شوف تشوف

شوف تشوف

فكها يا من وحلتيها (2/2)

رئيس الحكومة الذي ظل صامتا بانتظار هدوء العاصفة، قال إنه «نوض القيامة» من أجل أن يعرف ما الذي حدث وأنه ضد التعنيف وضد مخالفة القانون أيضا. «دابا بغينا غي نعرفو واش هادوك اللي مارسو التعنيف وخالفو القانون خدامين مع شي وزارة داخلية أخرى من غير هاديك ديال بنكيران»؟
لكن بنكيران «يتملمص» كالسمكة ويتلون كالحرباء، وفي تصريح واحد يقول الشيء ونقيضه. فحسبه كان هناك استعمال غير متناسب للقوة ولذلك نوض القيامة واتصل بوزيره في الداخلية لكي يستفسره حول ما وقع، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يظهر متعاطفا مع الأساتذة المعنفين ضد إخوانه في الأمن، وكأن هؤلاء الأساتذة الذين تم سلخهم «جابهم الواد» وليسوا إخوانه هم كذلك.
والخطير في ما قاله بنكيران عن ضرورة عدم وجوب أن نتضامن مع الأساتذة حتى لا نظهر بمظهر من يقف ضد الإدارة، هو أن كل من أعلن تضامنه مع هؤلاء الأساتذة بنظر رئيس الحكومة هو بالضرورة ضد رجال الأمن، والحال أن رجال الأمن مغاربة مثلنا جميعا ولا يستحقون منا سوى الاحترام والتقدير على جهودهم التي يبذلونها للحفاظ على الأمن العام، وهم في نهاية المطاف عندما يتدخلون بعنف لتفريق المحتجين فهم لا يصنعون ذلك لأنهم ساديون يتلذذون بسلخ إخوانهم، ولكنهم يفعلون ذلك لأنهم تلقوا تعليمات للقيام بهذا الأمر، ورجل الأمن، مثله مثل الجندي وباقي المهن العسكرية وشبه العسكرية الأخرى، لا يفكر ويناقش عندما تصدر إليه تعليمات من رؤسائه وإنما ينفذ وكفى.
وفي حالة حدوث كوارث، لا قدر الله، بناء على هذه التعليمات، فالذي يجب أن يساءل هو من أعطاها وليس من نفذها.
ولعل أحسن جواب على محاولة رئيس الحكومة خلق هوة بين الأساتذة ورجال الأمن، بحيث يصبح كل من تضامن مع جهة فهو بالضرورة ضد الجهة الأخرى، هي تلك الصورة المنتشرة في الفيسبوك والتي يقدم فيها أستاذ شربة ماء لرجل أمن، مرفقة بتعليق يقول «من الصباح وهوا تايسلخ فينا ولكن ملي شفتو عطش عطيتو يشرب، حيت أنا رجل تربية عاد رجل تعليم».
فهل هناك احترام وتقدير لرجال الأمن من طرف الأساتذة أكثر من هذا؟
لذلك فليس لرئيس الحكومة أن يزايد علينا وعلى هؤلاء الأساتذة في احترام رجال الأمن، كلنا واعون بالدور الحيوي الذي يقومون به من أجل حماية أمننا، خصوصا في ظل الإدارة الجديدة للأمن، ونحن ممتنون لهم.
رئيس الحكومة يؤاخذ الأساتذة على عدم حصولهم على ترخيص بالمسيرة الاحتجاجية، وكأني به نسي عندما قاد مسيرة غير مرخص لها أيام الشبيبة الإسلامية انطلاقا من مسجد النور تضامنا مع قتلة عمر بنجلون، قائلا قولته المشهودة «أبجريرة كلب أجرب يعتقلون إخواننا»، ونسي عندما احتج الرميد وإخوانه بدون ترخيص أمام بلدية وجدة، وكيف احتج بنكيران بدون رخصة أمام محكمة سلا ضدا على اعتقال جامع المعتصم، الذي أفصح أخيرا أنه تدخل شخصيا لإطلاق سراحه وشبهه بالنبي يوسف الذي خرج من السجن نحو المنصب والوجاهة.
وهكذا لم يترك بنكيران وزيرا من وزرائه ولا حواريا من حوارييه إلا وشبهه بنبي من أنبياء الله، فالرميد عمري الخلق، والمعتصم يوسفي الحظ، أما هو فيشتغل مباشرة مع الله، ونخشى أن يأتي علينا يوم يعلن فيه بنكيران أنه المهدي المنتظر.
ومن جانبهم، فالأساتذة المتدربون يجمعون عريضة دولية ويستعدون للجوء إلى القضاء لمحاسبة المتورطين.
