شوف تشوف

الرأيالرئيسية

في مديح «العيد لكْبير»..

 

 

يونس جنوحي

قبل أن يُصاب العالم بلوثة المبالغة في فتح الجبهات الحقوقية، كان الأجانب يحتفلون إلى جانب المغاربة بعيد الأضحى، قبل أن يخرج هؤلاء الذين تركوا كل مشاكل الإنسان جانبا، وتجنّدوا لجعل العالم كله يصبح نباتيا!

حسب آخر الدراسات، فإن النباتيين يؤذون البيئة والكوكب أكثر مما نفعل نحنُ أكلة اللحوم. الأشخاص النباتيون يستهلكون الفواكه – الاستوائية خصوصا- ويلتهمون يوميا مزارع كاملة من الخضروات. حتى أن بعض الشركات، التي تُنتج الأطعمة الموجهة لـ«الحقوقيين البناتيين»، تستهلك أطنانا من كيروزين الطائرات لتنقل يوميا شحنات من المزروعات من الجزر في المحيط الهادي إلى نيويورك – معقل النباتيين- وتلوث البيئة أكثر مما تلوثها شاحنات شركات اللحوم.

لحسن الحظ لم يعد أحد يسمع هذيان الذين شنوا قبل سنوات حربا على عيد الأضحى وطالبوا بإلغائه بحجة أنه يأتي سنويا على ملايين رؤوس الأضاحي التي ينحرها المسلمون في هذه المناسبة حول العالم. إذ اتضح أن أكثر أصناف اللحوم استهلاكا في العالم، لحوم الخنازير، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. وهذا يعني أن الغرب أكثر استهلاكا لقطعان اللحوم، متصدرا القائمة بلحم الخنازير الذي لا يأكله المسلمون نهائيا. بينما لحم الغنم والبقر يأتي رابعا في القائمة، وهذا ما جعل نظرية تجريم احتفال المسلمين بنحر الأضاحي تبدو حمقاء تماما.

في زمن الأبيض والأسود، عندما كانت طنجة منطقة دولية، لم يكن الأجانب المُقيمون في المدينة، في واحد من أكبر تجمعات الأجانب في العالم – وبينهم دبلوماسيون وأثرياء وأبناء عائلات أرستقراطية ثرية- يشاركون المسلمين في الاحتفال بعيد الاضحى. ولم يكن غريبا أن ترى أجنبيا ببذلة من نيويورك أو لندن يتأمل ساعته الذهبية في رحبة الغنم ويفاوض حول الثمن ثم يتقدم بين أزقة مرشان أو سوق الداخل متبوعا بالخادم لينقل الكبش إلى حديقة المنزل في انتظار صباح عيد الأضحى، بل حتى الأجنبيات كن يواظبن على مشاركة جيرانهن المسلمات في احتفالات العيد وطقوس ذبح الأضاحي وتحضير اللحوم.

الأمريكيون، الذين كانوا يقيمون في طنجة الدولية، تركوا تقاليد أمريكية لدى بعض العائلات المغربية، ونقلوا منهم أجواء وطقوس إقامة حفلات الشواء في الهواء الطلق خلال فصل الربيع. هؤلاء لم يكونوا ينتظرون عيد الأضحى ليستهلكوا اللحوم بكثرة. بالإضافة إلى أن الجاليات الأجنبية، التي كانت تعيش في المدينة، كانت بدورها تحيي بعض الأعياد والمناسبات بأكل اللحوم، بينما «جبالة» يُوفرون لها حاجتها من الديكة الرومية ولحوم البقر والغنم. حتى أن هناك فتاوى صدرت من طنجة أباحت للمسلمين بيع لحوم الخنزير وتوفيره للمسيحيين المُقيمين والسياح في أقدم فنادق طنجة.

الأكثر من هذا أن الأجانب، الذين عاشوا في طنجة، كانوا يمارسون القنص والصيد أكثر من المغاربة وأسسوا ناديا للصيد قبل أزيد من 130 سنة، وتفننوا في تحنيط رؤوس الطرائد وتعليقها بافتخار في الصالونات وبهو الفنادق والفيلات وإقامات «جبل لكبير».

دار الزمن دورته وظهر في أوروبا وأمريكا من يستكثرون على الشعوب، بمختلف المعتقدات، الاحتفال. وهؤلاء يتجهون إلى تجريم كل ما يُفرح الشعوب حول العالم ويتدخلون في كل ما هو مقدس. هناك معتقدات قديمة تُحرم على معتقديها أكل اللحوم، وتعود هذه المعتقدات إلى آلاف السنين، ولم يحدث أبدا أن دعت هذه الشعوب – خصوصا في الهند وشرق آسيا- أي شعوب أخرى إلى الامتناع عن أكل اللحوم والاكتفاء بأكل الخضر والنبات. لكن عندما أصبح الأمر تسويقيا، في إطار حقوقي مغشوش، صار همّ النباتيين فتح حرب على من يأكلون اللحوم بدل أن يركزوا هم أنفسهم على أكل «الربيع»!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى