في الذكرى الـ73 للنكبة الفلسطينية
سهيلة التاور
في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يستعدون لإحياء الذكرى السنوية الـ73 للنكبة الفلسطينية الأليمة، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية إثر محاولة القوات الإسرائيلية الاستيلاء على منازل سكانها الأصليين الفلسطينيين وتسليمها للمستوطنين منذ الاثنين 13 أبريل. محاولة الاستيلاء أدت إلى اشتباكات وقصف متبادل ما زال مستمرا منذ أزيد من أسبوع، في أسوأ تصعيد منذ سنوات تسبب في سقوط عدد من الشهداء والإصابات معظمها في صفوف الفلسطينيين.
صادف أول أمس الـ15 من ماي، ذكرى النكبة الفلسطينية رقم 73 لشعب فلسطين، وهو اليوم الذي أتمت فيه العصابات الصهيونية احتلال معظم أراضي فلسطين عام 1948، بعد أن طردت سكان المدن وأحرقت معظم البلدات ودمرتها بالكامل، بعد أن ارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين العزل.
خلال ذكرى النكبة الفلسطينية يسترجع شعب فلسطين مأساة تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة، كما تصادفت الذكرى مع العدوان الإسرائيلي على غزة والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، فقد سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة الفلسطينية على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتمّ تدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تمّ إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
كما شهد عام النكبة الفلسطينية أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجازر دير ياسين والطنطورة، وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة والاحتلال الإسرائيلي من الجهة المقابلة.
وفي النكبة الفلسطينية، جرى تدمير ومحو531 بلدة وقرية، وإنشاء مستوطنات إسرائيلية على أراضيها، كما احتلت المدن الكبيرة وشهدت بعضها معارك عنيفة وتعرضت لقصف احتلالي أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة منها، ومنها اليوم ما تحول إلى مدينة يسكنها إسرائيليون فقط، وأخرى باتت مدنا مختلطة.
وبحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، بشأن النكبة الفلسطينية، بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيما رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيمًا في لبنان، و19 مخيمًا في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
وسيطر الاحتلال الذي أعلن قيام دولته في مثل هذا اليوم قبل 72 عامًا، على 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كيلو متر مربع)، وذلك بدعم من الاستعمار البريطاني تنفيذا لوعد بلفور المزعوم عام 1917 وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، والدور الاستعماري في اتخاذ قرار التقسيم، (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، الذي عملت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على استصداره)، ثم جاءت النكسة وتوسع الاستيطان والتهجير، وسيطر الاحتلال على أكثر من 85% من مساحة فلسطين.
وفي ذكرى النكبة الفلسطينية، بلغ عدد الفلسطينيين في نهاية عام 2019 حسب الجهاز المركزي للإحصاء حوالي 13 مليونًا، منهم نحو 5 ملايين فلسطيني يعيشون فـي الضفة وقطاع غزة، (43% منهم لاجؤون حسب التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017)، وحوالي مليون و597 ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة عام 194، فيما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 6 ملايين، وفي الدول الأجنبية حوالي 727 ألفًا.
عودة شبح النكبة
منذ 13 أبريل الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية (تزامنا مع ذكرى النكبة الأليمة التي تحل منتصف أبريل من كل سنة) جراء اعتداءات “وحشية” ترتكبها الشرطة الإسرائيلية ومستوطنون في القدس والمسجد الأقصى ومحيطه وحي “الشيخ جراح”، الذي تحول إلى نقطة انفجار بعد الإعلان عن مخطط إسرائيلي يتضمن إخلاء بيوت من سكانها الفلسطينيين، وبناء 200 وحدة سكنية لإسكان مستوطنين يهود وسط هذا الحي العربي، وعزز ذلك إصدار المحاكم الإسرائيلية قرارات بأحقية مجموعة مستوطنين في المنازل التي بنيت على أراض كان يملكها يهود قبل حرب 1948. ما تسبب في وقوع صدامات واشتباكات عنيفة بين متظاهرين فلسطينيين من جهة، ومستوطنين وقوات الشرطة الإسرائيلية من جهة أخرى، أسفرت عن وقوع ضحايا بين الفلسطينيين.
ولطالما سعت إسرائيل إلى السيطرة على الحيّ بموقعه الهام الذي يربط بين شرق القدس وغربها، ويعتبر نقطة رصد استراتيجيّة مهمة لتل أبيب.
قصف المنازل والأبراج السكنية
بعد اشتداد المواجهات بدأت القوات الإسرائيلية بالهجوم من خلال الصواريخ منذ الاثنين الماضي، استهدفت عدة مبان سكنية خلال القصف على قطاع غزة، بمزاعم أنها تضم مكاتب لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”. واستهدفت برج الجلاء بسلسة غارات أدّت إلى انهياره بالكامل. ويعد برج الجلاء من أول الأبراج السكنية التي بنيت في غزة ويتكون من 15 طابقا و60 شقة ويضم مقارا لشركات ومؤسسات اقتصادية ومكاتب لقنوات إخبارية عربية مثل “الجزيرة” ودولية مثل “أسوشيتد برس” ومحطات إذاعية محلية.
وفي أول تعليق للمقاومة على تدمير البرج، قال أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إن على “سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على قدم واحدة، وأن ينتظروا ردّنا المزلزل”، وكانت القسام قالت إنها جهزت نفسها لقصف تل أبيب 6 أشهر متواصلة. كما قالت سرايا القدس في بيان إن “العدو يرتكب حماقة سيدفع ثمنها غاليا باستمرار عدوانه وهدم المباني والأبراج المدنية”.
وبالمقابل، قال الجيش الإسرائيلي إنه كانت توجد في مبنى الجلاء مكاتب إعلامية مدنية “تتستر من ورائها حماس وتستخدمها دروعا بشرية”.
واستهدفت كذلك برج “مشتهي ـ القاهرة” في مدينة غزة ضمن سلسلة غارات ضد أبراج غزة بعد إعطاء السكان مهلة أقل من 10 دقائق للإخلاء قبل القصف، وسط إدانات دولية، نظرا إلى الطابع السكني لهذه المنشآت، لأنها لا تدخل ضمن الأهداف العسكرية.
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت، ليلة أول أمس السبت، منزلا في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في مدينة غزة، ودمرته بالكامل فوق رؤوس ساكنيه، ما أودى بحياة عشرة أشخاص جلهم من الأطفال، بالإضافة لإصابة أكثر من ثلاثين شخصا، حسب إفادات المصادر الطبية في قطاع غزة.
وقالت الرئاسة الفلسطينية، في بيان لها: “الحرب الإسرائيلية مستمرة على الشعب الفلسطيني منذ 73 عاما، وآخر هذه الجرائم، إبادة عائلة أبو حطب بأطفالها ونسائها وشيوخها، وتتحمل حكومة الاحتلال مسؤولية وتداعيات ذلك”.
صواريخ المقاومة
قالت كتائب القسام إنها قصفت مدينة أسدود بالصواريخ فجر أول أمس السبت، وأوضحت أن ذلك يأتي انتقاما للضحايا في الضفة المحتلة وردا على استهداف المدنيين شمالي غزة.
وفي وقت سابق قصفت القسام مدينة بئر السبع بالصواريخ ردا على الأحداث في الضفة الغربية. وقالت سرايا القدس إنها قصفت بالصواريخ يوم الثلاثاء الماضي عسقلان بـ137 صاروخا من العيار الثقيل خلال 5 دقائق وسديروت ونتيفوت وياد مردخاي ونحال العوز وإيرز وكرميا. كما قالت سرايا القدس إنها قصفت موقع كرم أبو سالم العسكري بعدد من قذائف الهاون وصواريخ بدر-1.
وقتل إسرائيلي وأصيب العشرات في قصف للمقاومة برشقات صاروخية استهدفت تل أبيب وضواحيها ردًّا على مجزرة مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين.
قال الجيش الإسرائيلى إن حوالى 2500 صاروخ انطلقت من غزة صوب إسرائيل منذ يوم الاثنين الماضي وإن الدفاعات الصاروخية اعترضت حوالي ألف منها وسقطت 380 منها داخل قطاع غزة.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة مساء أول أمس ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية إلى أكثر من 145 شهيدا، بينهم 39 طفلا و22 سيدة، وذكرت أن عدد الإصابات ارتفع وتخطى الألف.
وفي المقابل، قالت سلطات الاحتلال إن عدد القتلى في إسرائيل بلغ10، وهم جندي كان يقوم بدورية على حدود غزة و9 مدنيين.
خسائر مادية
تسببت العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية في تضرر 4 آلاف و271 منزلا وقصف 76 برجا ومبان سكنية وهدمها بشكل كامل إضافة إلى قصف 63 مبنى حكوميا وتضرر 34 مدرسة وعيادات رعاية صحية إضافة إلى تضرر 23 مقراً إعلامياً ومؤسسات اقتصادية واجتماعية.
وتم قصف مزارع حيوانية وأراض زراعية بقيمة وصلت إلى 10 ملايين دولار وقصف شوارع وبنية تحتية بلغت قيمتها نحو 20 مليون دولار إضافة إلى قصف 4 بنوك محلية.
وتضررت نحو 120 سيارة ووسيلة نقل خاصة بقيمة 5 ملايين دولار، إضافة إلى تضرر قطاع الاتصالات والطاقة بقيمة 12 مليونا و100 ألف دولار وتدمير مسجدين بشكل كامل وتضرر العشرات من المساجد والكنائس بقيمة وصلت إلى مليون دولار.
الوساطات الدولية
سعيا لإرساء الهدنة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فإن أمريكا ومصر تحاولان التفاوض مع الطرفين لوقف النار من خلال مشروع هدنة في القطاع. والتفاوض سيكون على هدنة طويلة مع تعهد مكتوب بعدم التصعيد مستقبلا، وسيعرض وفد مصري في تل أبيب مشروعاً مبدئياً. كما سيضمن مشروع الهدنة الدائمة إعادة إعمار غزة والسماح بدخول مواد البناء. إلا أن المصادر أكدت أنه ورغم الاقتراحات، لا نتائج حتى الآن للوساطة المصرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وقررت القاهرة، حينها، الرد على الرفض الإسرائيلي بتجميد عدد من الملفات مع تل أبيب، محذّرة إسرائيل من استمرار العملية العسكرية ورفض الهدنة.
والجمعة الماضية، طالبت مصر دولا غربية بالضغط على إسرائيل للقبول بهدنة لأيام، مشيرة إلى أن استمرار القصف الإسرائيلي على غزة يمنع لقاء الوفد الأمني المصري بالفصائل الفلسطينية. طلبت من تل أبيب التهدئة لتتمكن من إدخال مساعدات علاجية إلى غزة، كما طلبت وقف القصف الجوي على غزة لإجلاء المصابين.
وبدوره، باشر المغرب، منذ بداية وقوع العدوان الإسرائيلي الحالي، اتصالات مكثفة مع أطراف عديدة لوقف التصعيد والعودة إلى طاولة الحوار، خصوصا أن دعم القضية الفلسطينية يحظى بمتابعة ملكية في المغرب.
وثمن البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الافتراضي الطارئ للجنة المندوبين الدائمين للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بـ”الدور الي تقوم به رئاسة لجنة القدس لحماية المقدسات في القدس الشريف، والوقوف في وجه الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدف تهويد المدينة المقدسة”. ورجحت بعض المصادر المتابعة للتطورات أن تدفع الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة إلى عقد اجتماع عاجل للجنة القدس، التي يرأسها الملك محمد السادس، للخروج بمبادرة عربية قوية لتهدئة الأوضاع من قبل الجانبين والحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس وحماية الطابع الإسلامي للمدينة وحرمة المسجد الأقصى.
ويذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أجرى عدة اتصالات مع عدد من القادة والمسؤولين، منذ الاثنين، أكد خلالها ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وبحث خطوات حشد موقف عربي ودولي ضدها. وشملت الاتصالات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان “نقوم بمشاورات كعضو غير دائم بمجلس الأمن لوضع حد للتصعيد في غزة ولسقوط مزيد من الضحايا”. وأضاف البيان أن تونس تواصل القيام بتحركات واسعة في مجلس الأمن لوقف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني. ومن خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيس الحركة بالخارج خالد مشعل.
واقترحت السعودية عقد اجتماع طارئ لمدراء اللجان التنفيذية في وزارات خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي بشأن فلسطين.
وأوضح بيان للإليزي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواصل اتصالاته بجميع الأطراف لوضع حد للتصعيد، وأنه أكد لنتنياهو التزامه الراسخ بأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس.
ومن جهة أخرى، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماع لمجلس الأمن الروسي، من أن التصعيد الحالي في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل خطرا مباشرا على مصالح بلاده الأمنية. وأفاد الإعلام الروسي بأن موسكو أجرت في الأيام الأخيرة سلسلة اتصالات في مسعى لتهدئة الوضع في المنطقة.
ورفضت إسرائيل كافة المبادرات والوساطات، مؤكدة أنها مصرة على القيام بعملية عسكرية موسعة في غزة، لتدمير الإمكانيات العسكرية للمقاومة الفلسطينية ثم توافق بعدها على التفاوض.
مساعدات لفلسطين
أصدر الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، تعليمات بإرسال مساعدات إنسانية طارئة للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة.
وتتكون هذه المساعدات الإنسانية من 40 طنا من المواد الغذائية الأساسية، وأدوية للحالات الطارئة والبطانيات. وسيتم تسليم المساعدات الإنسانية بواسطة طائرات القوات المغربية.
ويأتي قرار الملك محمد السادس كجزء من دعم المملكة المستمر للقضية الفلسطينية العادلة وتضامنها المستمر مع الشعب الفلسطيني الشقيق.
وختم البلاغ بالقول “إن المملكة المغربية، التي تضع القضية الفلسطينية في مقدمة انشغالاتها، تظل وفية لتمسكها بتحقيق حل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، من خلال إقامة دولة فلسطينية داخل حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.