وقد أصبح واضحا الآن أن حكومة بنكيران تواجه مطلبا شعبيا بالرحيل سيتطور بلا شك إذا لم تبادر إلى سحب المرسومين اللذين أثارا هذه الفتنة التي قد تشعل الشارع مجددا مع اقتراب ذكرى عشرين فبراير.
لقد حذرنا سابقا من وجود مخطط لإحياء الربيع العربي في شوارع المملكة، وما يمكن أن يقود إليه هذا الوضع من فوضى قد تلحقنا لا قدر الله بركب الدول الفاشلة التي نشاهد مآسيها يوميا في نشرات الأخبار، وها هو رئيس الحكومة بقرارته الهوجاء وتصريحات وزرائه المستفزة، بدءا من الوزير السارح ووزيرة جوج فرنك ووزيرة «لا أنام»، وانتهاء بوزير «مافراسيش»، ووزير «بيا ولا بيهم»، يقرب الحطب اليابس من النار الملتهبة أكثر من اللازم.
لقد سمعنا رئيس الحكومة يقول إنه لا سلطة له على وزارات الخارجية والأوقاف والدفاع والداخلية، وها هو يشتكي اليوم أن سلطته لم تعد تشمل وزارة التعليم عندما أصبح بلمختار يطبق قرارات تحت ذقن بنكيران، كقرار تدريس المواد العلمية بالفرنسية الذي اتضح أن الوزير لم يستشر فيه مع رئيس الحكومة.
إنه لمخجل حقا أن يعترف رئيس حكومة، يستفيد من كل الامتيازات النقدية والعينية التي يمنحها منصب رئاسة الحكومة، بأنه لا يملك سلطة على وزراء في حكومة شكلها بنفسه.
وحتى إذا «تفهمنا» عجز رئيس الحكومة عن التحكم إداريا في بعض وزرائه، فإننا لا نستطيع أن نتفهم تهربه من تحمل المسؤولية السياسية لما «يقترفه» بعضهم من زلات.
فرئيس الحكومة الحقيقي هو الذي يتحمل مسؤولية جميع ما يقوم به وزراؤه من قرارات وأفعال وتصريحات، وفي حالة عدم اتفاقه مع أحدهم فما عليه سوى أن يرفع إلى الملك طلبا بإعفاء الوزير المعني.
لقد كنت دائما مقتنعا أنه طالما أن الفاعل السياسي لم يوضع أمام إغراء المال والسلطة والنساء فلا يمكن تصديق شعاراته أو الوثوق فيه.
وها قد تم وضع حزب العدالة والتنمية وقياداته أمام هذه الإغراءات، وقد شاهدنا خلال هذه السنوات الأربع التي أمضوها في السلطة كيف غيرتهم هذه السلط الثلاث.
عندما مارسوا السلطة ثملوا بها وسقطوا في الشطط، فقاضى رئيس الحكومة المعطلين لكي يحرمهم من التوظيف، وبرر سلخ الأطباء والأساتذة، تحت ذريعة تطبيق القانون.
وعندما وضع بعضهم أمام إغراء المرأة سقطوا في أول امتحان وانتهوا خارج الحكومة.
وعندما فتحت لبعضهم خزائن الدولة داوموا على اختلاق مهمات في أمريكا تحت ذريعة الدفاع عن قضية الصحراء للحصول على مئات الآلاف من الدولارات كتعويضات.
وبعدما دخلوا الحكومة «معظمين»، من العظام وليس العظمة، مبهدلي الثياب تكسو وجوههم لحى أهل الكهف، صاروا اليوم «مكستمين» ومحنكين ومكرشين، يركبون سيارات الدولة الفارهة ويتسابقون للسكن في المنتجعات.
لذلك فنصيحتي للمغاربة هي أن لا يصدقوا أي سياسي مهما كانت شعاراته نارية وثورية قبل أن يشاهدوا نتيجة امتحانه أمام ثالوث السلطة والمال والنساء.
وكل من يعدكم بالنعيم والعدالة الاجتماعية والمساواة ومحاربة الفساد واقتنعتم به، قولوا له سنصوت عليك لكن لن نصدقك حتى نرى نتيجة امتحانك، آنذاك سنعرف ما إذا كنا سنستمر في منحك صوتنا أم أننا سنلقيك في مزبلة التاريخ، تلك التي رمى فيها الشعب أحزابا أخرى قبلكم رسبت في امتحان الإغراءات الثلاثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى