فين غاديين؟
يونس جنوحي
عندما تدق أرقام المندوبية السامية للتخطيط ناقوس الخطر، يُدير المتحزبون، حتى لا نقول عنهم سياسيين، رؤوسهم حتى لا يُزعجهم المنظر.
هناك أرقام مخيفة بشأن مستقبل الشباب والوضعية الاجتماعية التي يعيشونها بين المدارس والأحياء التي يستقرون بها. بالمقابل، ليس هناك اليوم أي وعي سياسي لدى الأحزاب بطبيعة الأنشطة التي يميل إليها الشباب.
لقد ولى عهد المرشحين الذين ينظمون دوري رمضان لكرة القدم ويشترون لأبناء الحي كرة وحزمة من القمصان. ولم يعد لائقا بشباب اليوم الذين يربطون علاقات بالخارج افتراضيا كما لو أنهم يعيشون حياة موازية، أن يشاركوا في الحملات الانتخابية لمرشحين بدون مشاريع بأجرة موسمية ووجبة عشاء وفريق من «الشيخات».
لكن المؤسف أن عينات كثيرة من المرشحين للبرلمان وللجماعات المحلية، من مختلف الأحزاب والدكاكين السياسية، لا يزالون يفكرون بهذا المنطق.
سيكون صادما مقارنة وضعية الشباب المغربي خلال بداية الاستقلال، أي نهاية الخمسينات، مع وضع الشباب اليوم.
في السابق كانت هناك فرص حقيقية في العمل الجمعوي. احتك آلاف الشباب بقامات سياسية ومثقفين كانوا يشكلون الوعي الثقافي الجديد القادم من الشرق، وتأثروا بنمط الحياة الأوربي على الطريقة الفرنسية تحديدا وحاولوا نسخ تجارب شبابية من فرنسا خصوصا في المجال الثقافي.
كل هذا أفرز فرصا كثيرة لشبان الأحياء الشعبية وحتى في القرى. كان الشرط هو التفوق الدراسي. لذلك تشكل وعي مبكر لدى هؤلاء الشباب بالسينما العالمية والأدب.
أما دور الشباب فتلك قصة أخرى. لقد كانت هناك هيمنة حقيقية من السياسيين على أنشطة يوم الأحد في كل مناطق المغرب. بغض النظر عن أغاني تمجيد علال الفاسي، كانت هناك أنشطة شبابية شكلت درعا حقيقيا ضد موجة المد المتطرف التي بدأت تتشكل تدريجيا وقتها في المشرق.
لا أحد يدري تحديدا ما وقع حتى أصبحت دور الشباب مجاورة تماما للمحلبات، مع احترامنا الكبير طبعا لممارسي هذا النشاط. بأنشطة خجولة وموسمية وشبان قادمين من الفضاء الخارجي يسيرون وسط المجتمع كأنهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة.
قبل عامين قالت لنا المندوبية السامية للتخطيط أن السواد الأعظم من الشبان المغاربة لا يمارسون أي نشاط نهائيا. أي أنهم لا يدرسون ولا يتحركون في أي نشاط تجاري. قرابة المليون شاب في سن الرشد القانوني وصولا إلى نهاية العقد الثاني، لا يقومون بأي شيء على الاطلاق. سوى التهام جيوب آبائهم وأمهاتهم بطبيعة الحال.
لا يوجد اليوم أي إطار سياسي قادر على تأطير الشباب، باستثناء بعض التمثيليات الشبابية التي ليست متاحة للجميع، وتخرج كواليسها بين الفينة والأخرى لتعلن الرغبات الانتهازية لدى البعض في التسلق سياسيا على ظهر الشباب الطموح، أو ما تبقى منه على الأصح.
نحن على مرمى حجر من يونيو، حيث ستنتهي سنة دراسية ترمي إلينا بدفعة جديدة من الخريجين في كل التخصصات الممكنة، وستنجب أيضا دفعة جديدة من الراغبين في الالتحاق بالمعاه والجامعات. وبطبيعة الحال، تعزيز صفوف ملايين الراغبين في الهجرة، ما دامت أصوات حكومية تتبرئ من مسؤوليتها في إنقاذ ماء وجه التعليم في المغرب.
بما أن دور الشباب لا تتوفر إلا على كراسي قديمة ومجلات من عهد العندليب، فلا تنتظروا من الشباب أن يشاركوا في العمل السياسي ولا أن يصدقوا خطابات السياسيين. ما دام هؤلاء أنفسهم لا يعرفون ماذا يريد الشباب في هذا البلد.
الكثيرون يقولون إن قوة الشباب الضائعة تظهر في مناوشات جماهير الكرة. خصوصا عند الحديث عن شغب الملاعب. لكن الشجاعة الحقيقية تستدعي منهم الاعتراف بأن الفراغ هو من يجعل هؤلاء قابلين للانفجار وضحايا لأفكار متطرفة تجعل أي تواصل معهم مجرد شوط إضافي بدون أهداف.