فرجة معقمة
حسن البصري
يستبدل المغاربة الخوف بالسخرية وهم يتحدثون عن فيروس «كورونا»، فقد قرروا التعامل مع الوباء بسخرية وأطلقوا العنان لخيالهم ولروح الدعابة فيهم، فانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي طرائف وصور وأغان شعبية، وظهر كتاب كلمات استلهموا إبداعاتهم من مشاهد الفيروس.
ومن المواضيع التي تناولها الساخرون من الوباء، قضية طرد جماهير الوداد الرياضي من تونس ومنعهم من دخول مطار قرطاج بداعي الخوف من «كورونا» وسعيهم كي تظل تونس الخضراء ممنوعة على الأحمر. كان حريا بلجنة اليقظة التونسية أن تغلق حدودها في وجه القادمين من إيطاليا وليس المغرب، خاصة مع انتشار الفيروس في هذا البلد الأوروبي القريب من تونس والذي تعيش فيه جالية كبيرة من التونسيين. رغم أن البعض روج لأنباء غير دقيقة عن إمكانية إغلاق الحدود التونسية أمام الإيطاليين، والحال أن إيطاليا هي عادة من تغلق حدودها في وجه تونسيين يخاطرون بحياتهم للوصول إليها، سبحان مبدل الأحوال. والأغرب أن بعثة الوداد لم تجد أي مسؤول في استقبالها وحين استفسر عضو من البعثة المغربية عن السبب جاء الرد صادما «رئيسكم ماجاش معكم كيف تبيو رئيسنا يجي يستقبلكم؟».
كل القرارات الصادرة عن السلطات المعنية بصحتنا لها انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية على المشهد الرياضي، فمنع تنقل الجمهور بقدر ما يضر باقتصاد الكرة ويضع وكالات الأسفار في موقف حرج، بقدر ما يعفي منظمي المباريات من قضاء وقت طويل في وضع خطط لمواجهة المد الجماهيري.
قرار العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية يقدم ضوابط مباريات بدون جمهور، طبعا حرصا من هذا الجهاز «على سلامة أسرة كرة القدم»، ويحدد عدد المسموح لهم بولوج الملعب في اللاعبين والأطقم التقنية والطبية والمسيرين، ثم في خمسة مسؤولين عن كل فريق، والحكام وممثلي الجامعة أو العصبة وأفراد الشركة المختصة في غرفة «الفار» وطاقم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والإعلاميين، ورجال الأمن والمخبرين طبعا، ليصل العدد إلى ما يزيد عن مائة فرد، وهو عدد الجمهور الحقيقي لأكثر من فريق في بطولاتنا. لكن الغريب أن بلاغ العصبة الاحترافية أسقط الفرق الطبية ولم يتحدث عن إجراءات احترازية جديدة وكأن القضية تتعلق بقرار تأديبي يحرم فريقا من جمهوره وليس قرار طوارئ.
لكن من الرابح من القرار بغض النظر عن الجانب الوقائي من وباء يتربص بالكرة؟
سينعم المدربون بالهدوء وهم يدبرون مبارياتهم أمام مدرجات فارغة، ستعم السكينة الملعب إلا من صيحات منفلتة لبعضهم تصل إلى مسامعنا عبر مكبرات الصوت التي تكشف بين الفينة والأخرى محادثات تتضمن كلمات ممنوعة على الجمهور الناشئ، وستسقط لازمة «الضغط الجماهيري».
سينعم زعماء فصائل الالتراس بإجازة، وسينكب رفاقه في خلوتهم على إخضاع عتادهم الحربي للصيانة، وسيكون «الوي كلو» فرصة لزيارة المعتقلين منهم، وإعادة ترتيب البيت من الداخل.
سينعم السكان المجاورون للملاعب بالراحة وسيتمكن أبناؤهم من الركض أمام منازلهم دون أن يخضعوا للاعتقال الإجباري كلما لاح في الأفق موعد كروي، وسيفتح الباعة دكاكينهم في يوم المباراة دون أن يخشون لائمة مقدم لائم، وستفتح المقاهي في وجه زبناء نهاية الأسبوع ويتحرك النادل بكل حرية دون أن يستطلع أحوال الطقس الكروي أو يتلقى إشعارا بغارة وشيكة كما اعتاد في أيام المباريات الحارقة.
سينعم رجال الأمن بالراحة والطمأنينة وهم يحرسون كراسي ملونة، لن يقتادوا أحدا إلى المخفر، وليسوا في حاجة إلى الكلاب المدربة والدروع الواقية والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.
لأول مرة سيعفى الحكام من صفير الاستهجان، سيغادرون الملعب دون أن تطوقهم القوات الأمنية، بإمكانهم اليوم تناول فنجان قهوة قبالة الملعب، قبل الانصراف دون أن يعبث مشجع بخلوتهم. سينسحب باعة المأكولات ويحل محلهم باعة الكمامات وعليها شعارات الفريق.
في طي كل نقمة نعمة.