حين فاز الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو بجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب، منح القراء فرحة التتويج، كما منح المنتخب المغربي جرعات الفرح لعشاق الكرة وكافة أفراد الشعب المغربي.
الكتاب المغاربة كلاعبي المنتخب يقتنصون الألقاب ويركبون صهوة البطولات، محليا وعالميا بالرغم من الجفاء الذي يميز علاقة مغاربة اليوم بالكتاب.
الكتاب المغاربة منهم المحليون والمحترفون تماما كلاعبي المنتخب الوطني. منهم الراسخون في التجارب ومنهم روائيون في المنتخب الرديف والبطولة المحلية ويسيطرون على منافسات دوري معرض الكتاب. هؤلاء الكتاب أيضا يملكون كاللاعبين سحر المراوغة وطول النفس وشهية الظفر بالجوائز والألقاب. لكنهم لا يملكون وكلاء أعمال ووسطاء يغرونهم بعقود وصفقات فلكية.
لهذا طالب الروائي جان دوست بتنظيم مونديال للكتاب، يشد إليه الأنظار وتتسابق لشراء حقوق بثه الفضائيات الثقافية، صحيح أن الفوز بجائزة نوبل للأدب يوازي الظفر بكأس العالم، لكنها تبقى جائزة فردية لا تختلف كثيرا عن الجائزة الماسية لألعاب القوى على اعتبار أن الفوز كان للفرد وليس للفريق.
لكن نادرا ما يكشف الكتاب المغاربة عن انتماءاتهم الكروية، عن الفريق الذي يساندونه سرا ويصنفونه في دائرة «العشق الممنوع».
في مصر روائيون وشعراء يعلنون انتماءاتهم دون أن يتراشقوا، بل يجعلون إنتاجاتهم الأدبية في خدمة الكرة، يمكن الرجوع إلى ما كتبه أنيس منصور أو طارق إمام وأحمد فؤاد نجم لنقف على إسهامات الأقلام في تحفيز الأقدام الأهلاوية. نفس الطفرة نشاهدها في ضفة الزمالك مع نجيب محفوظ وخيري شلبي ومصطفى الفقي واللائحة طويلة.
في بلدنا هناك استثناءات قليلة لأدباء خفقت قلوبهم للكرة، فالأديب عبد الكبير الخطيبي كان لاعبا ومتيما بالدفاع الحسني الجديدي، والروائي حسن نرايس لازال يرابط في الملاعب عشقا للاتحاد البيضاوي الذي رمت به الأقدار لدوري المظاليم، وعبد الكريم جويطي أحب رجاء بني ملال سرا وعلانية.
عندما داهم المرض الكاتب محمد خير الدين، قرر الكشف عن فريقه المحبوب، حسنية أكادير، قال لرفاقه في مقهى باليما بالعاصمة، «دعوني أشاهد مباراة الحسنية والفتح سأقتص تذكرة عبور للملعب هناك أجنحة الصداقة التي تغمرني بنورها الرحيم، في زمن لا يملك فيه الكاتب سوى الحروف التي ليس في مستطاعها تأدية تكاليف الأطباء».
قيل والعهدة على «الضاوي» إن محمد شكري اقتيد يوما إلى ملعب مرشان لمتابعة مباراة جمعت فريق نهضة طنجة بفريق بيضاوي، قبل أن تدخل النهضة عهد الانحطاط الكروي. ظل صاحب الخبز الحافي يقحم نفسه بين الفينة والأخرى في النقاش البيزنطي حول الكرة، بعد أن يعجز عن تغيير «موجة» النقاش.
في الدار البيضاء عشق إدريس الخوري فريق الحياة ونجم الشباب بالانتماء لدرب غلف، كما عشق السيجارة التي لازمت شفتيه. وفي مراكش تبين أن الروائي عبد العزيز آيت صالح كان لاعبا سابقا للمولودية المراكشية، وحين «علق السباط» انكب على كتابة روايات ما بعد الاعتزال.
هناك قاعدة عامة، الموهبة الكروية تبدأ من ملعب مترب، والموهبة الأدبية من مقهى شعبي، لكن نادرا ما يتألق الأدباء في ملاعب الكرة لأنهم يخشون على رؤوسهم من كدمات الكرة، حتى الذين تجشموا عناء اللعب ظلوا يتحاشون التصدي للكرات العالية برؤوسهم، كي لا تضيع أفكارهم.
في زمن يرفض فيه أغلب الأدباء المغاربة الكشف عن انتماءاتهم الكروية، اتقاء غارات قادمة من المعسكرات المناوئة، فيكتفون بكتابة قصائد الغزل ليلا وروايات العشق الممنوع ثم يمزقونها حين يفتح الصبح ستائره، حتى لا ينكشف حبهم.
نحتاج اليوم لتصنيف عالمي للكتاب يسيطر فيه المغرب على أعلى المراتب، رغم أننا أمة إقرأ التي لا تقرأ.
حسن البصري