تتوالى الأحداث المثيرة المرتبطة بفضيحة السمسرة والاعتقالات التي هزت محاكم الدار البيضاء، خلال الأيام القليلة الماضية. فبعد اعتقال نائب لوكيل الملك بالمحكمة الزجرية بعين السبع وإيداعه السجن رفقة 24 شخصا، بينهم مسؤولون أمنيون وموظفون وتجار وعاطلون، ومتابعة نائبين لوكيل الملك بالمحكمة نفسها في حالة سراح، جاء الدور، أول أمس الأربعاء، على قاض مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كان يشغل مهمة رئيس غرفة بالمحكمة نفسها، كشفت التحريات الأولية تورطه في فضائح الرشوة واستغلال النفوذ.
ونظرا لتمتع القاضي المستشار المتهم بالامتياز القضائي، وانتمائه للدائرة القضائية نفسها التي تفجرت بها فضائح السمسرة، تقرر نقله إلى محكمة الاستئناف بالرباط التي تم تعيينها من طرف محكمة النقض للبت في الملف، حيث تم عرضه على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط الذي استمع إليه قبل إحالته على قاضي التحقيق ملتمسا منه المتابعة في وضعية اعتقال وإيداعه السجن، وقرر قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة بقسم جرائم الأموال إيداعه سجن العرجات 2، مساء أول أمس، في انتظار الشروع في إخضاعه لمسطرة الاستنطاق التفصيلي حول التهمة الخطيرة الموجهة إليه، مطلع شتنبر المقبل، والمرتبطة بجريمة الارتشاء بطلب وتسلم مبالغ مالية من أجل القيام بعمل من أعمال الوظيفة، وذلك طبقا للفصل 248 من القانون الجنائي.
وكانت التحقيقات المتواصلة حول قضية السمسرة والنصب بالبيضاء أطاحت بقاض مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء من مواليد 1962، وهو رئيس غرفة بها، حيث كشفت الأبحاث تورطه في قضايا رشوة واستغلال النفوذ وتسلم مبالغ مالية، بناء على تصريحات بعض الموقوفين، وتسجيلات هاتفية فضحت سيناريوهات مشبوهة طالت بعض المحاكمات ومعالجة قضايا رائجة بالمحكمة وصفت بالخطيرة. وينتظر أن تكشف التحقيقات التفصيلية التي سيخضع لها المتهم، بعد ثلاثة أسابيع، عن تطورات جديدة مرتبطة بتفاصيل التهم المنسوبة إليه، ارتباطا بالفضيحة الأم التي تفجرت بالدار البيضاء.
ويعتبر القاضي المستشار الذي تم إيداعه السجن، أول أمس، مباشرة بعد عرضه على الوكيل العام للملك، رابع مسؤول قضائي تسقطه الأبحاث المنجزة حول شبكة «السمسرة بمحاكم البيضاء»، حيث يتابع ثلاثة نواب لوكيل الملك، أحدهم تم إيداعه سجن عكاشة بتهم ثقيلة، فيما يتابع زميلاه في وضعية سراح.
وكانت مدينة الدار البيضاء اهتزت، قبل أسبوع، على وقع فضيحة مدوية تفجرت تزامنا مع التحقيقات الجارية حول التسجيل الصوتي المسرب بين القضاة، والذي خلق جدلا واسعا وسط جهازي القضاء والمحاماة بالمملكة وجر مسؤولين كبارا للتحقيق.
يتعلق الأمر بجرائم نصب وتزوير كبيرة ورطت مسؤولين أمنيين وقضائيين وموظفين ومستخدمين وتجارا وحرفيين، حيث ضمت لائحة أولية للمشتبه فيهم 29 شخصا، جرى عرضهم، مساء الجمعة الماضية، على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تقررت متابعة 25 شخصا منهم في حالة اعتقال، فيما تقررت متابعة الباقي في حالة سراح، وعددهم خمسة أشخاص يتمتعون بالامتياز القضائي، بينهم ثلاثة قضاة، وشرعت الجهات القضائية المختصة في البت في ملفاتهم، حيث قرر قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء متابعة نائبين لوكيل الملك بالمحكمة الزجرية بعين السبع في حالة سراح، وإيداع القاضي المستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء سجن العرجات، بعد إحالته على محكمة الاستئناف بالرباط، أول أمس.
وتابعت المحكمة المتهمين في هذا الملف بتهم ثقيلة، تتعلق بتكوين عصابة إجرامية متخصصة في ارتكاب جنح وجنايات الارتشاء، والتزوير في محاضر رسمية، والوساطة فيها لدى موظفين عموميين مقابل دفع وتلقي مبالغ مالية كبيرة، وكذا استغلال النفوذ، والخيانة الزوجية، والمشاركة والنصب.
وبخصوص باقي المتابعين، فيتعلق الأمر بشخص يلقب بالعمومي يملك شاحنة لنقل البضائع، وشخصين يشتغلان في مجال البناء، وصاحب محل لبيع واقتناء السيارات المستعملة، ومتهم خامس يسير شركة بالبيضاء، وأربعة متهمين آخرين أحدهم عاطل والثاني مساعد تاجر، فيما يشتغل ثالثهم في مجال التلحيم، أما الرابع فهو مياوم، إضافة إلى مسير مقهى بالقرب من محكمة عين السبع، وسائق سيارة أجرة، ثم أربع سيدات ثلاث منهن ربات بيوت بدون مهام، فيما تشتغل الرابعة ضمن شركة للمناولة متخصصة في التنظيف.
وضمت اللائحة أيضا موظفين آخرين جرى إيداعهم السجن، تتوزع مهامهم بين مستشار قانوني، وموظفة بمحكمة الاستئناف، وزميل لها موظف بالمحكمة الابتدائية الزجرية، إضافة إلى ثلاثة رجال أمن تتوزع رتبهم بين مقدم شرطة وحارس أمن، كما تضم اللائحة محاميا بهيئة الدار البيضاء، ومتقاعدا في جهاز الدرك الملكي، ومقاولا، فضلا عن عون سلطة برتبة مقدم حضري يشتغل بالملحقة الإدارية دار بوعزة.
وبخصوص اللائحة الثانية التي تم تقديم أفرادها في حالة سراح، فقد ضمت مسؤولين قضائيين وأمنيين يتمتعون بالامتياز القضائي، ويتعلق الأمر بمفتش شرطة ممتاز، وضابط شرطة قضائية، وباشا ممتاز بباشوية دار بوعزة ضواحي مدينة الدار البيضاء إضافة إلى نائب أول لوكيل الملك بالمحكمة الزجرية، فيما ضمت لائحة مصنفة أخرى أسماء ثلاثة قضاة.