هناك مقولة شهيرة للقائد الفرنسي نابليون بونبارت: “ابحثوا عن المرأة”. البعض أساء تفسير هذه العبارة الصادرة عن زعيم عسكري، فجعل المرأة مرادفا للمكائد وحطبا للفتن.
مرت الأيام فتبين زيف الادعاء، واكتشف الجميع أن الرجل أيضا مبحوث عنه، ورفعت المنظمات النسائية شعار “فتش عن الرجل أيضا”.
لكن ما يحصل اليوم من تحولات مجتمعية عميقة جعلتننا نبرئ المرأة والرجل ونعلن انتهاء صلاحية مقولة بونبارت الذي كانت له خليلات متعددات الجنسيات.
“فتش عن الكرة” وابحث عنها في جلسات السياسيين ورجال الأعمال وفي عروض الأزياء وفي دروس الوعظ والإرشاد..
في خطاب ألقاه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، بالبرلمان المغربي، تسللت الكرة إلى أوراقه وأصرت على أن تجد لها موقع قدم بين السياسيين.
قال الرئيس الفرنسي، وهو يتحدث عن الشراكات الاستراتجية بين المغرب وفرنسا، إن القطاع الوحيد الذي سيظل فيه المغرب خصمنا، هو كرة القدم، مشيرا إلى المباراة القوبة التي جمعت المنتخبين الفرنسي والمغربي في مونديال قطر 2022.
ولأن للكرة جاذبيتها فقد كان هذا التلميح الساخر، كافيا لانتزاع تصفيقات الحاضرين كما يحدث بالضبط في مدرجات ملعب حين يستمتع الجمهور بلمسة فنية.
في خطابه استنجد ماكرون بالكرة، وأشاد بدور اللاعبين المغاربة في نزع فتيل النزاع من معركة كروية حارقة جمعت نهاية الأسبوع الماضي، بين الغريمين أولمبيك مارسيليا وباريس سان جيرمان.
“ابحث عن الكرة” التي تسللت من تحت الأقدام إلى قبة البرلمان، لتعيد إلى أذهان السياسيين القيم الفضلى للرياضة. هنا أستحضر خطابا للرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند حين قال أمام وزراء حكومته:
“يجب على السياسي أن يكون كلاعب الكرة القادر على اللعب في أكثر من مركز”، وأضاف بأنه يبحث عن ميسي السياسة الذي يأسر الجماهير بما فيها خصومه. في كل مرة يضطر السياسيون للاقتداء بما يجري في الملاعب بالرغم من ارتباط الكرة بالصخب والشغب والمكائد التكتيكية.
لهذا لا تخلو خطب جورج وياه من الأمثلة المستمدة من خطط المدربين، فمنذ وصوله إلى كرسي رئاسة ليبيريا، لا تغيب الكرة عن خرجات هذا الرئيس الذي حصل على الكرة الذهبية كأول لاعب إفريقي ينال هذا الشرف. ظل يؤمن بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، لكنه خسر “ديربي” الانتخابات الرئاسية بضربات الترجيح أمام خصمه السياسي جوزيف بواكاي.
لا يعلم كثير من الزعماء الفرنسيين أن عددا من اللاعبين المغاربة حملوا قميص المنتخب الفرنسي ودافعوا عنه وسجلوا أهدافا حاسمة في تظاهرات عالمية، أمثال العربي بن مبارك وعبد الرحمان بلمحجوب، وأن المنتخب الفرنسي الحالي المتعدد الجنسيات يواصل استدراج كثير من المواهب المغربية التي توزع كل أسبوع الفرح على الشعب الفرنسي بسخاء.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد من التوقف عند روني كونتي الرئيس الفرنسي السابع عشر، والذي فوجئ يوم 29 ماي 1955 أثناء رئاسته للمباراة النهائية لكأس الجمهورية بين فريقي بوردو ونيس، وتحديدا خلال بروتوكول مصافحة لاعبي الفريقين، بعبد السلام عاطف مهاجم بوردو الفرنسي وهو يمسك بيده ويستوقفه ليلتمس من سيادة الرئيس إعادة السلطان محمد الخامس من منفاه إلى وطنه المغرب.
قال عبد السلام: “سيدي الرئيس سأكون سعيدا لو رفعتم الحجر عن ملك بلدي وأنهيتم نفيه في مدغشقر”، ذهل الرئيس من قوة الملتمس، لم يكن يتوقع تسلل مطلب سياسي إلى رقعة الملعب، وكلما لمس عبد السلام الكرة انتاب الرئيس في منصته الرسمية، وخز من السياسة.
حين التقيت بأرملة عبد السلام، في درب بوسبير القديم بالمدينة العتيقة، أصرت على أن أدخل بيتها المتواضع، لتروي قصص الجحود وتتقاسم معي قلقها وخوفها من مصير أبنائها ومن جرافات مهيدية.