الحبية التي جمعت المنتخبين الإيطالي والكامروني والتي احتضنها ملعب موناكو بفرنسا، كانت مباراة من مستوى عال وكشفت له كحكم مستوى اللاعبين الكبار الذين لا يحتجون وكل همهم هو الكرة وليس الحكم، «ترتاح أكثر وأنت تدير مقابلة من مستوى كروي عالي واحترافي».

ومن الطرائف التي تسجل في مساره التحكيمي إصراره على مصافحة اللاعبين المغاربة الذين يمارسون في الدوري الفرنسي. «قبل بداية المباراة نصافح بعضنا، يأتون عندي أحيانا أو أنا الذي أذهب عندهم، نتكلم بالعربية، وعندما أعطي انطلاقة المقابلة الكل يصبح واحدا أمام القانون وعند نهاية المباراة نعود ونتكلم بالمغربية من جديد، نضحك على أمل أن نلتقي في وجبة غذاء، أو سهرة مغربية، ويبقى الاحتراف سيد العلاقة بيننا».

ما إن حط «الفار» أقدامه في الملاعب الفرنسية حتى قدر لسعيد أن يعتزل، ويصبح مسؤولا عن التحكيم في الجهة ورئيسا لعصبتها، وخبيرا تحكيميا تسابقت العديد من الفضائيات لاستقطابه.

«أنا ضد هذه التكنولوجيا واستعمال الفيديو. لقد جربت إدارة المباريات بخمسة حكام، إلا أنني أظن بأنه علينا أن نترك اللعبة على ما هي عليه، بكل إيجابياتها وسلبياتها ليبقى ذلك التشويق، والخطأ هو إنساني ويجب أن نحترم المتفرج حتى تبقى حلاوة اللعبة. كرة القدم أو الرياضات قيمتها في حلتها الحالية دون تطويرها بالتكنولوجيا الحديثة التي قد تفسدها وتحولها إلى رياضة آلية»، كما يقول سعيد.

في مناظراته يصر حكمنا على تقديم نصائحه ويحث على أن يكون الحكم متواضعا، أن يعمل بجدية، وأن يؤمن بعمله ويتفانى في الاجتهاد، وبعد ذلك يمكنه أن يكون حكما في المستوى العالي، ويمكنه أن يفرض شخصيته كي يتطلع للعالمية.

جمع سعيد بين التحكيم والمحاسبة، حيث يعد من خبراء الأرقام في مدينته، لكن الصفارة تمارس جاذبيتها عليه، بل إن بعض مواقفه جلبت له خصوما، خاصة حين أقدم على طرد مؤطر من أولمبيك مرسيليا كان يرتدي قميصا عليه إشهار لعمل خيري لم ينتبه حكمنا لفحواه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى