شوف تشوف

الرأي

فواكه الفكاهة

دأب واضعو الشبكات البرامجية في القنوات المغربية والعربية على اقتراح الفقرات الفكاهية كطبق رئيسي في أمسيات وليالي رمضان، فيما تكاد تغيب الفكاهة في باقي الشهور الأخرى ويتم تعويضها بالمسلسلات الدامعة والبكائيات الغرامية التي يتخللها غير قليل من العنف ومشاهد الانتقام والمواجهات الدامية بين الخير والشر، خصوصا بعد أن تمكنت الإنتاجات الدرامية التركية والمكسيكية من بسط هيمنتها المطلقة على المشهد التلفزي العربي، إلى درجة أن قناة مغربية مثل دوزيم وضعت بيضها كله في مسلسل «سامحيني» وراهنت عليه لكي تضمن نسب مشاهدة تستحق الذكر.
واختارت القنوات العربية في رمضان من أصناف الفكاهة أخفها وطأة وأقلها ضررا حتى لا ترهق الصائم وتدفع به إلى طرح أسئلة محرجة كما تتوخى ذلك أصناف السخرية الأخرى ذات الرهانات السابحة ضد التيار، كما مارسها العرب قديما وخصوصا عبر أعمال الجاحظ وابن المقفع وابن الرومي. وقد بلغت تلك السخرية أوجها لديهم إلى درجة تعرضوا بموجبها لكافة أنواع التنكيل والمتابعة، كما كان الحال مع الجاحظ وابن الرومي، أو للقتل كما حدث مع ابن المقفع.
لكن هناك أنواعا من السخرية الهادفة وغير العابثة يمكن للمجتمعات أن تتعايش معها أو قد ترى فيها ترافعا من أجل تحقيق مطالب العدل والكرامة، أو مرآة تعكس عيوب وشوائب المجتمعات المسكوت عنها كما كان الحال مع أعمال موليير وفولتير ورابلي وسيرفانتيس قديما، أو لدى بعض الساخرين في أصناف فنية متعددة من مسرح وسينما وأدب أتقنها فنانون أوروبيون وأمريكيون وروس وعرب.
وقيل أن كلمة «فكاهة» مشتقة من كلمة «فاكهة»، لكن الأكيد أن أغلب فواكه الفكاهة العربية كانت ناضجة تفيد صحة مستهلكها، وقد تسللت إليها فواكه استنفدت صلاحيتها أو ملغومة بديدان العبث الغوغائي أو هوس الإضحاك من أجل الاضحاك، أو استهداف الترفيه بالتهريج والتلاعب الأجوف بالكلمات والحركات المجانية التي لامبرر فنيا لها.
وقد غرقت الفكاهة المغربية في هذا المستنقع حين اختارت السهولة في التناول والتعبير وغيبت المضامين إلى درجة الصفر ولم تطمح سوى إلى الرفع من نسب المشاهدة حتى تتمكن الشركات المنتجة من الحصول على عقود جديدة وأرباح بأقل الجهود والتكاليف على حساب المشاهد والمتلقي وأحيانا على حساب المشاركين في العمل أنفسهم، وأخيرا على حساب أجيال جديدة من المشاهدين سيعتقدون عبثا أن ما يقدم إليهم هو الفكاهة في أرقى مستوياتها، وهو إفساد للذوق ما بعده من إفساد، وهذا ما تجني به الفكاهة العربية على التربية الفنية للأجيال كل رمضان حين تطالب الصائم بالتسلح ضدا على رداءتها بشعار «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى