في نقد الفاعل السياسي
جمال مكماني
ما الذي يفعله الفاعل السياسي ببلادنا خلال أزمة فيروس كورونا؟ هذا سؤال مستفز، وللإجابة عنه علينا أن نوضح ما الذي لا يفعله هذا الفاعل في ظل سياق يتسم بالتراجع الكبير للممارسة السياسية الحزبية، نتيجة ابتعادها عن القضايا الحقيقية والتفرغ لمعالجة القضايا الزائفة.
وهذا ما يتم تكريسه خلال هذه الأزمة أيضا، الأمر الذي يزكي ذلك الانسحاب غير المبرر للفاعل السياسي عن الساحة والانصراف تجاه ممارسة مهام أخرى غير مهامه الأساسية، حيث أصبح يجد أريحية كبيرة في انسحابه من الفضاء العام، وممارسة فعله السياسي بطريقة غير مباشرة، غالبا ما يتوارى خلف الفاعل المدني أو «فاعل الخير»، في صورة تشبه إلى حد كبير التحايل من أجل إخفاء حقيقة فعله (السياسي)، إنه يعيش على إيقاع الإحراج من صفته.
إن الفاعل السياسي ببلادنا لا يجدد ممارسته داخل الحقل الذي يشتغل فيه، بل يسعى إلى تجديدها داخل مجالات أخرى، في محاولة يائسة منه لإخفاء دوافعه الحقيقية من وراء سلوكه الاجتماعي، يتقمص أدوارا أخرى غير دوره الأساسي ويتقنها أكثر. فبدل أن يخرج الوزير مثلا لكي يوضح للمواطنين، كل ما يتعلق بهذه الأزمة داخل القطاع الذي يشرف عليه، ويقدم الطمأنة الضرورية من خلال البرامج المقترحة والسيناريوهات المحتملة، نجده تاركا كل ذلك، ومنصرفا منشغلا بكيفية تدبير عدد أكبر من المساعدات الغذائية (القفة) داخل الدوائر الانتخابية التي يراهن عليها، ويسعى إلى تحصينها من هجوم محتمل، مزاحما بذلك المؤسسات الموكول لها القيام بهذه المهمة. وهذا السلوك له انعكاسات وخيمة على الممارسة السياسية، لأنه ليس مؤلما فقط، بل لا يحتمل أخلاقيا ولا قانونيا. الغاية من تواجد الفاعل السياسي، لا تكمن في تكريس الأزمات واستغلالها وتربية المواطن على الخمول والكسل، والتصرف وفق كيفية تفكيره.. بل تتجلى في إيقاظ خمول المواطنين ورسم الأفق الواسع لتفكيرهم وصناعة الأمل لهم، واقتراح الحلول الاستراتيجية للخروج من الأزمة، والعمل على توفير شروط الإنتاج التي تجعل من المواطن منتجا وليس معوزا. إن الفاعل السياسي ببلادنا للأسف يحفر قبره بيده بشكل يومي من خلال ممارسته السياسية، ما دام أنه لا يتميز بالجرأة اللازمة لكي يتبنى ممارسة جديدة.
تنبغي حماية المجتمع من بعض ممارسات الفاعل السياسي، وذلك بدفعه إلى الاختيار ما بين أن يكون فاعلا سياسيا وفقط، أو أن يكون فاعلا مدنيا أو « فاعلا للخير»… بين ممارسة مهمته؛ التي ينبغي أن تكون محاسبته على أساسها من طرف المواطنين، وممارسة مهام أخرى أصبحت تؤثر على موضوعية هذه المحاسبة.
خلال هذه الأزمة ولد السياسيون لدينا انطباعا كما لو أن الأمور تمشي من تلقاء ذاتها، وليست في حاجة إلى الفاعل السياسي، الذي يشرف على إدارة شؤون المواطنين من خلال القطاع الذي يشرف عليه، وهذا أمر خطير جدا على الممارسة السياسية برمتها. لم يعد السياسي يحظى بالاهتمام من طرف المواطن ولا بالتقدير أيضا، إنه يعيش عزلة شبه تامة. لقد فقد جميع أدواره؛ غاب دوره في تأطير المواطنين والتأثير عليهم، وغاب دوره على مستوى تنظيم الشأن السياسي، وغاب عنه تملك المشروع السياسي، وغاب دوره في تملك زمام المبادرة، وتولد لديه إحساس شبيه بإحساس العجوز التي تجاوزها دوما الركب.
إننا في حاجة ماسة إلى تجديد شروط الممارسة السياسية، لكي نتمكن من تذويب الهوة بين المواطن والممارسة السياسية، ولكي نحرر الممارسة السياسية من السيطرة المطلقة لمحترفي السياسة. وذلك عن طريق الحسم مع الأجوبة النهائية عن القضايا المطروحة للنقاش، بل وهدمها من أجل إعادة بنائها من جديد، لكي نسمح بانبثاق وجهات نظر جديدة، تنطلق من البحث والتشكيك النظري في الأفكار والممارسات السياسية، التي سادت لحدود اليوم. وهذا كله لن يتأتى إلا بامتلاك الجرأة الكافية من طرف الفاعل السياسي، لإعادة التوازن لذاته وللحقل الذي يشتغل من داخله.