شوف تشوف

الرأي

فرز قمامة الأخلاق

حسن البصري
تخلصت السلطات الجزائرية من وجع الرأس، واستبدلت رئيس اتحاد الكرة خير الدين زطشي برئيس جديد يدعى شرف الدين عمارة. لم تكن وزارة الرياضة في الجارة الشرقية بحاجة إلى نصاب قانوني ولائحة وصندوق اقتراع، فالوضع الاستعجالي يفرض الإطاحة برئيس اتحاد الكرة، فقط لأنه سقط في امتحان الرباط.
بحث حكام الجزائر عن رئيس جديد يفهم دروس الديبلوماسية الرياضية جيدا، ويعرف أن مباريات الكرة ليست مجرد تحصيل انتصارات وتفادي انكسارات، بل هي خلطة رياضية بصلصة سياسية. سهر صناع المناصب الليالي بحثا عن رئيس لا يقبل المهادنة رجل صدامي قابل للاشتعال، فاهتدوا لعمارة الذي كان يوما رئيسا مديرا عاما لشركة تصنيع عود الثقاب، قبل أن يوسع اختصاصاته ويصبح صاحب مصنع للتبغ والكبريت في مدخله عبارة «ممنوع التدخين».
يعرف الرئيس الجديد المغرب جيدا زاره مرات عديدة، تربطه علاقة قديمة مع بادو الزاكي ورشيد الطاوسي، منذ أن كان عمارة رئيسا لفريق شباب بلوزداد الجزائري، ويعرف أن طموحاته لا تتوقف عند رئاسة فريق أو اتحاد للكرة بل يسعى الرجل لركوب صهوة الكاف والفيفا، «سي لافي»، على حد قول الشاب خالد.
كان حكام الجزائر يبحثون عن «بروفايل» رئيس تجمع فيه ما «تشتت» في غيره من الرؤساء السابقين، فقال عمارة أنا محام أجيد الترافع وشاعر أتقن شعر النقائض ولغوي أدافع عن لغة الضاد كتبت أسماء اللاعبين على قمصان فريقي باللغة العربية، وأملك مستشارين في تدبير الأزمات ورخويات إعلامية قابلة للانبطاح سرا وعلانية، فقال خزنتها ادخلوها خالدين، مع توصية بالخضوع لدروس مسائية في الديبلوماسية الكروية.
في كرة القدم ليس بالضرورة أن تكون لاعبا سابقا أو مدربا أو حكما حتى تنال منصب رئيس فريق، فالتاريخ لا يجدي أمام الجغرافيا، لذا يستحسن أن تكون مروضا مستعدا لاستلام جثة فريق أو جامعة أو عصبة وتحويلها إلى كائن في فترة نقاهة، بدل أن تملك خزانا من الدموع تصبه كلما حلت الأزمات. لهذا قد نفهم سر الاستعانة بخبير في الكبريت.
في الجزائر فقط، يتحول تعيين رئيس اتحاد الكرة إلى «قضية دولة»، تستنفر لها الأجهزة السرية ما يكفي من جهد، لكن ما رجح كفة عمارة هو نجاحه في تأسيس شركة مختصة في جمع النفايات الورقية والكارطون، وقدرته على تثمين النفايات وجعل المنقبين في الصفوف الأمامية لمشروع قال إنه «صديق للبيئة» والحال أنه صديق لجنرالات الجزائر. ومثلما «بحث» عنه كرسي رئاسة شباب بلوزداد وجد كرسي الاتحاد ينتظره عند مدخل قاعة الجمع العام.
لقد جيء بالرئيس السابق لاتحاد الكرة الجزائري على ظهر دبابة، فيما جاء الرئيس الحالي في بطن غواصة، دون سابق إشعار ودون منافس ودون برنامج ودون معارضة، فالظروف الاستثنائية أصبحت اليوم مبررا للكسالى والخاملين، والوباء زاد في عمر رؤساء الفرق والاتحادات وجنبهم المساءلة المباشرة في زمن كل شيء فيه يتم «عن بعد».
مباشرة بعد انتخابه رئيسا لاتحاد الكرة الجزائري، وجد عمارة نفسه أمام قضية عبد السلام وادو، مساعد مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي، بعد أن اشتكاه مواطنه الحسين خرجة للقضاء الفرنسي بتهمة «السب والتشهير». الرئيس سيجد الفرصة مواتية لتمشيط المنتخب من مناصري الرئيس السابق زطشي، خاصة وأن صك الاتهام يؤكد أن وادو وصف عميد المنتخب المغربي سابقا بـ«آكل القمامة». سيغضب عمارة كثيرا من مساعد مدرب المنتخب الجزائري، خاصة وأن القمامة لعبت دورا كبيرا في صناعة مجده الرياضي والاقتصادي. وقد يمتد سوط الرئيس الجديد للمدرب بلماضي الذي يعتبره جزءا من الماضي.
بعدما جرب حكام الجزائر وصفة خير الدين ها هم اليوم يقدمون للمجتمع الكروي الجزائري وصفة شرف الدين، في انتظار علاء الدين والمصباح السحري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى