شوف تشوف

الرئيسية

فريدة.. أرملة أحمد بن جلون التي قضت نصف حياتها أمام أبواب السجون

قدر فريدة أن ترتبط بزوج ليس كالآخرين، لم تستمتع بحياتها الزوجية على غرار باقي صديقاتها، لأن المخبرين كانوا يتعقبون حلها وترحالها فقط لأنها زوجة معارض يساري اسمه أحمد بن جلون وشقيق معارض لا يقل بأسا اسمه عمر بن جلون.
كانت فريدة تعتقد أن حياتها ستكون رتيبة مع زوج له اهتمامات سياسية، ولا يملك هامشا للالتفات لأسرته الصغيرة. ففي شقة بالرباط، وتحديدا في حي حسان الهادئ، كان الرجل يستيقظ باكرا، فيتناول فطوره ويطالع أجندته، ويرتدي بذلة المحاماة استعدادا لجلسة الترافع عن قضية ما، وحين ينتهي من عمله لا يمكنه العودة إلى البيت مباشرة، إذ يتوقف في مقهى «الموناليزا» القريبة من مكتبه، التي يدخلها وفي ساعده بذلته السوداء متأبطا مجموعة من الجرائد والمجلات، «يأخذ قهوته ويطالع الجرائد ويحاول فك كلماتها المتشابكة وكأنه أمام شبكات عالقة في حياته المهنية والسياسية ويكسرها بسيجارته المعتادة»، على حد تعبير ابنه عمر محمود.
كانت فريدة تعرف أن ارتباط زوجها بالعمل السياسي يجعل حضوره في البيت استثناء وغيابه قاعدة، وحين كان يطول تأخره تنتابها كل الهواجس السيئة، وتربط الاتصال برفاقه في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي للبحث عن متغيب مسكون بالسياسة.
تعتبر فريدة من الشخصيات المؤثرة في حياة أحمد، رغم أنها لم تظهر في واجهة الأحداث. لقد كشفت المذكرات التي أعدها المناضل اليساري ونشرتها «الأخبار» عن هذا الجانب، وذلك بالتوقف عند الدور الكبير الذي لعبته فريدة بن جلون ليس فقط في دعم ومساندة زوجها ورفيقها في النضال، ولكن في دعم ومساندة كل المناضلين ماديا ومعنويا، خاصة في فترات المحن.
قال عنها زوجها إن «ما أظهرته هذه السيدة الرائعة من تفان ونكران الذات، وما قدمته من تضحيات يشهد بها كل المناضلين الذين تعرفوا عليها، يؤكد فعلا أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة».
تعترف فريدة بقساوة الحياة مع أحمد بن جلون، «كان مساره النضالي حافلا بالتضحيات الجسيمة»، لكن رغم ذلك يمكن القول إن الحياة معه كانت أيضا لينة لأنها أتاحت له فرصة اللقاء والعيش مع إنسانة في قمة الوفاء.
حين رزقت فريدة وأحمد في عام 1977، بمولود ذكر في أجواء الاتحاد الاشتراكي، قبل إنشاء حزب الطليعة، في يوم الميلاد عدل أحمد برنامجه وألغى لأول مرة مواعده، وأصر على أن يختار للمولود اسما سياسيا مركبا، وتتذكر فريدة هذه اللحظة ويجد الابن متعة في استحضارها. «اختار لي اسم عمر نسبة لشقيقه الشهيد عمر بنجلون، وأضاف إليها اسم محمود عن الشهيد محمود بنونة، لكنه كان يسميني «عميروش» تصغيرا لعمر، وكان اسما ظريفا في ذهني. يوما ما سألته هل عميروش لها معنى سياسي مثل عمر ومحمود؟ أجابني إن عميروش هو بطل حرب التحرير الجزائرية، فاقتنعت نهائيا أن لا مفر لي من السياسة».
كانت فريدة تقضي سحابة يومها في مطبخ شقتها بزنقة الحسيمة في حي حسان بالرباط، حيث تعد «قفة» زوجها السجين الذي يوزع وقته بين الحرية والاعتقال. كان التموين يتضمن رغيفا ودجاجا وعلب سجائر نوع «الداخلة» وأحيانا رقعة شطرنج إذا صودرت منه الرقعة السابقة. لحسن حظها أن سجن «لعلو» لم يكن يبعد عن مقر سكنها إلا ببضعة أمتار، ما مكنها من العيش في مناخ مليء بالمحاكمات والاعتقالات والزيارات الجماعية للسجن والزيارات البوليسية للمنزل، لذا أصيب ابنها عمر بعدوى السياسة ونظم في ثانوية «دار السلام» بالرباط في 1994، إضرابا للتلاميذ تضامنا مع المعتقلين في الغليان الذي كان يعرفه المغرب حينها.
حين كان زوجها أحمد يكتب افتتاحيات «ليبراسيون»، كان يصر على مناقشتها داخل الأسرة الصغيرة، وحين كان يمارس المحاماة كانت فريدة تزوره رفقة ابنها، بل قبل هذه الفترة، وتحديدا حين كان مجرد عضو في مكتب النقيب بن عمر.
كان أحمد يشارك زوجته في كثير من النقاشات السياسية، سيما حين انتقل ابنه عمر إلى فرنسا لاستكمال دراسته الجامعية في القانون، بل إنه استشار مع الزوجة والابن معا حين اتصل به فؤاد عالي الهمة لاستشارته حول رغبة الملك في العفو عن منفذي جريمة قتل عمر بن جلون، شقيق أحمد.
توفي أحمد إثر إصابته بجرثومة في الرئة، وهو المرض الذي اضطره إلى ملازمة المستشفى لمدة أسبوعين، حيث تحسنت وضعيته الصحية في اليومين الأخيرين، وكان على وشك التماثل للشفاء، قبل أن تفاجأ أسرته برحيله إلى دار البقاء عن سن يناهز 73 عاما. زارته زوجته فريدة ساعات قبل رحيله وتحدثت إليه بعدما استفاق من غيبوبته، قبل أن تفاجأ بوفاته في ساعات متأخرة من الليلة نفسها.
منذ سنة 2008 غيرت فريدة مسارها وأصبحت تتردد على المصحات بدل السجون، ففي تلك السنة أصيب أحمد، عندما كان يهم بالنزول من القطار من محطة «الرباط- المدينة» قادما من الدار البيضاء، بكسور بالغة في كتفه ورضوض في باقي أنحاء جسمه.
اتصلت فريدة بابنها عمر وأخبرته بالحادثة والتمست منه العودة إلى الوطن، ومنذ ذلك الحين تحول نجله إلى محام بهيئة الرباط، وعضو في الاتحاد الاشتراكي وليس الطليعة. يبرر عمر هذا الموقف بالقول: «كنت أنتمي لحزب الطليعة، وكنت عضوا في لجنته التنظيمية لمؤتمره الرابع عام 1993، ولكني لم أتفق مع ممارسته السياسية، فأنا لست متفقا مع المنهجية التي سلكها حزب الطليعة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى