في الحاجة إلى معارضة
يطوف رؤساء فرق المعارضة البرلمانية بمجلس النواب على أمنائهم العامين، في خطوة لإيجاد أرضية للتنسيق السياسي والتشريعي رغم ثقل الماضي المليء بالخصومة التاريخية والشخصية، فلا أحد يمكنه أن يتجاهل المستوى الدنيء الذي وصلت إليه المواجهة بين عبد الإله بنكيران وإدريس لشكر، ولا أحد يمكنه أن يتناسى الحرب السياسية بين نبيل بنعبد الله ولشكر التي لا تتناسب مع الإرث السياسي لحزبين ولدا في حضن اليسار والحركة الوطنية.
صحيح أنه من البديهي أن كل الأنظمة والتيارات السياسية في العالم، تشهد بعض التجاذبات والاصطفافات قبل وبعد كل انتخابات دورية، إلا أن الميزة في المغرب هي استمرارها غير المبرر وتحولها إلى تصفية حسابات شخصية، واتخاذ هذه التجاذبات في كثير من الأحيان إلى السب والقذف والاتهامات الغليظة، ويكفي الرجوع للتسجيل الأخير لعبد الإله بنكيران للوقوف على حجم النقد الذي وجهه للشكر الذي يطلب وده اليوم.
وفي الحقيقة فإن واحدة من سيئات هذه التجارب السياسية لما بعد دستور 2011 الذي فاق عمره من العقدين تقريباً أنها لم تستطع أن تنتج معارضة حقيقية وتشبه المغاربة وتدافع بشراسة عن مطالبهم، معارضة تراقب أداء السلطة التنفيذية والأغلبية الحكومية حال ما تخطئ أو تتراجع عن وعودها التي طرحتها، معارضة تستجوب وتحاسب وتضغط بعيداً عن الصراع السياسوي لكي لا تتغول الحكومة وتصبح اللاعب الوحيد في ملعب السياسة تفعل ما تشاء كما تشاء وقتما تشاء .
والواقع أن «البروفايلات» التي تقدمها أحزاب المعارضة للحد من السلطة التنفيذية سواء على مستوى القيادات الحزبية أو البرلمانية لا تبعث على الاطمئنان ولا تشجع على توقع الكثير من الانجاز، فهي ستبقى معارضة هشة شاردة معرضة للحرب الداخلية مادام أن بنكيران ولشكر وبنعبد الله قد حرقوا بالأمس كل السفن بينهم ومن المستحيل أن يجتمعوا على طاولة واحدة، وإذا حدث ذلك سيكون بمثابة مسرحية هزلية ستسيء للمعارضة أكثر مما ستخدم صورتها لدى الرأي العام، لأن تلك الأطراف نسيت في غمرة حماستها الانتخابية أن الكلمة السياسية هي مسؤولية تربط ألسنة الساسة كما تربط الأبقار من قرونها، فلا يمكن اليوم بعد ترسيخ بنكيران لعقيدة العداء ضد الاتحاد الاشتراكي أن نجده جنبا إلى جنب مع لشكر بدون شك ستكون الصورة مأساوية وباعثة على السخرية السوداء.
مما لا شك فيه أننا في حاجة للمعارضة فالسياق السياسي لا يسمح بتفرد الحكومة والأغلبية، لكن نحن في حاجة كذلك إلى رجالات المعارضة الذين يشعرون بالمسؤولية الوطنية والدستورية الملقاة على عاتقهم وليس لأشخاص يصرفون كل يومهم لحكي «خرايف زمان».